يندرج مسعى تعديل الدستور الجزائري في سياق الدفع بمسار الإصلاحات الشاملة الذي يستجيب لانشغالات ومقتضيات المرحلة بما يعزز البناء الديمقراطي بكل ما يشمله من تدعيم لمكاسب الحريات الدستورية الجوهرية وتدقيق لصلاحيات المؤسسات بما يعطيها فعالية أكثر من خلال التصدي لكل مواطن أي خلل محتمل قد يثير لبسا أو غموضا مما يفتح الباب أمام تأويلات لا مجال لها في مرحلة حققت فيها البلاد تقدما في البناء المؤسساتي بكل ما تطرحه من جدل مشروع ويمكن معالجته في ظل الهدوء بإسهام كافة الشركاء من خلال النقاش المفتوح. ومن طبيعة تطور المجتمع ونمو طموحاته المشروعة أن يخضع الدستور لتطوير في أحكامه وترقية لمضامينه من اجل التوصل إلى وثيقة مواكبة لكل مرحلة وقادرة على الاستجابة لمتطلباتها بحيث تعكس الوضع الجديد للمجتمع وتأهيله لممارسة الديمقراطية المؤسساتية بأكبر درجة من المشاركة الشعبية. ولا يعد إجراء تعديل للدستور مجرد عملية تقنية يتكفل بها خبراء ومختصون في المجال بقدر ما هو تجسيد لإرادة المجموعة الوطنية المعبر عنها من خلال مختلف الأطراف الممثلة السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية والتي تصاغ في شكل أحكام ضمن الالتزام بمبادئ ثابتة لا مجال للمساس بها تستمد من المرجعية الوطنية لبيان أول نوفمبر وهي من صلب المواثيق والدساتير المتعاقبة. وضمن هذا التوجه فان المرحلة بعد كل ما تم انجازه وتحقق من مكاسب بفضل التفاف الجميع حول خيار الاستقرار الذي سمح بإطلاق عجلة التنمية الشاملة تتطلب الذهاب إلى رؤية جديدة بما يخدم مصلحة الجزائر بالدرجة الأولى ويضمن للمجموعة الوطنية بكل أطيافها الحزبية وألوانها الاجتماعية مواكبة التحولات وإدراك مرحلة أخرى في تاريخها بما يسمح بتجسيد الطموحات والتطلعات الشعبية المختلفة والتي لا تتوقف عن النمو بموازاة نمو الأجيال واتساع نطاق المجال الديمقراطي وممارسة الحريات السياسية وتدقيق للصلاحيات التي لا يمكن تركها عرضة للاجتهاد وإنما تحتاج لان تضبط في دستور متوازن. وبإطلاق عملية تجسيد تعديل الدستور تكون الجزائر قد تخطت كل ما يدبر هنا هناك لجرها إلى ما يلهيها عن مواجهة تحديات التنمية وتحقيق أهداف الألفية استجابة لإرادة الشعب الجزائري الذي لم لن يقبل أن يسقط في شراك منصوبة حوله ويعرف دوما كيف يرد بصياغة خياراته بكل حرية واستقلالية.