التّحوّل الرّقمي والتّحوّل الطّاقوي..تخصّصات في صلب الأولويات "المواطن المستفيد الأول"، عبارة تتصدّر الخطاب السياسي، إلاّ أنّها لم تكن مجرد شعار، بل واقع عايشه المواطن الجزائري ممّن ينتمون الى الطبقة المعوزة والمتوسطة أو إلى عالم البطالة بكل انعكاساته السلبية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية. عالم لم يكن رئيس الجمهورية بغافل عنه، فحرص من خلال التزام صارم منه بمحاربة كل الأسباب والعلل التي تمتّ له بصلة، بدءاً بالجهل حيث ركزت السياسة الحكومية على عاملي التكوين والتأهيل في عملية متكاملة ومنسقة بين مختلف القطاعات الوزارية، ومن خلال حوار وتواصل مستمر مع الشريك الاقتصادي فيما يخص احتياجاته من اليد العاملة المؤهلة، تسعى وزارة التكوين والتعليم المهني إلى تزويدها بالمعارف الحديثة بما يستجيب لمتطلبات التخصصات الجديدة ذات الصلة برهانات المرحلة من تحول رقمي وطاقوي، ترجمت مواكبتها بمشاريع استثمارية في عدة قطاعات مكّنت بدورها من استحداث آلاف مناصب الشغل استفاد منها المواطن الجزائري خاصة فئة الشباب. أبدى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليماني في اتصال مع "الشعب"، تفاؤله بما ستعرفه سنة 2024 من ارتفاع قوي لمعدلات النمو الاقتصادية، ما سينعكس على البناء الاقتصادي للجزائر ومن خلاله على المشاريع الاستثمارية، ويفتح آفاقا واعدة لسوق التشغيل في قطاعات تعرف انتعاشا لأول مرة في تاريخ الجزائر كقطاع التعدين والمناجم واقتصاد المعرفة، مستدلا بتقرير رئيس بعثة صندوق النقد الدولي بالجزائر كريس غيرجات، الذي أكّد، منذ أسبوع، على هامش المشاورات السنوية التي تقوم بها دوريا هذه الهيئة المالية الدولية، أنّ آفاق الاقتصاد الجزائري على الأبد القصير "إيجابية بشكل عام"، وتتميز بنمو قوي وتضخم أقل، كما أنّ قيمة المعاملات الجارية لميزان المدفوعات ستسجّل في سنة 2024 فائضا للسنة الثانية على التوالي رغم انخفاض أسعار المحروقات، إضافة إلى المستوى المطمئن الذي بلغه احتياطي الصرف، وهو ما يعادل 14 شهرا من الواردات ممّا ينبئ بمعدل نمو قوي خلال السنة الجارية. فرص وليدة الاستثمار أمّا بخصوص الفرص التي باتت تطرحها سوق الشغل، أجاب عبد القادر سليماني أنّ هذه الأخيرة تسير في فلك متكامل مع سلسلة الإصلاحات التي حرص على تجسيدها رئيس الجمهورية منذ بداية مساره الرئاسي، أين عرفت قطاعات حيوية طالها التهميش لعقود طويلة، عودة قوية إلى الواجهة الاقتصادية على غرار قطاع المناجم والتعدين والصناعات الميكانيكية مدعومين بدخول غار جيبلات، ثالث احتياطي عالمي من مادة الحديد، ومنجم تبسة للفوسفات وواد أميزور للزنك، إضافة إلى ما ستعرفه سوق المركبات من انتعاش بعد تطبيق مستورديها لدفتر الشروط بضرورة إنشاء مصانع للمركبات بالجزائر وعدم الاقتصار على التصدي. وتطرّق سليماني في هذا الصدد، الى عيّنة عن مشاريع الصناعات الميكانيكية المتمثل في مصنع العلامة الإيطالية "فيات" بوهران، الذي دخل حيز الاستغلال الفعلي في انتظر علامات أخرى ستحل بمجال الصناعات الميكانيكية ببلادنا. وتابع المتحدث يقول إنّ ذات القطاعين سيمكّنان من استحداث آلاف مناصب الشغل المباشرة وغير المباشرة، في حين عرفت الساحة الاقتصادية قطاعات جديدة بمقتضى امتلاءات السياق العالمي الذي تحرص الجزائر على مواكبته، كاقتصاد المعرفة والتكنولوجيات الحديثة. معطيات وتحوّلات محورية تفرض التكيف من حيث اليد العاملة المؤهلة، يقول سليماني، وهو ما حرصت الحكومة من خلال تنسيق محكم بين مختلف قطاعاتها الوزارية وكذا من خلال التواصل والحوار الجاد مع الشريك الاقتصادي فيما تعلق بمتطلباته المهنية من حيث اليد العاملة مع التركيز على إدماج لا مشروط لجميع الفئات، دون إقصاء ولا تهميش، حيث حظيت فئة ذوي الاحتياجات الخاصة من نصيبها في التكوين والتأهيل وفرصتها في الظفر بمنصب شغل، تنفيذا للتعليمات الصارمة لرئيس الجمهورية. تخصّصات