لو طُلب منك - يا من تقرأ - أن تعدّ على أصابع يد واحدة أسماء فنيّة جديدة تخرجت من باب معهد تمثيل، فخرجت على نافذة "تلفزيونك" وأقنعتك، كم ستعدّ؟•• واحد، إثنان••• "الفجر الثقافي" سيجنّبك عناء البحث؛ بعد أن نستعرض في هذه الورقة التفقّدية، أحوال امتهان التمثيل في الجزائر•• مدير المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض نوال إبراهيم نريد تحرير المعهد من قيد البكالوريا•• ولكن أرجع مدير المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض نوال ابراهم، السبب في عدم التفكير جديا في إدراج المواهب الشابة الراغبة في الالتحاق بالمعهد والتي لم تتحصل على شهادة البكالوريا، إلى تعدي هذا الأمر صلاحيات المعهد، رغم إيمان القائمين على المعهد أن الإبداع بشكل عام لا يحتاج إلى شهادات بقدر ما يحتاج، إلى موهبة وتكوين، أن هذا الطرح يجب أن تتبناه وزارة الثقافة أوعلى الأقل تفكر في إدراج تكوين متواصل يفتح الآفاق للموهوبين الذين تعذر عليهم الالتحاق بالمعهد لعدم تحصلهم على شهادة البكالوريا، باعتبار المعهد تحت وصاية وزارتي الثقافة والتعليم العالي والبحث العلمي، وأكّد نوال أن امتهان التمثيل قد يتطور في الجزائر، لو أن المعهد حذا حذو المعاهد الجهوية للفنون الجميلة التي احتضنت طلبة بدون شهادة البكالوريا واتخذت معيار الموهبة والإبداع، مؤكدا أن إدارة المعهد مستعدة ومتفتحة للاشتراك مع كل جهات التكوين الفني في البلاد• من جهة أخرى أرجع نوال ابراهم، غياب استراتيجية تكوين سينمائي واضحة المعالم في المعهد واستحواذ المسرح على حصة الأسد مقارنة بالسينما إلى سببين، الأول إلى أن المسرح أقدم ممارسة في المعهد مقارنة بالسينما وثانيا إلى الوسائل التقنية الشحيحة جدا للعمل السينمائي. وفي هذا السياق كشف نوّال ل"الفجر"، عن استقدام تجهيزات ضخمة سينمائية في غضون شهر على أكثر تقدير، مضيفا أن هذه النتيجة هي استكمال للاتصالات التي بدأها من سبقه في إدارة المعهد••• صونيا•• مديرة المسرح الجهوي بسكيكدة الدولة لم ترفع يدها عن القطاع العام ولا تتكفل به بشكل واضح لم تخف صونيا تعجبها من وضع المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض، وقالت المتخرجة من المعهد سابقا إن المعهد ذو طابع وطني و يتخرج منه سنويا من 8 إلى 10 طلبة في العام من ممثلين ومخرجين وسينوغرافيين وصمة عار على الإبداع المسرحي والسينمائي في الجزائر في حين يتخرج من المعاهد المحترمة عالميا المئات من الطلبة، ويتم التكفل بهم بشكل يسمح بتواتر الإبداع وعدم اقتصاره على وجوه ملّ القارئ و السامع تلقيها•••وفوق هذا الشح من المتخرجين لا يجد هؤلاء المتخرجون" البؤساء" على حد تعبير صونيا - من يتكفل بهم ويأخذ بيدهم• ويعود حسب صونيا تدني المستوى الدرامي في الجزائر إلى تغير النظام الذي كان سائدا سنوات السبعينيات "سنوات التألق المسرحي والسينمائي الجزائري" وهو النظام "الاشتراكي" والتنقل إلى نظام لم تتضح معالمه بعد، ما يعني أن الدولة لم ترفع يدها كلية عن القطاع العام ولا تتكفل به بشكل واضح ومباشر. وفي شق آخر لم تنف صونيا أن جزء من تدني الابداع السينمائي والمسرحي في الجزائر يعود إلى الطلبة المتخرجين أنفسهم لتواكلهم و خمولهم وعدم امتلاكهم لنفس إبداعي يسمح لهم أن يفرضوا أنفسهم رغم أنف الظروف• المخرجة فاطمة بلحاج.. الرداءة الفنية متعمدة والتغيير يتعدى وزارة الثقافة إلى القرارات السياسية أكدت المخرجة فاطمة بلحاج أن الصناعة السينمائية في الجزائر خارج اهتمامات الدولة خاصة في ظل غياب معاهد تكوين متخصصة أو نقابة للفنانين، وهو الأمر الذي أدى حسبها إلى عموم الرداءة التي أصبحت الطابع