الطارف: توقيف 4 أشخاص كانوا بصدد إضرام النار عمدا بغابة    في اليوم الوطني لذكرى 79 لمجازر 8 ماي 1945،الرئيس تبون: ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أوالتناسي ولا يقبل التنازل والمساومة    دورة جزائرية تركية    اتفاقية بين ألنفط و إيكينور    الشرارة التي فجّرت ثورة نوفمبر    جامعة العفرون تحيي ذكرى مظاهرات الثامن ماي    الصهيونية العالمية تسعى إلى تقسيم الدول العربية    بيان مجلس الوزراء    رئيس الجمهورية يأمر بإعداد مخطط حول البيئة والعمران يعيد النظر في نظام فرز وتوزيع النفايات    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    أكثر من 36 ألف نزيل يجتازون امتحان إثبات المستوى    الجزائر تضطلع بدور ريادي في مجال الأسمدة وتطوير الغاز    جاهزية عالية وتتويج بالنّجاح    تكريم الفائزين في مسابقة رمضان    إحياء ذكرى تأميم المناجم وتأسيس «سونارام»..غدا    دريس مسعود وأمينة بلقاضي في دائرة التّأهّل المباشر للأولمبياد    دعوات دولية لإتمام اتفاق وقف القتال    تحذيرات من كارثة إنسانية بعد توقف دخول المساعدات    دعمنا للقضية الفلسطينية لا يعني تخلينا عن الشعب الصحراوي    هذه مسؤولية الأندية في التصدى لظاهرة العنف    زعماء المقاومة الشّعبية..قوّة السّيف وحكمة القلم    دخول 3 رياضيّين جزائريّين المنافسة اليوم    وزير التربية:التكوين عن بعد هي المدرسة الثانية    تبسة : ملتقى وطني حول تطبيق الحوكمة في المؤسسات الصحية    فيلم سن الغزال الفلسطيني في مهرجان كان السينمائي    دعوة إلى تسجيل مشروع ترميم متحف الفسيفساء بتيمقاد    تزامنا وشهر التراث.. أبواب مفتوحة على مخبر صيانة وترميم التراث الثقافي بمتحف الباردو    نظمه المعهد العسكري للوثائق والتقويم والإستقبالية لوزارة الدفاع الوطني.. "الجزائر شريك استراتيجي في التعاون الإفريقي.. " محور ملتقى    العدوان على غزة: اجتياح رفح انتهاك للقانون الدولي وينذر بكارثة إنسانية وشيكة    أم البواقي : أسعار الأضاحي تلتهب والمواطن يترقب تدخل السلطات    أولاد جلال : حجز 72 كلغ من اللحوم غير صالحة للاستهلاك    حج 2024:بلمهدي يدعو أعضاء بعثة الحج إلى التنسيق لإنجاح الموسم    حملة الحصاد والدرس/ورقلة: توقع إنتاج أكثر من 277 ألف قنطار من الحبوب        القادسية السعودي يدخل سباق التعاقد مع المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو    هول كرب الميزان    أعضاء مجلس الأمن الدولي يجددون التزامهم بدعم عملية سياسية شاملة في ليبيا    بن طالب يبرز جهود الدولة في مجال تخفيض مستويات البطالة لدى فئة الشباب    الرابطة الأولى: تعادل اتحاد الجزائر مع شبيبة القبائل (2-2)    تنصيب مدير عام جديد أشغال العمومية    قوجيل يستقبل رئيس الجمعية الوطنية للكونغو    دعوة إلى تعزيز التعاون في عدّة مجالات    وزير الاتّصال يكرّم إعلاميين بارزين    الجزائر تصنع 70 بالمائة من احتياجاتها الصيدلانية    ضبط كل الإجراءات لضمان التكفل الأمثل بالحجاج    دعم السيادة الرقمية للجزائر وتحقيق استقلالها التكنولوجي    تهيئة مباني جامعة وهران المصنفة ضمن التراث المحمي    "نمط إستهلاكي يستهوي الجزائريين    بلبشير يبدي استعداده لتمديد بقائه على رأس الفريق    بيتكوفيتش يأمل في عودة عطال قبل تربص جوان    تحسين الأداء والقضاء على الاكتظاظ الموسم المقبل    الإطاحة بمروج المهلوسات    تفكيك خمس عصابات مكونة من 34 فردا    مدرب سانت جيلواز يثني على عمورة ويدافع عنه    بلمهدي يحثّ على الالتزام بالمرجعية الدينية    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العنف في ملاعب كرة القدم.. السم في الدسم
نشر في الشعب يوم 26 - 04 - 2024

بالرغم من أن كرة القدم رياضة وُجدت لصناعة الفرجة والمتعة، إلا أنها تحولت للأسف الشديد إلى موعد للتعبير عن الذات بعدوانية مفرطة تؤدي في كثير من الأحيان إلى أحداث مأساوية يفقد فيها المناصر السيطرة على نفسه، ليصبح في أقل من ثانية بركانا ثائرا يحطّم كل ما يجده أمامه، في صورة مؤلمة تعكس أزمة في منظومة القيم، ما يستدعي العودة إلى الأصل من خلال إجراءات وقائية تعيد للرياضة متعتها، وللمنشآت الرياضية وجماهيرها روحها الرياضية.