حسب الطّلب على ذكر التكوين والتأهيل، أشاد الخبير الاقتصادي بالاستراتيجية الاستشرافية والتنسيق القطاعي الذي أبان عنه القطاع الوزاري للتكوين والتعليم المهنيين، حيث تميّز الدخول المهني لدورة فيفري 2024 -حسب المتحدث - بتعزيز خارطة التكوين المهني عبر جميع ولايات الوطن بما فيها الحدودية، بتخصّصات جديدة تتماشى واحتياجات سوق الشغل المحلية، من خلال توفير اليد العاملة المؤهلة في عدد من التخصصات المهنية التي عبّر عنها الشريك الاقتصادي في إطار الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية القائمة على التنوع والخوض في مجالات جديدة مواكبة والمتغيرات الاقتصادية العالمية المرتبطة بالتحول الطاقوي والتغيرات المناخية، التي فرضت التوجه الى الطاقات المتجدّدة وتحلية مياه البحر. كما فرضت استراتيجية الاستثمار في العمق الافريقي وولوج الأسواق الافريقية، العمل على مد شبكة طرقات وخطوط سكك حديدية نحو الدول الافريقية، بالمقابل فرض رهان تحقيق الامن الغذائي، تطوير رصيد الجزائر من حيث المساحات الزراعية التي تستوجب استصلاح الأراضي بالجنوب الجزائري ودراية بالزراعات الصحراوية. استثمارات اقتصادية بقدر ما تطرحه من فرص عمل فإنّها تتطلّب مهارات ويد عاملة متخصّصة، ممّا دفع بوزارة التكوين المهني في إطار التنسيق القطاعي الذي أمر به رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الى استحداث تخصّصات جديدة، كالتكوين المتعلق بشعب البيئة ومعالجة المياه، لا سيما ما تعلق بتحلية مياه البحر. ويأتي هذا في ظل التوجه إلى ترشيد استعمال المياه واستغلال المياه المحلاة للاستجابة للطلب المتزايد على الماء، وتخصّصات في الطاقات النظيفة والمتجدّدة، إضافة إلى تخصص التنقيب عن الذهب والتعدين والسكك الحديدية، أين تمّ إبرام اتفاقيات مع الشريك الصيني لتجسيد مشاريع الابتكار لمتربصي المعهد، وتكوين في مراقبة نوعية الأغذية الزراعية، وما يمثله هذا التخصص من حتمية تفرضها السوق المحلية واحتياجاتها المتزايدة تحقيقا للأمن الغذائي وحماية للمواطن من تجاوزات الغش في مصادر وصلاحية المواد الغذائية. إضافة الى تكوين في تقنيات الإعلام والاتصال والأمن السيبراني، حيث قامت وزارة التكوين والتعليم المهنيين، خلال الدخول التكويني لشهر فيفري 2024 بإطلاق تكوين في الأنظمة والشبكات، تخصص أمن سيبراني، على مستوى المعهد المتخصص في التكوين المهني لتقنيات الإعلام والاتصال ومهن الهاتف، بالشراكة مع مؤسسات رائدة في هذا المجال، الذي يلعب دورا هاما في حماية وتامين البيانات والبرمجيات من الهجمات السيبرانية الخارجية. قطاعات تستحق الثّناء وقدّم عبد القادر سليماني أمثلة عن قطاعات تستحق الوقوف عند إنجازاتها من حيث توفير مناصب الشغل، بدءا بوزارة التعليم العالي التي سجّلت توظيفا قياسيا غير مسبوق بالنسبة لعدد الأساتذة الجامعيين وحاملي شهادة الدكتوراه، باعتبارها تمتلك أهم مخزون من المورد البشري الكفء، إضافة الى قطاع اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة الذي سجل بدوره معدلات قياسية من حيث منح شهادة "لابل مؤسسة ناشئة" لفائدة الشباب الجزائري المبتكر. كما ثمّن ذات المتحدّث عمليات التوظيف التي تتم على مستوى مصنع "فيات" بوهران، الذي سيوفر 25 آلاف منصب شغل مباشر وغير مباشر، إضافة إلى إبرامه لعقود مناولة المؤسسات الصغيرة لشباب تلقوا تكوينا في الميكانيكا وصناعة قطع الغيار، خاصة وأن سوق المناولة حسب ما أكده ذات المتحدث، تتربع على حصة لا يستهان بها من ملايير الدينارات في مجالات متفرعة من النسيج الاقتصادي. فرص استبشر بها الشباب الجزائري بعد طول معاناة مع البطالة، وعليه استغلالها في ظل باقة الإجراءات التنظيمية، من القانون 75/12 بالتعليم العالي المتعلق بشهادة "مشروع مبتكر-مؤسسة ناشئة" وقانون المقاول الذاتي، وقانون الشراكة بين القطاعين العمومي الذي سيطرح للنقاش قريبا على الهيئة التشريعية للبلاد.