انتهجت الجزائر في السنوات الأخيرة سبيل تشجيع الزراعة النباتية الزيتية، لما لها من دور حاسم في صناعة الاقتصاد، وتوفير الزيوت النباتية المستخدمة في الغذاء والصناعة، حيث يتوقّع الخبير الفلاحي بوخالفة لعلى، أن يكون للزراعات النباتية الزيتية مستقبل واعد، وسترجح كفة الأمن الغذائي لصالح الجزائر، في الأمد القريب. قال الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة، إنّه لا يمكن الحديث عن الزراعات الاستراتيجية في الجزائر، دون ربطها بمسألة الأمن الغذائي، موضحا أنه لا يجب نكران تفطّن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لهذا الجانب، وحرصه على تشجيع ودعم الزراعات الاستراتيجية، على غرار الحبوب والنباتات الزيتية، ضمن النهج الجديد لاقتصاد البلاد، الذي يرتكز على تحقيق الأمن الغذائي، الذي يعد واحدا من عوامل السيادة الوطنية. وأبرز بوخالفة لعلى، المكانة التي كانت تحظى بها الجزائر في أربعينيات القرن الماضي، إذ كانت مموّلا للدول الأوروبية بالغذاء، غير أنّ سرعان ما تراجعت هذه المكانة بعد الاستقلال، بفعل اعتماد الجزائر على اقتصاد المحروقات، الأمر الذي يعتبر من الأخطاء التي تسبّب في إهمال قطاع الفلاحة وتراجع صيته، إلى غاية السنوات الأخيرة حين تفطّن الرئيس عبد المجيد تبون إلى إحداث تغيير فعلي في المنهج الاقتصادي، ما يشبه إلى حد ما "تصحيح المسار الاقتصادي"، على حد تعبيره. وأشار الخبير الفلاحي لعلى بوخالفة، إلى أنّ حرص سياسة الدولة على إنعاش الاقتصاد الوطني، بدعم قطاع الفلاحة وتنمية الشعب الفلاحية الاستراتيجية، الذي أبان عن ثماره ونتائجه، باعتراف المنظمات الدولية، حيث توصّلت الجزائر إلى تحقيق أمنها الغذائي، من خلال تلبية 75 % من احتياجاتها الغذائية من المنتوج المحلي، غير أنّها تبقى مرتبطة باستيراد المواد الاستراتيجية الواسعة الاستهلاك، على غرار الحبوب، الزيوت، السكر واللحوم الحمراء، في وقت تمتلك الجزائر مؤهّلات تغنيها عن استيراد هذه المواد الاستراتيجية، في حال استغلت الإمكانيات المتاحة بالشكل المطلوب، مؤكدا أن الإرادة السياسية الموجودة هي أكثر عامل يساعد على تحقيق الاكتفاء الغذائي. وذكر المتحدّث أنّ تفطّن الدولة لجانب تنمية الزراعات الاستراتيجية، بغرض التقليص التدريجي للاستيراد، والتوجه نحو تصدير الفائض منها، أمر يمكن تحقيقه على الأمد المتوسط، في ظل توفر الظروف المناسبة لذلك، لاسيما المؤهّلات الطبيعية الملائمة لتنويع الزراعات النباتية الزيتية، على غرار بذور النباتات الزيتية، التي تستورد بمبالغ مالية كبيرة، وذلك من خلال استحداث أقطاب فلاحية متخصصة في الجنوب الجزائري من أجل زراعة الصوجا، والذرة الصفراء، دوار الشمس والسلجم الزيتي، وغيرها من النباتات والأشجار الزيتية لتعويض ما نستورده حاليا من الحبوب والبذور الزيتية. وأكّد لعلى بوخالفة أنّ تجربة زراعة السلجم الزيتي حقّقت النتائج المرجوة، وبرهنت على استطاعة الجزائر رفع تحدي الإنتاج وتنويع مصادر دخل الاقتصاد الوطني، مشيرا إلى أنّ التجربة أعطت نتائج إيجابية من حيث المردودية ونوعية الزيوت المستخرجة التي تفوق المعيار الدولي، غير أنّها واجهت مشكل عدم جاهزية مصانع تحويل الزيوت، الأمر الذي كان يجب أن يسبق عملية الإنتاج، بدراسة الاحتياجات وتوقّعات الإنتاج، غير أنّها تبقى تجربة ناجحة وتعتبر معيارا لتحديد السياسة الاقتصادية الفلاحية مستقبلا. وذكر الخبير الفلاحي، أنّ توجّه الحكومة لمسألة المصانع المتخصّصة في تحويل واستخراج الزيوت النباتية، بداية بإنجاز ومصنع جيجل، هو أمر ينبغي تثمينه، في وقت ما زلنا في حاجة إلى المزيد من المصانع المنتجة للزيوت، تتوافق مع كميات الانتاج المتوقّعة مستقبلا من البذور الزيتية، لاسيما وأنّه تمّ تخصيص أزيد عن 45 ألف هكتار لزراعة السلجم الزيتي عبر الوطن، ومساحات أخرى لزراعة نبات دوار الشمس، زيادة على احتمال تنويع هذه الزراعات، والتوجه إلى زراعة الصوجا والذرة الصفراء. من جهته، أكّد الخبير الفلاحي المهندس أحمد مالحة، أنّ اهتمام السلطات العليا في البلاد بموضوع الأمن الغذائي وتطوير الفلاحة، وتنمية الشعب الفلاحية الاستراتيجية، أمر يستحق التنويه والتثمين، مشيرا إلى أنّ التوجه لدعم وتشجيع إنتاج النباتات الزيتية، يصب في مسعى تقليص فواتير استيراد المادة الأولية للزيوت بتكلفة مرتفعة، في وقت تتمتّع فيه الجزائر بثراء كبير في مجال انتاج البذور والأشجار الزيتية. وأوضح الخبير الزراعي أحمد مالحة، أنّ أقصر الطرق لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال استخراج وإنتاج الزيوت، لن يكلّف الدولة جهودا معتبرة، مشيرا إلى المساحات الواسعة من أشجار الزيتون الغابية غير المثمرة، التي يمكن تقليمها وتهيئتها للإنتاج، حيث يمكن أن تصبح هذه المساحات الواسعة مصدرا لزيت الزيتون، الذي يتمتّع بجودته المحلية العالية، كما يمكن أن يكون أحد حلول تقليص التبعية لاستيراد المادة الأولية للزيوت.