أكّد الأستاذ المحاضر بجامعة تامنغست الدكتور نعيم بوعموشة، أن كرة القدم تعد من أكثر الرياضات شعبية في العالم، والتي جذبت إليها جماهير غفيرة من كل الفئات الاجتماعية والعمرية، لكن مع الأسف صاحب ممارسة هذه الرياضة الكثير من السلبيات والممارسات غير السوية الشاذة كالعنف والشغب التي أصبحت تهدّد متعتها وأفقدتها قيمتها.
قال الدكتور إن ظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم عرفت انتشارا واسعا في الآونة الأخيرة؛ ما أصبح يشكل هاجسا حقيقيا أمام الحكومة والقائمين على قطاع الرياضة ومصالح الأمن، وحتى مختلف الشرائح الاجتماعية الأخرى.
فبمجرد انطلاق الموسم الرياضي تتجدّد هذه الظاهرة التي أثرت سلبا على ممارسة الرياضة في الجزائر، حيث أصبحت ظاهرة العنف والشغب ملازمة للرياضة في كل تظاهراتها، أين تتحول ملاعب كرة القدم إلى ساحات للتعبير عن الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية بالنسبة للبعض، ومكانا لتفريغ شحنات الغضب لدى البعض الآخر.
لتتحوّل فرجة الاستمتاع بمباراة في كرة القدم إلى فوضى العنف والشغب والتراشق بالحجارة والمقذوفات بين الأنصار على مدرجات الملعب وأرضيته، بل وتتعدى أعمال العنف والشغب والتخريب حدود الأمكنة المخصصة للمباريات لتشمل المناطق المجاورة لها من شوارع وبنايات ومساحات عامة ومحلات تجارية وسيارات، وحتى الاعتداء والضرب والجرح على المارة، راسمة بذلك صورا مؤسفة لتجاوزات وتصرفات لا مسؤولة وغير مقبولة دينيا ولا اجتماعيا ولا قانونيا.
فرغم الإجراءات والتدابير الوقائية والأمنية المتخذة من قبل مصالح الأمن والرابطة الوطنية لكرة القدم من أجل حفظ النظام والأمن، وامتصاص شحنة الغضب الجماهيري في كل مناسبة أو تظاهرة رياضية، إلا أن تلك الإجراءات لم تأتي بنتيجة فعالة، خاصة وأن هذه الظاهرة أخذت بالتفاقم أكثر فأكثر من موسم رياضي لآخر، وأصبحت أكثر تعقيدا في الوقت الحاضر بسبب انتشارها على نطاق واسع في ميادين كرة القدم وفي مختلف الأقسام الرياضية والبطولات.
والعنف أو الشغب الرياضي في الواقع هو ظاهرة نفسية واجتماعية يتمثل في مجموعة السلوكيات المرتبطة بالانفعالات، والتي تصدر عن الجماهير واللاعبين وحتى المسيرين أثناء المنافسات الرياضية تحت ظروف معينة، والتي تتصف بأنها خارجة عن السلوك العام الذي يحدده المجتمع، وعادة ما تظهر في صورة العدوان من تهجم وتعدي وضرب وتشابك بالأيدي، وعدوان لفظي من سب وشتم وصراخ وتهديد، وهيجان نفسي.
وهو ما يؤكد على أن العنف والشغب في الملاعب أحد المظاهر غير الحضارية التي تهدد أمن المجتمع وسلامة أفراده ومؤسساته، وتحول دون تحقيق الملاعب الرياضية لأهدافها المرجوة.
