2027 سنة حاسمة تجعل من الجزائر دولة ناشئة بامتياز لأول مرة منذ 1973.. حضور شخصي للرئيس في الاحتفال بعيد الطالب هناك من يخيفهم تاريخ الجزائر.. وذاكرتها الوطنية ليست سجلا تجاريا في خدمتكم ومن خلالكم نخدم الوطن.. وانتهى عهد إملاء الإدارة على أهل العلم بلادنا متفرّدة وصنعت الاستثناء باستحداث صندوق دعم المؤسسات الناشئة لن نتخلى عن أي جزائري سواء داخل الوطن أو خارجه جيشنا قوي ويساهم في هذا القطب الجامعي والعلمي والتكنولوجي يغمرنا الشعور الدائم بأن قضية فلسطين هي قضيتنا أعلن رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، أمس، عن إطلاق "النفس الثاني" من التطور العلمي والاقتصادي للبلاد الذي "سيتوج بجزائر أخرى في آفاق 2027". وأكد أن التحضير جار لبناء قدرات الدولة لاستيعاب نمو ديمغرافي قوامه 60 مليون نسمة على الأمد المتوسط، مجددا الحرص على إحاطة مجتمع الطلبة والبحث العلمي بكافة الإمكانات المادية والبشرية. حمزة.م أخذت الذكرى 68 ليوم الطالب، هذه المرة، طابعا خاصا وغير مسبوق، حيث قاسم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الطلبة إحياء هذه المناسبة من القطب الجامعي العلمي والتكنولوجي الذي يحمل اسم الشهيد عبد الحفيظ إحدادن، بالمدينة الجديدة سيدي عبد الله بالعاصمة. الحضور الشخصي لرئيس الجمهورية، في الاحتفال بعيد الطالب، يحدث لأول مرة منذ 1973، ما يعني الكثير على صعيد الاهتمام بالذاكرة الوطنية والحرص على الارتقاء بمكانة الطلبة والجامعة. وبحضور كبار المسؤولين في الدولة، وعدد من الطلبة، دشن الرئيس تبون، هذا القطب العلمي المتفرد عربيا، قاريا ومغاربيا، كونه يحتوي على مدارس عليا في أحدث العلوم والتكنولوجيات، على غرار الذكاء الاصطناعي، الرياضات، تكنولوجيات النانو، الأمن السيبراني والأنظمة المستقلة. ليؤكد في كلمته، أن الأمر لا يتوقف في رمزيته على تدشين صرح علمي، إنما "تدشين النفس الثاني" الذي يضع البلاد على أهبة الانتقال إلى مستوى آخر في المعارف والعلوم والاقتصاد. وقال الرئيس مخاطبا الطلبة، في قاعة المحاضرات: "إن الجزائر ستنطلق بنفس جديد، لشباب حي سيرتقي بوطنه إلى أعلى عليين"، مضيفا بأنه يقع "على عاتقهم (الطلبة) الارتقاء بالبلاد إلى العولمة وإلى مصف الدول الراقية علميا والتي ترتكز عليها البشرية في مجابهة المشاكل الطبية والاقتصادية وغيرها". الرئيس تبون، أكد في السياق أن القناعة التامة التي تحذوه في قدرة الطلبة الجزائريين على امتلاك العلوم والمعارف والتحكم بالتكنولوجيات الحديثة، نابع من مسؤولية الدولة في النهوض بالتكوين الذي رصدت له مبالغ ضخمة وموارد بشرية مؤهلة. وتترجم هذه الجهود في وجود 115 مؤسسة جامعية، وأكثر من 1 مليون و650 ألف طالب، وأزيد من 72 ألف أستاذ مؤطر باحث، و30 مركز بحث و2250 باحث. وكلها أرقام يستدل بها على ما قطعته البلاد من خطوات منذ الاستقلال. المسار