المميز للأعمال الفنية الجزائرية • وأضافت بلحاج في السياق نفسه أن الرداءة الفنية متعمدة، والتغيير يتعدى وزارة الثقافة إلى القرارات السياسية، وبأن القرارات المتعلقة بالصناعة السينمائية يتم اتخاذها بطريقة عشوائية حيث شبهت هذا المجال بالغابة في خضوعه إلى منطق القوة تكون فيه الغلبة لمن يمكنه الاعتماد على المحسوبية والمحاباة، هذا إلى جانب غياب مختصين في المجال السينمائي والمسرحي الذي أصبح يعتمد على أسماء لا علاقة لها بالفن تقدم صورة مشوهة عن الطاقات الحقيقية، وأضافت أن العاملين فيه مضطرون للاستمرار لأنهم لا يحسنون عملا آخر.. وهي كلها أسباب ساهمت في تراجع المستوى الفني• كما اعتبرت بلحاج أن واقع السينما في الجزائر من واقع الثقافة والأجواء السياسية السائدة التي اتهمتها بالتواطؤ وتعمد تهميش المظهر الثقافي في الجزائر، وهو ما انجر عنه التفكير في تكوين مختصين في المجال السينمائي والمسرحي الذي أصبح يعتمد على أسماء لا علاقة لها بالفن تقدم صورة مشوهة عن الطاقات الحقيقية التي أضرت بالإنتاج الفني الذي وصفته بالنمطي، معطية المثال عن المسلسلات الجزائرية التي لا تظهر إلا في رمضان بتقديم أعمال تخلو من الإبداع نظرا للاستعانة بممثلين مغمورين بعيدين عن عالم الفن لعدم اشتراط عامل التكوين.. الذي ترى فيه المخرجة بلحاج ضرورة لابد منها لأي فنان إلى جانب الموهبة• من جهة أخرى ترى المتحدثة أن معهد برج الكيفان الذي كان يطلق عليه سابقا اسم "المعهد الوطني للتمثيل" عرف ازدهاره في الفترة التي ترأسه فيها مصطفى كاتب الذي أخذ على عاتقه تكوين جيل من الفنانين صنعوا ازدهار الفن في الجزائر، وهو الأمر الذي أرجعته إلى تبني القرارات الفردية من قبل مصطفى كاتب التي تدعمت بالقرارات السياسية، إضافة إلى الاستعانة بخبرة الأساتذة الأجانب، أما عن التكوين حاليا فإنها ترى أنه أصبح بيداغوجيا لعدم الاعتماد على متخصصين رغم أنه لم يعد لها أي تعامل مع المعهد منذ التخرج• المخرج زياني شريف عياد.. يضحكني فعلا أن يسألني أحدهم ما وضع"المعهد العالي للفنون الدرامية وفنون العرض" بالجزائر، عن أي معهد نتكلم وهو حاضر ببنايته وغائب بإبداعه• بهذه الكلمات أجابنا المخرج زياني شريف عياد، الذي تابع قائلا:"لا مجال لمقارنة المعهد بمثيليه في تونس أوالمغرب•• جيراننا الذين كنا قبل سنوات قليلة مضت المدرسة بالنسبة إليهم والآن نحن نبعد عنهم بآلاف الأميال من كم ونوعية الانتاج والهم الإبداعي"• وفي السياق ذاته قال عيّاد إن مشكلة المعهد الحقيقية في الجزائر هي رد الاعتبار لذوي الكفاءات في تعليم الطلبة وإدارة مؤمنة بثقل المهام المسندة إليها، مضيفا أن التحدي الآن يكمن في أن يرسكل المدرسون فيه ويتلقّنوا أولا ماهية العمل الدرامي لكي يعلموا بدورهم الأجيال القادمة• الممثلة عايدة كشرود خريجو المعهد غائبون عن الساحة الفنية بسبب نقص الأعمال وليس بسبب ضعف التكوين الفنانة عايدة كشرود، إحدى خريجات التلفزيون الجزائري ثم المعهد الوطني الذي كون نخبة من الفنانين الجزائريين أمثال محي الدين بشطارزي، ترى أنه لا يمكن الفصل في التمثيل بين الموهبة والتكوين وأنها مع فكرة المعهد القاضية باختيار طلبته على أساس شهادة البكالوريا، وهذا حسبها بالنظر إلى ثقافة الطلبة في الوقت الراهن والتي أصبحت محدودة•• كشرود تؤكد أن الفن يتطلب مدرسة وبكالوريا وتكوين في كل المجالات• كما ترى أن خريجي المعهد الآن غائبون على الساحة الفنية بسبب نقص الأعمال وليس بسبب ضعف التكوين وما هو موجود من أعمال يجمع عددا كبيرا من هؤلاء الطلبة، وهم ممثلون جيدون سواء في السينما أو التلفزيون أوعلى خشبة المسرح• الفنان محمد عجايمي التمثيل•• أصبح