أسباب متعدّدة
أرجع المتحدّث أسباب الظاهرة الى عدة عوامل ف "إذا قمنا بتسليط الضوء على الأسباب والعوامل التي ساهمت في تكوين وانتشار ظاهرة العنف في ملاعب كرة القدم في الجزائر، نجد أن هناك عدة عوامل متحكمة في الظاهرة، والتي تتباين في قوة التأثير من عامل لآخر. وتتمثل هذه الأسباب فيما يلي:
- أسباب العنف الناتج عن اللاعبين: ويظهر من خلال الاعتراض المتكرر على قرار الحكم والحديث بعصبية معه، واستخدام لغة الوعيد والتهديد عند مخاطبته أو سبه وشتمه، بالإضافة إلى الخشونة المتعمدة في اللعب، ومحاولة إيقاع الأذى بلاعبي الفريق المنافس أو الدخول معهم في شجار وتهديدهم أو البصق في وجههم أو سبهم وشتمهم علنا، ناهيك عن سب وشتم الجماهير، وتعمد ضرب الكرة ورميها بعيدا عن الملعب بطريقة استفزازية للاعبي الفريق الخصم أو للجمهور. وكل هذه السلوكيات ناتجة عن سوء فهم اللاعبين للمعنى الحقيقي للتنافس الرياضي والجهل بقواعد وقوانين لعبة كرة القدم، وعدم الشعور بالمسؤولية أمام الجمهور أثناء اللعب.
- أسباب العنف الناتج عن الجمهور: ولعل أهم سبب هنا هو التعصب الجماهيري، والذي يقصد به ميل المناصرين إلى مؤازرة أو تشجيع إحدى الفرق أو الأندية الرياضية التي غالبا ما تكون من الفرق القوية التي تترك انطباعا لدى بعض المناصرين أن الفريق قادر على الفوز في كل مبارياته، وبالتالي تتكون قناعة لدى المناصر باستحالة انهزام فريقهم، وفي حالة الهزيمة يتولد لديهم شعور بعدم تقبل الهزيمة ما يدفعهم للقيام بأعمال شغب.
وهنا - حسبه - يمكن أن نميز العديد من مظاهر العنف لدى الجمهور، فداخل الملعب نجد إطلاق الهتافات والألفاظ التي تسيء للفريق الخصم أو تدعو للعنصرية والجهوية، وإلقاء الألعاب النارية والمقذوفات داخل الملعب وإتلاف وتخريب المدرجات أثناء أو بعد المباراة، وكذا القيام بسلوكيات غير أخلاقية خلال التشجيع والاعتداء على رجال الشرطة بالقول أو الفعل، ناهيك عن الاشتباكات بين الأنصار ورجال الشرطة.
أما خارج الملعب "نلاحظ إطلاق الأبواق وقرع الطبول والسير بطيش في الشوارع العامة قبل المباراة أو بعدها، وعادة ما يصاحب مثل هذا الفعل تخريب المنشآت والممتلكات العمومية والخاصة والاعتداء على الأشخاص والاشتباك مع رجال الشرطة، وهذه السلوكيات ناتجة عن انهيار المنظومة القيمية وغياب الروح الرياضية، وضعف الضبط الاجتماعي والميل إلى التمرد عن القيم والمعايير الاجتماعية".
أيضا أسباب العنف الناتج عن الحكم: ويظهر ذلك في انحياز الحكم لصالح أحد الفريقين أو عدم انسجام التحكيم مع المباراة، ضف إلى ذلك اختيار حكام غير مناسبين لإدارة المباريات الهامة، فبعض الحكام لا يمتلكون المعارف والمهارات اللازمة لإدارة المباريات، كما أن بعض الحكام يتسمون بشخصية ضعيفة يسهل التأثير فيهم، الأمر الذي يثير غضب الجماهير واللاعبين وحتى المسيرين والمدربي، وقد تخرج الأمور عن السيطرة خاصة إذا كانت المباراة تكتسي طابعا خاصة أو مباراة هامة ومصيرية بالنسبة للفريق.
وأسباب العنف الناتج عن المدربين ورؤساء النوادي: ويرجع ذلك لضعف الهيئات الإدارية في الأندية الرياضية وعجز مسيري ورؤساء الأندية عن ضبط اللاعبين والجماهير، فكثيرا ما نلاحظ بعض التصرفات غير اللائقة من المدربين أو رؤساء النوادي الذين يعترضون على قرارات الحكم ويتهمونه بالتحيز لتغطية فشل الفريق بطريقة تثير الجمهور، وتدفعهم لإحداث فوضى عارمة في المدرجات.