التصاعدي للجزائر على صعيد البناء العلمي والأكاديمي، يتوج اليوم -يقول رئيس الجمهورية- بتخرج عشرات الآلاف سنويا، وباحتلال الجامعة الجزائرية المرتبة الأولى، عربيا ومغاربيا وإفريقيا، بحسب آخر تصنيف دولي. الماضي والمستقبل رئيس الجمهورية، أفرد جزءاً من خطابه، لإبراز تضحيات الطلبة الشهداء من أمثال طالب عبد الرحمان وعمارة رشيد، والطلبة المجاهدين الذين ساهموا في بناء جزائر ما بعد الاستقلال، على غرار محمد الصديق بن يحيى وبلعيد عبد السلام، وأمثالهم الذين صنعوا أمجاد اتحاد الطلبة المسلمين الجزائريين. وقال، إن الذكرى تظل "غالية وعزيزة"، كونها تخلد قرار الطلبة الجزائريين قبل 68 سنة (19 ماي 1956) الإعلان عن الإضراب والالتحاق بصفوف الثورة التحريرية والكفاح المسلح. واعتبر الرئيس تبون أن انخراط هذه النخبة في الثورة "زادها إشعاعا إلى جانب تضحيات الشعب الجزائري وتعاطف الشعوب من كل أنحاء المعمورة"، مفيدا بأن "للجزائريين الاعتزاز بهؤلاء الأبطال الذي خلدوا أسماءهم في المدرجات والثانويات". وبعد أن فضل التعمق في الرد على إجابات ثلة من الطلبة الذين قاسموه المنصة، أكد رئيس الجمهورية، على أن "الجوانب المادية ليست هي كل شيء في الحياة، وهناك ما هو أهم، على غرار التضحيات التي قام بها الأسلاف في سبيل الحرية والاستقلال". وأضاف السيد الرئيس مخاطبا الطلبة: "لا تجعلوا طموحكم يتقلص في حدود المادة"، لأن هناك من يخيفهم تاريخ الجزائر وذاكرتها الوطنية، وهذه الأخيرة "ليست سجلا تجاريا وإنما وقائع حقيقية"، مشيرا إلى الشهيد عبد الحفيظ إحدادن، الذي يوشح اسمه القطب الجامعي والعلمي لسيدي عبد الله، وكيف "سيكون مصيره مجهولا إذا نسيناه، بينما استشهد من أجل الجزائر وتم اغتياله". رئيس الجمهورية، ربط بين الماضي المجيد وبين المستقبل الواعد للطلبة الجزائريين، الذين ينتمون إلى أغلبية المجتمع باعتبارهم شبابا وصناع المستقبل، لأنهم يملكون مفاتيح العلم والمعرفة. ووعيا منها بالمستقبل الذي يبدو "مخيفا في ظل التطور الرهيب والمرعب"، تراهن الجزائر على تلقين طلبتها تكوينا نوعيا حتى "تنجو من التحولات المقبلة"، خاصة بالتحكم في تكنولوجيات النانو والذكاء الاصطناعي ومجابهة التهديدات السيبرانية. هذا التوجه، يعبر عنه رئيس الجمهورية بالتأكيد على توفير جميع الإمكانات لطلبة العلم والمعرفة قائلا: "إننا في خدمتكم، لأننا من خلالكم نخدم الوطن". لذلك لا تتوانى الدولة في التكفل بكل شيء في الجامعات، من منح دراسية وإطعام وإيواء. وبأرقام دقيقة، كشف الرئيس تبون، أن السلطات العمومية تتكفل ب65٪ من الطلبة، وهو نموذج فريد في العالم، لا تصله حتى دول عظمى عضو في مجلس الأمن الدولي. وأكد استعداده لقبول اقتراحات الأسرة الجامعية بخصوص مراجعة الخدمات الجامعية والتوصل إلى حلول جديدة ومنطقية، بما يتماشى وقدرات الدولة مستقبلا. وأوضح الرئيس، أن التحضير جار لبرمجة جزائر