مهنة من لا مهنة له قال الفنان محمد عجايمي إن من هب ودب أصبح اليوم ممثلا، وإن التمثيل الجزائر أصبح مهنة من لا مهنة له بسبب غياب المسابقات التي تختار الممثلين الموهوبين في الأعمال التلفزيونية أوالسينمائية. وأرجع عجايمي هذا الضعف إلى المنتجين المنفذين الذين قال عنهم إنهم بزناسية ولا يمتون للفن بصلة، مضيفا أن مشاكل العشرية السوداء كانت أيضا أحد أهم أسباب هذا الجو الرديء• وفيما يخص توجه معظم طلبة المعهد إلى خشبة المسرح فقد أضاف عجايمي أن المال وسيلة عيش وليس غاية، وفي ظل غياب السينما يبقى المسرح المخرج الوحيد أمامهم• عجايمي، وفي حديثه عن اختيار طلبة معهد فنون العرض على أساس شهادة البكالوريا، قال إن "الموهبة تأتي في الدرجة الأولى ثم الدراسة أوالتكوين.. والممثل الكفء لا بد وأن له ثقافة واسعة في الميدان الذي يحبه واختاره خاصة عن طريق البحث، مضيفا أنه إذا كانت الشهادة شيئا إداريا فقط؛ فالأمر مقبول لكن إذا كانت أحد مقاييس المعهد في الاختيار من حيث ملكات الطلبة فالأمر مرفوض، ولهذا " أنا لست ضد هذا الإجراء ولا معه".. يضيف عجايمي• الأستاذ أحمد شنيقي متخرج من المعهد.. لا بدّ من فصل التكوين السينمائي عن التكوين المسرحي قال الأستاذ أحمد شنيقي، أحد المتخرجين الأوائل من المعهد، إنه في السنوات الأولى من الاستقلال وفي سنة 1964 وبالتحديد مع بداية نشاطه كان معهدا لتكوين الممثلين والتكوين في الرقص لثلاث دفعات قبل أن يتوقّف بأمر من وزارة الثقافة والإعلام.. لتعود من جهة أخرى بمنشطين ثقافيين والفنون التشكيلية ثم تتحوّل إلى "المعهد الوطني للفنون الدرامية وفنون العرض" كمحاولة لتقليد المدرسة البلجيكية لمهن العرض والسمعي البصري• وفي استفسار عن القطيعة التي حصلت بين المعهد والسينما، أكد شنيقي أنه من المؤيدين لهذه الفكرة " فكرة تخصص المعهد في المسرح " وبالموازاة " إنشاء مدرسة متخصصة في السينما كما هو الحال في مختلف الدول الأوربية وحتى العربية، وذلك لاختلاف المسرح عن السينما في تقنيات ووسائل العمل"• أما فيما يخص المتخرجين من المعهد الذين لا يتعدون العشرة أفراد في الدفعة الواحدة - إذا كان تكوينهم جيدا - سيفون بالغرض نظرا للإمكانيات التي يتطلبها تكوين الممثلين• أما عن اتجاه الممثلين المتخرجين في الفترات الأخيرة من المعهد واتجاههم إلى المسرح عكس ما كان في السنوات الماضية• أكد أن المشكل لا يكمن في الممثلين؛ بل هذا راجع إلى قلة الإنتاج في الجزائر أو بالأحرى انعدام الإنتاج السينمائي، مضيفا أن التكوين في حد ذاته لا يكفي لصنع ممثل ناجح• الفنان طه العامري محمد توري، رويشد، سيد علي، علال المحب وغيرهم•• لم يدخلوا معهدا ولكنهم دخلوا قلوبنا قال الفنان طه العامري إن الموهبة ضرورية•• حتى وإن كان التكوين جيدا، سواء كان نظريا في المعهد أوتطبيقيا على خشبة المسرح والأفضل من هذا وذاك أن يجتمع الاثنان معا، الموهبة وصقلها بالتكوين••• وفي السياق ذاته، قال العامري إن هناك بعض الحالات الشاذة التي كسرت مقاييس التكوين، ففي السنوات الأولى للمسرح والسينما الجزائرية أذكر مثلا محمد توري، رويشد ، سيد على، علال المحب ••• لم يدخلوا معهدا ولكنهم دخلوا قلوبنا•• كلهم لم يمروا من مدارس تكوين بل موهبتهم، كانت كافية لإثبات أنفسهم• أما عن المقارنة بين الماضي ووقتنا الحاضر من جهة المتخرجين من المعهد فأؤكد أننا بعيدون عن المقاييس الدولية في ذلك•• في فرنسا تجد معهدا للسينما في كل محافظة• الطالب المتخرج من المعهد لمدة 3 سنوات بدون تطبيق لا يمكنه معاودة العمل بعد ذلك، ففي الماضي كان الممثل يمثل ما يقارب الثلاثين دورا في السنة، وهذا ما أكسبنا التجربة••