واصل بوعموشة تشريحه لأسباب ظاهرة العنف في الملاعب وغياب الروح الرياضية، مؤكدا وجود أسباب العنف الناتج عن وسائل الاعلام، حيث تلعب وسائل الاعلام دور كبير في شحن الجمهور وإثارته بالعناوين الصحفية الجذابة، وعدم التزام الإعلام بالحيادية في نقل الأخبار الرياضية، والتركيز على الجوانب السلبية في المباريات والإثارة الزائدة، كما أن أغلب وسائل الإعلام سواء كانت سمعية أو بصرية أو مكتوبة نادرا ما تعطي أهمية لنشر الثقافة الرياضية بين الجماهير، وهو المنتظر منها في واقع الأمر بدلا من الإثارة والشحن المعنوي للأنصار.
إلى جانب أسباب العنف الناتج عن طبيعة المنشآت الرياضية، قد يبدو غريبا للبعض أن المنشآت الرياضية أحد أسباب تفشي ظاهرة العنف في الملاعب، لكنها في الحقيقة أحد الأسباب الهامة التي يجب ألا نغفل عنها.
فالعديد من الملاعب الرياضية في الجزائري لا تستوفي أو تفتقر للشروط والمواصفات الدولية لاستضافة المنافسات والتظاهرات الرياضية، حيث أن معظم ملاعب كرة القدم في الجزائر لا تراعي الجانب الأمني في إنشاؤها وذات سعة محدودة ولا تستوعب العدد الحقيقي للمناصرين، بالإضافة إلى غياب التخطيط لمدرجات الملعب التي يجب أن يكون فيها فاصل بين الجمهور الزائر والجمهور المستقبل، وكذا نقص منافذ الدخول والخروج من وإلى الملعب، وهو ما يتسبب في خلق طوابير طويلة من الجماهير والأنصار، والذي يشجع بعضهم لإثارة أعمال الشغب والفوضى.
وعليه فإن مثل هذه السلوكيات والتصرفات الهوجاء غير المسؤولة من مناصري ولاعبي ومسيري بعض الأندية الرياضية كثيرا ما خلفت وقائع وأحداثا مأساوية، تهدد مبررات الأمن الاجتماعي ومكانة الرياضة الجزائرية، الأمر الذي يحتم علينا التفكير وبشكل جاد في إعادة النظر في الإجراءات المتبعة، وتضافر كل الجهود وعلى كل المستويات للوقوف بجدية في وجه هذه الظاهرة، والمساهمة في الوقاية والحد من خطورتها، خاصة وأنها باتت تشكل خطرا على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة والمساس بالنظام والأمن العموميين.
إجراءات وقائية للحد منها
بعد تشخيصه للظاهرة، أوضح نائب رئيس قسم علم الاجتماع والديموغرافيا بجامعة تامنغست، الدكتور بوعموشة أنه من بين الإجراءات الوقائية التي يطرحها في هذا الصدد للحد من العنف والشغب في ملاعب كرة القدم الجزائرية والمنشآت الرياضية ما يلي:
التنسيق بين مختلف المؤسسات الأمنية (الشرطة) والقانونية (العدالة) والرياضية (وزارة الشباب والرياضة، الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، الأندية الرياضية، لجان الأنصار) لاحتواء هذه الظاهرة، وإعادة بعث الأنشطة الرياضية بصورتها التنافسية النبيلة التي تسودها روح الأخوة والتنافس الشريف والروح الرياضية.
تفعيل دور لجنة الأنصار من خلال التركيز على قواعد وضوابط أخلاقية للتشجيع وتوعية المناصرين بأهمية الحفاظ على النظام داخل الملعب وخارجه، قبل وأثناء وبعد المباراة، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة.
التكوين الجيد لحكام اللقاءات الرياضية، والسهر على مدى جاهزيتهم واستعدادهم لإدارة اللقاء بعدل دون تحيز، وحسن اختيار الحكام خلال المباريات الهامة.
وكذا العمل على تسخير وسائل الإعلام المختلفة لتوعية الجماهير بخطر ظاهرة العنف في الملاعب ونشر الثقافة الرياضية لدى الجماهير. والابتعاد عن الإثارة الصحفية والنقد والتقليل من مستوى الأندية المنافسة، وكذا الابتعاد عن الشحن الإعلامي للأنصار والتحيز في تقديم الأخبار الرياضية، والالتزام بالحيادية والموضوعية.
التخطيط الجيد والدقيق للحفاظ على أمن الملاعب، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمينها خاصة في الملاعب التي تستوعب جماهير كبيرة، حيث تكون الفرصة مواتية للفوضى والاضطراب وأحداث العنف والشغب نتيجة تجمع الحشود الجماهيرية ذات الميولات والاتجاهات المتعارضة.
وأخيرا سنّ عقوبات رادعة لمثيري العنف والشغب في الملاعب، والسهر على تطبيقها بكل حزم وصرامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.