ذات 60 مليون نسمة، التي سنصلها بعد 13 سنة على أقصى تقدير، اعتبارا لعدد المواليد الجدد الذي يقدر ب1.1 مليون نسمة سنويا، في وقت تتجه التقديرات نحو بلوغ 50 مليون نسمة سنة 2026. هذه الآفاق، تفرض إقرار مراجعة لنظام الخدمات الجامعية بما يواكب تطور البلاد، وأيضا بما يراعي اقتراحات الطلبة وممثليهم والأساتذة، كأن يتم مثلا رفع المنحة إلى مستوى الأجر الوطني الأدنى المضمون (20.000 دج) وإقحام الخواص في خدمات الإطعام. وشدد رئيس الجمهورية، على عدم اتخاذ أي قرار في هذا الاتجاه دون الرجوع إلى رأي الأسرة الجامعية، مؤكدا بأن عهد "إملاء الإدارة على أهل العلم انتهى"، لافتا إلى إشراك المجلس الأعلى للشباب وأخذ موافقته في جميع القرارات ذات الصلة بالشباب. الرقمنة والاقتصاد في معرض إجاباته على أسئلة الطلبة المتعلقة بالرقمنة والمؤسسات الناشئة، جدد رئيس الجمهورية تأكيده على أن سنة 2027 ستكون "حاسمة" وتجعل من الجزائر "دولة ناشئة بامتياز". وأوضح في حديثه، أن البرنامج المسطر للسنوات الثلاث المقبلة "تستكمل فيه الرقمنة وتنطلق فيه أغلب المؤسسات الناشئة وينطلق حوالي 6000 طلب استثمار، وسننتقل إلى جزائر أخرى"، مع بلوغ 400 مليار دولار كناتج إجمالي داخلي خام. وأكد الرئيس أن كافة المجهودات مركزة على الرقمنة، لأهميتها في الاقتصاد والتسيير، من خلال ما توفره من أرقام ومعطيات دقيقة بعيدا عن "الضبابية أو التكهنات"، مفيدا بأنه "لا يوجد اقتصاد عصري يقوم على المؤشرات التقريبية، بينما الدول الراقية تبني اقتصادها على الدقة الكاملة". ومن باب الحرص على تسطير برنامج "أرقام وليس أحلام"، استحدث رئيس الجمهورية محافظة سامية للرقمنة برتبة وزارة تابعة لرئاسة الجمهورية، قناعة منه بأن "الرقمنة تؤدي إلى وضوح الرؤية وزوال الأكاذيب". ولفت إلى أن التسيير السابق التقليدي القائم على البيروقراطية المدمرة، جعل من الدولة "غير عادلة" في بعض الأحيان، نظرا لصعوبة توخي الشفافية في الوفاء بحقوق المواطنين، خاصة في السكن وفي حصر ملف الاستيراد وتحديد ميزانية البلاد. وأعلن في السياق، على التوجه نحو الرفع من القدرات المالية لصندوق دعم المؤسسات الناشئة في قانون المالية 2025، إذا لزم الأمر، من أجل مساعدة الطلبة الحاملين لمشاريع ومؤسسات مصغرة على تجسيدها في أرض الميدان. وقال رئيس الجمهورية، إن دخول المؤسسات الناشئة مرحلة الإنتاج في وقت لاحق، يستدعي التوجه نحو البنوك من أجل تمويلها كمشاريع استثمارية، لافتا إلى أن الجزائر صنعت الاستثناء باستحداثها لهذا الصندوق، لأن دعم هذا النوع من المؤسسات يتم عادة من قبل القطاع الخاص. الجزائر متفردة ونموذج على صعيد آخر، وبلغة صريحة أكد رئيس الجمهورية، للطلبة، أن الجزائر "متفردة في كثير من الأشياء"، الأمر الذي يضعها في مواجهة كثير من الأخطار. وقال، "نحن مثال لا يحتذى به بالنسبة لكثير من الدول. لماذا؟ لأنها تخشى أن تطالب بالقيام بما تقوم به الجزائر لمواطنيها وطلبتها"، في إشارة إلى الدور الاجتماعي للدولة. وأكد أنه "لا توجد دولة في العالم تتكفل بالحياة الجامعية مثلما تفعل الجزائر، كما لا توجد دولة في العالم توزع السكنات مثلما تفعل الجزائر". وأشار الرئيس تبون إلى وجود دول تبلغ نسبة الأمية لديها 47٪، ومع ذلك تريد مقارعة الجزائر، مفيدا بأن البلاد مستهدفة في استقرارها من قبل عديد الأطراف، التي "تحسدنا حتى على إنتاجنا الفلاحي، فلما أصبحت صحراؤنا خضراء.. قيل إنه ذكاء اصطناعي"، ليضيف ساخرا من الأصوات الحاقدة "إذا كان الذكاء الاصطناعي يوفر لنا الغذاء مرحبا به". وشدد الرئيس على أن المعارضة مكرسة في دستور البلاد وكذلك الديمقراطية السياسية، بينما تسهر الدولة على تحقيق الأولويات، كالأمن الغذائي والصحي والاقتصادي وغيرها... لافتا إلى أن الحرص قائم من أجل الرفع من القدرة الشرائية للجزائريين، بما فيهن النساء الماكثات بالبيت، صونا للكرامة. وأكد بأنه "لن نتخلى عن أي جزائري، سواء داخل الوطن أو خارجه"، مشيرا إلى حال بعض الدول التي أنهكتها الأزمات الداخلية، بحيث باتت بحاجة إلى أجيال حتى تعود مثلما كانت وليس من أجل أن تتطور. وقال رئيس الجمهورية، إن "الجزائر تتقدم وتراهن على تحكم طلبتها في العلوم الدقيقة حتى تحقق الاكتفاء الذاتي في اقتصادها، بعدما عانت من ضعف شبه مفتعل من خلال استيراد كل شيء". وأعاد التذكير بأن الدولة وحتى تتقدم يلزمها "جيش قوي واقتصاد قوي.. وجيشنا قوي ويساهم في هذا القطب الجامعي والعلمي والتكنولوجي في الأمن السيبراني وتخصص الروبوتيك وأنظمة الطائرات المسيرة". وفي ذات المناسبة، أشاد رئيس الجمهورية، بالحس الوطني للطلبة والنضج السياسي للشباب الجزائري، داعيا إياه إلى مشاركة أقوى في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مستفيدا من التدابير التي حملها قانون الانتخابات، خاصة ما تعلق بإبعاد المال عن السياسة حتى تتاح الفرصة لهذه الفئة. مع فلسطين قولا وفعلا وبعدما أشاد أحد الطلبة الفلسطينيين الحاضرين في القاعة، بمواقفه "المتقدمة" دعما للقضية الفلسطينية واهتمامه الخاص بالطلبة الفلسطينيين في الجزائر، أكد رئيس الجمهورية أن الجزائر "يغمرها الشعور الدائم بأن قضية فلسطين هي قضيتها". وأكد على استمرار القناعة الراسخة القائلة بأن "استقلال الجزائر مازال منقوصا مادام لم يتحقق استقلال فلسطين"، مع الالتزام بالدفاع عن القضية الفلسطينية قولا وفعلا. وأفاد الرئيس تبون، بإسدائه تعليمات بالتكفل التام بالطلبة الفلسطينيين المقيمين بالجزائر إلى غاية عودة الأمور إلى نصابها. يذكر، أن إحياء الذكرى 68 ليوم الطالب، جرى تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية، ومن تنظيم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والمجلس الأعلى للشباب، تحت شعار: "من المقاومة والتحرير إلى العلم والتعمير".