يعد المعهد المركزي للموسيقى والتمثيل والرقص بالعاصمة، واحد من أقدم المعالم الثقافية التي توارثتها الجزائر عن الحقبة الاستعمارية، حيث يواصل القائمون عليه مهمتهم في تكوين موسيقيين ومسرحيين من الشباب والأطفال، التجئوا إليه لإشباع نهمهم الفني. بالرغم من المقر المتواضع الذي يحتله المعهد المركزي للموسيقى والتمثيل والرقص، المتواجد في الطابق الرابع بمقر بلدية القصبة، إلا أنه ما يزال يستقبل سنويا، إلى جانب ملحقاته آلاف الطلبة من مختلف الأجناس والأعمار، لتعلم أبجديات الموسيقى الكلاسيكية الأندلسية، موسيقى الشعبي، وفنيات الرقص والدراما. جولتنا إلى “الكونسرفتوار" التابع لمؤسسة فنون وثقافة جعلتنا نقف على الحماس الذي يطبع الطلبة لتعلم مختلف الفنون، والمدرسين الذين يؤدون عملهم على أكمل وجه وإن كان على آلات موسيقية تعود إلى سنوات الأربعينيات، غير أنها ما تزال صالحة لتكوين جيل موسيقي آخر، بعد أن تخرج من المعهد عمالقة الفن الجزائري أمثال محمد العنقى، محي الدين بشطارزي عريوات المفتش الطاهر وآخرون. فتح أبوابه في 1897 يفتح مسؤول المعهد المركزي للموسيقى والتمثيل والرقص “ياسين تواتي" قلبه ل«الشعب" ليروي تاريخ هذا الصرح الثقافي، مشيرا أنه فتح أبوابة سنة 1897، وساهم في تكوين ألمع الفنانين الجزائريين في الميدان المسرحي والموسيقى الأندلسية والشعبية وحتى العالمية، إلى جانب الرقص. وأكد تواتي أن المعهد خلال الفترة الاستعمارية كان ممنوعا على الجزائريين، إلى غاية الثلاثينيات، أين فتحوا قسما ل«الموسيقى المسلمة" والمخصصة للأهالي كما يقولون والتي أصبحت اليوم تعرف ب«الموسيقى الأندلسية"، التي أشرف عليها آنذاك عبد الرزاق فخارجي، وشقيقه محمد وبلحسين إلى غاية الاستقلال. وأضاف تواتي بأن الأغلبية المتواجدة اليوم في الجمعيات الأندلسية تحصلت على شهادات من المعهد المركزي، وتخرج منه قادة الاوركسترا الجزائرية أمثال عبد الوهاب سليم، إضافة إلى الفنان ايقربوشن الذي درس ودرّس فيه قبل أن يغادر إلى بريطانيا، والأستاذ البرادعي، والمايسترو حكيم بن عطية، وأيضا قويدر محمد أمين. وفيما يخص الموسيقى الشعبية حسب مسؤول المعهد فقد تخرج على يد محمد العنقى الذي كان يُدرس بالمعهد مجموعة كبيرة من الفنانين، والذين بدورهم أصبحوا اليوم يكوّنون جيلا من الموسيقيين، وفي الجانب المسرحي فقد تخرج من المدرسة عز الدين مجوبي، الفنان الكوميدي الكبير عثمان عريوات، الحاج عبد الرحمن الشهير بالمفتش الطاهر، سيد احمد أقومي، فتيحة بربار، إلى جانب أرمدة من الجيل الجديد، ومخرجين إذاعيين. “الكونسرفتوار" حسب تواتي معروف على المستوى العالمي، فقد كان خلال الحقبة الاستعمارية يحتل المكانة الثانية في حوض البحر المتوسط، بعد معهد باريس، أين كان يساهم في تكوين كبار الفنانين الذين أنعشوا الفن الجزائري، وهو الذي كان يُسير بعد الاستقلال من قبل المجلس الشعبي لولاية الجزائر، لتأخذ مؤسسة فنون وثقافة مهمة تسييره فيما بعد إلى يومنا هذا. المعهد.. مفتوح لكل شرائح المجتمع من جهة أخرى عرج تواتي للحديث عن العشرية السوداء التي ألمت بالجزائر، وأثرت بذلك على مختلف المعاهد المتواجدة بها، مشيرا إلى أن هذه الفترة تسببت في هجران الطلبة له، ليسترجع عافيته بدءا من 1998. ومنذ ذلك التاريخ وهو يستقبل طلبة، ليفتح أبوابه لكل شرائح المجتمع، دون وضع شروط تعجيزية لكل من يريد الالتحاق به، لأن الميدان الفني موهبة من عند الله، مؤكدا أن عمالقة في الميدان الفني كان لهم مستوى ثقافي محدود، وبالرغم من ذلك التحقوا بالمعهد وذاع صيتهم، وبالتالي لا يشترطون شهادة البكالوريا أو الليسانس، فقط يقدمون للطالب القواعد الأساسية التي وجب عليه احترامها ليتحصل على الشهادة، ويبدع في الميدان الذي تخرج منه. وبخصوص أوقات الدراسة قال مسؤول الكونسرفتوار، أن هذا الأخير ومند أن فتح أبوابه يقدم دروسا مسائية، حيث يراعون ظروف المتمدرسين، وأيضا المدرسين. وأشار تواتي أن المعهد مفتوح للهواة، ونوعية التعليم تبعث على الاحتراف، وهو يستقبل طلبة متمدرسين من 06 إلى 30 سنة، يكون لديهم دفتر مدرسي، ليمتحن كل في مجاله، حيث أن الدراسة تبدأ من المرحلة الابتدائية إلى المتوسط ثم المستوى العالي الذي يمتد 5 سنوات، ومن يكون مجتهدا ومنضبطا في سيرته وعمله يتحصل على الشهادة في أجل أقصاه 10 سنوات. وأكد تواتي أن المعهد يقوم في بعض الأحيان بتوظيف كل من يتحصل على الشهادة الأولى، لا سيما من ليست له حرفة، ليعمل في منصب “مؤطر متربص"، كما أن هناك من لديهم شهادات عليا في الجامعات ويدرسون أيضا في “الكونسرفتوار"، اختاروا الفن لربح القليل من المال.