لم تعد مراكز الإيواء تتّسع للعائلات الغزية التي تركت منازلها في شمال القطاع ومدينة غزة، ونزحت إلى جنوب وادي غزة تشبثاً بالأمل والنجاة من حرب الإبادة التي يشنها الجيش الصهيوني . ودفع الازدحام الكبير، وخصوصاً في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بعض العائلات للبقاء في السيارات واعتبارها بيوتاً لإيوائهم والحفاظ على حياتهم من الموت. هكذا تحوّلت السيارات في غزة إلى مكان للجلوس والنوم والأكل والمشرب، رغم الخطر المحدق، وقد اصطفت المركبات عند بوابات مدارس "أونروا" المكتظة بالنازحين. لم يكن المواطن أيمن أبو شوارب يعلم أنه سيترك مسقط رأسه في عزبة عبد ربه، شمالي قطاع غزة، ليجد نفسه في مركبته الخاصة أمام أحد مراكز الإيواء وسط قطاع غزة من دون مأوى ولا ملجأ. يقول أبو شوارب إنه نزح مع عائلته بعد تهديد الاحتلال الصهيوني المواطنين القاطنين شمالي القطاع بالتوجه إلى الجنوب في اليوم الرابع عشر للحرب على غزة، تاركاً كل شيء، أي البيت والمزرعة. ويوضّح أنّه حاول الدخول إلى مركز الإيواء، إلا أنه لم يستطع بسبب كثرة النازحين وامتلاء المراكز والغرف وحتى الساحات، ما دفعه لاتخاذ السيارة مكاناً للإيواء رغم الخطر الشديد واستهداف الاحتلال للمركبات"، لافتاً إلى أن "الاحتلال المجرم يستهدف كل ما في غزة من بشر وحجر". ويضيف أنّ أسرته المكونة من سبعة أفراد لا تسعها السيارة التي أصبحت أشبه بغرفة معيشة لهم، فيها يأكلون ويشربون المياه التي انعدمت لأيام عدّة، مؤكّداً أنّ كل أفراد أسرته أصبحوا يعانون من آلام مختلفة نتيجة بقائهم في السيارة. يتابع: "حاولت كثيراً إلحاق أسرتي بمركز الإيواء داخل المدرسة، لكن حتى اللحظة، لم يتوفر لنا مكان، ما جعلني لا أجد خياراً سوى سيارتنا التي أصبحت ملاذنا الوحيد"، داعياً العالم وأصحاب الضمائر الحية للتحرك الفوري والعاجل لإنقاذهم أمام الخطر الكبير الذي قد يجعله وأسرته شهداء في أي لحظة. لجوء واغتراب لا يختلف الحال كثيراً عند المواطن أحمد أبو زيد (49 عاماً)، الذي نزح من مدينة غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع بحثاً عن الأمان. يقول أبو زيد: "لم أجد مكاناً لي ولأسرتي المكونة من 12 شخصاً داخل مراكز اللجوء في المدارس، الأمر الذي دفعني لاتخاذ التوك توك مكاناً لعائلتي. أناشد الجميع توفير أي مكان أحتمي فيه وعائلتي التي تضم أمي المسنة ووالدي المسن". يتابع: "منذ اللحظة الأولى لوصولنا بعد ساعات على مرورنا على طرقات فرعية في ظل استمرار الخطر والخوف من استهدافنا من قبل المحتل وطائراته التي ترصد كل شيء، عشنا مشاعر التهجير والنكبة، وقد تركنا بيوتنا ومساكننا وذكرياتنا وأحلامنا. اليوم نحن بلا مأوى ومشرّدون ولا أحد ينظر لنا، ولا نجد مكاناً نستطيع اللجوء إليه في ظل اكتظاظ المدارس والمراكز في كل المناطق التي نعتقد أنها أكثر أماناً". ذلّ وقهر يتابع: "أصبحنا نفترش العربة ونقضي فيها كل يومنا، وأصبحت هي المأوى والملاذ. لا نعلم إلى متى سنبقى هنا وإلى متى سنعيش هذا الذل والقهر؟ لم أعد قادراً على تأمين الخبز ومياه الشرب مع استمرار القتل والدمار في كل مكان وكل وقت". ويوضّح: "أخشى أن أتحرك من هنا أو أترك العربة للحظة خوفاً من أن أعود ولا أجد أفراد عائلتي أحياء".