شهدت أروقة الأممالمتحدة يوم الجمعة حدثًا تاريخيًا تمثّل في تصويت الجمعية العامة بأغلبية ساحقة لصالح مشروع قرار يدعم طلب فلسطين للحصول على عضوية كاملة في المنظمة الدولية. ويُعدّ هذا الإنجاز تتويجًا لجهود دبلوماسية حثيثة بذلتها الجزائر على مدار شهور من العمل الدبلوماسي رفيع المستوى، مؤكّدةً على وقوفها الثابت إلى جانب القضية الفلسطينية. يوصي القرار مجلس الأمن الدولي بإعادة النظر بإيجابية في مسألة حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأممالمتحدة، ووافق 143 عضو من إجمالي 193 في المنظمة الأممية على القرار مقابل رفض 9 وامتناع 25 عن التصويت. يحدّد القرار الذي يعتبر مهما طرقا وحقوقا من أجل امتيازات إضافية تتعلق بمشاركة فلسطين في الأممالمتحدة. وفي الشهر الماضي استخدمت أمريكا الفيتو ضد مشروع القرار الجزائري بمجلس الأمن بمنح فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة الأممية، إذ تتمتّع فلسطين الآن بعضوية مراقب في الأممالمتحدة، وحصلت عليها في نوفمبر 2012. دعم وتضامن لم يكن دعم الجزائر للقضية الفلسطينية وليد اللحظة، بل إنّ تاريخها حافل بالمواقف المشرفة التي جسّدت تضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع. فمنذ نضالها ضد الاستعمار الفرنسي، آمنت الجزائر بوحدة المصير بين الشعوب المستضعفة، واعتبرت القضية الفلسطينية قضيةً عادلةً لا تتجزّأ. وتجلى هذا الدعم في احتضان الجزائر لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ انطلاقتها، وفتح أبوابها لمقرّها، إيمانًا منها بأهمية نضالها في سبيل تحرير الأرض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. كما عملت على إدخال الصوت الفلسطيني للأمم المتحدة سنة 1974، وإعلان قيام دولة فلسطين من الجزائر العاصمة سنة 1988، وصولا إلى القمة العربية، والتي عقدت في الجزائر في نوفمبر 2022، والتي كانت بمثابة جرعة الحياة للقضية الفلسطينية لأجل إعادة بعثها من جديد بعد محاولات طمس وحملة تطبيع مست العديد من العواصم العربية، حيث حذّرت الجزائر من أنّ أي تسوية سياسية بدون قيام دولة فلسطين وعاصمتها القدس، فهي تسوية مرفوضة وغير مقبولة. دبلوماسية فاعلة مباشرة بعد تولي الجزائر عضوية مجلس الأمن الدولي مطلع عام 2024، ازدادت وتيرة مساعيها الدبلوماسية لدعم القضية الفلسطينية. فبفضل توجيهات الرئيس عبد المجيد تبون، عملت الجزائر على حشد الدعم الدولي لصالح فلسطين، واتّخذت خطوات حاسمة لوقف العدوان الصهيوني على غزة وتجريم الكيان. وعملت في نفس الوقت على تجسيد وعود رئيس الجمهورية بالسعي بكل قوة لتحقيق العضوية الكاملة لفلسطين في الأممالمتحدة، تجسيدا للخطاب التاريخي للرئيس تبون في سبتمبر من العام الماضي أمام الجمعية العامة، حيث أكّد بأنّ الجزائر سوف تسعى بكل قوة وعزم لأجل نيل فلسطين عضويتها الكاملة في الأممالمتحدة، وهو ما بدأ يتحقّق بعد هذا التصويت، وبعد جهود دبلوماسية جزائرية أربكت الصّهاينة. وفي نفس السياق، أكّد الدكتور أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبد القادر منصوري في تصريح ل "الشعب"، أنّ "ما قامت به الجزائر في الأممالمتحدة يعتبر إنجازا تاريخيا سوف يسطّر تاريخا جديدا في مسار القضية الفلسطينية، وهذا التصويت هو بمثابة إدانة دولية للكيان الصهيوني وداعميه من الأنظمة الغربية، وأقول الأنظمة لأن استطلاعات الرأي وما يصاحبها من احتجاجات طلابية في مختلف الجماعات الأمريكية والأوروبية ضد العدوان الصهيوني في غزة يؤشّر بأنّ هناك انزعاج شعبي من "الفيتو" والحصانة التي يتمتع بها الكيان الصهيوني، والدبلوماسية الجزائرية وما قامت به كان سببا مباشرا في زيادة هذا الوعي على المستوى الجماهيري والمؤسسي في الدول الغربية". ويضيف الدكتور منصوري، أنّ الجزائر لن تتوقف عند هذا الحد وسوف تعود الى مجلس الأمن مرة أخرى لإعادة التصويت، وصانع القرار الأمريكي هذه المرة سوف يكون في حرج كبير، لأنه سوف يقف أمام إرادة دولية تتشكّل من 143 دولة. واستخدام حق النقض هذه المرة سوف يؤدّي إلى حدوث شرخ في المنظمة الأممية، بالرغم من أنّ "اللوبي" الصهيوني أصابته حالة من سوء الإدراك وعدم العقلانية بسبب خسائره السياسية والعسكرية المتلاحقة في غزة. إنجاز تاريخي يُعدّ تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع القرار الجزائري - العربي انتصارًا هامًا للقضية الفلسطينية، وخطوة تاريخية نحو قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ويُعكس هذا التصويت أيضًا المكانة المرموقة التي تحظى بها الدبلوماسية الجزائرية على الصعيد الدولي، وفاعليتها في الدفاع عن قضايا الشعوب المضطهدة. وأكّدت الجزائر مرارًا وتكرارًا على موقفها الثابت الداعم للقضية الفلسطينية، وأنّها ستواصل جهودها الدبلوماسية على كافة المستويات حتى نيل الشعب الفلسطيني كامل حقوقه المشروعة.