تمهيد:إن الرغبة في تعديل الدستور الجزائري الذي يقال عنه بأن مواده هجينة، ظلت لدى المخول له قانونا، وهو رئيس الجمهورية قائمة وعلنية في برنامج ترشحه وفي خطبه وعمله منذ بداية عهدته الأولى عام ,1999 ليؤكدها في أكثر من مناسبة، كانت آخرها في افتتاح السنة القضائية بالمحكمة العليا يوم 20 أكتوبر ,2008 تزامنت وإحياء الذكرى ال 54 لإعلان ثورة غرة نوفمبر العظيمة. إن الرأي العام كثيرا ما تشغله العديد من الأسئلة منها مثلا : ما يتعلق بطبيعة التعديل الدستوري المقترح ونطاقه؟ والغاية منه، وما مدى مشروعية الإجراء والجهة المخولة بذلك؟ وهي في مجملها أسئلة مشروعة إذا كانت بريئة. هي جملة من الاهتمامات التي يمكن أن يشملها التعديل الجزئي المقترح للدستور، والتي سنحاول في هذه السطور توضيحها لقراء جريدة " الشعب'' الغراء. مع التركيز على عمل وتنظيم السلطة التنفيذية وما تطرحه من إشكاليات قانونية وعملية؟ /I فمن حيث طبيعة التعديل: تميز الدساتير المعاصرة المكتوبة، بين نوعين من التعديل، التعديل الجوهري الذي يمس الأركان الأساسية للدستور بصفته المنظم للسلطات وسيرها، والذي يحتاج وضعه وتعديله إلى الرجوع إلى الشعب كمصدر رئيسي للسلطة وركن من أركان الدولة لاستفتاء رأيه، والتعديل الجزئي والمحدود والذي يكتفي اللجوء بشأنه إلى السلطة التشريعية ممثلة في البرلمان بغرفتيه. والحال كذلك في التعديل المعلن عنه، فإن التعديل الجزئي للدستور الحالي يتحقق بالاكتفاء بمصادقة البرلمان بنسبة ثلاثة أرباع (4 / 3) من أصوات أعضائه ( أي غرفتي البرلمان مجتمعة: المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة). وبعد أخذ رأي المجلس الدستوري في طبيعة التعديل للمصادقة عليه. لقد عرفت الجزائر، منذ أن استعادت سيادتها العديد من الدساتير، كما أدخلت عليها العديد من التعديلات الجوهرية والجزئية، ففي وقت غير بعيد، عرف عهد الرئيس الشاذلي بن جديد مثلا وضع دستور عام 1989 المؤسس لمبدأ التعددية الحزبية والتعددية النقابية وتحرير الاقتصاد بالانتقال من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر، ليعرف هذا الدستور في عهد الرئيس اليامين زروال تعديلا تم بموجبه إحداث الغرفة الثانية في البرلمان لمقتضيات الحال واحتياطاته، والتأسيس لمحدودية العهدة غير القابلة للتجديد أكثر من مرة واحدة تكريسا لمبدأ التداول على السلطة، ليشهد نفس الدستور في عهد الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة تعديلا جزئيا عن طريق البرلمان في عام ,2001 تم بموجبه ترسيم الأمازيعية كلغة وطنية واضعا بذلك حدا لإشكالية التعددية اللغوية وتصنيفها في الجزائر. والجدير بالملاحظة، أن معظم التعديلات المقترحة في الجزائر مرت على البرلمان الجزائري في عام 1979 وفي عام 1980 لاستحداث مجلس المحاسبة مثلا، وفي عام 1988 لاستحداث منصب رئيس الحكومة بدلا من الوزير الأول وتحديد صلاحياته، إلى جانب تعديل عام 2001 السالف الذكر. /II ومن حيث الاختصاص، تؤكد المادة 176 من الدستور السارية المفعول، على أنه من صلاحية رئيس الجمهورية إصدار القانون المتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على استفتاء الشعب.( مصدر السلطة). غير أن المؤسس قيد صلاحية رئيس الجمهورية بقيد جوهري يكمن في إلزامية عرض مشروع التعديل على المجلس الدستوري (كهيئة مطابقة ومراقبة دستورية) للتأكد من أن التعديل الدستوري المقترح لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا تمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية مع تعليل الرأي. والحال كذلك في التعديل المعلن عنه، كتعديل جزئي لايمس بتوازن وصلاحيات المؤسسات الدستورية بالنظر إلى المحاور موضوع التعديل. /III ومن حيث غائية التعديل: يستشف من خطاب القاضي الأول في البلاد أن من أهداف التعديل المقترح، تعزيز الحقوق السياسية للمواطنين، ولاسيما دسترة حق المرأة في الممارسة السياسية، إذ أن الممارسة السياسية ومنها على الخصوص البرلمانية التي أصبحت ترهن التصويت الكامل بالنصاب للدول المشاركة في المحافل الدولية، بإشراك المرأة في تشكيلة وفدها، بل قد تصل العقوبة إلى حد الحرمان من التصويت أحيانا. فالتعديل المرتقب إذن من شأنه التكيف مع مبدأ تكريس وتفعيل دور المرأة في المشاركة في تسيير الشأن العام وفي تقلد الوظائف العمومية السامية في بلادها وتمثيلها له خارجه. وهي سمة من سمات الممارسة السياسية والدستورية في عالمنا المعاصر. /IV وبخصوص الإجراء المتبع في التعديل المقترح، يمكن التأكيد على أن الإجراء المقترح في التعديل هو دستوري لا شائبة عليه، تقتضيه ظروف الحال ومتطلباته ولاسيما السياسية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة، كما أنه وفقا للخطاب الرئاسي، هو إثراء للنظام المؤسساتي الرامي إلى مزيد تجذير مقومات الطمأنينة عبر تحقيق الاستقرار والنظام العام عبر الاستمرارية والتطور والتواصل والفاعلية عبر تحقيق المشاريع الكبرى المسطرة لمجتمعنا الواعد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، إلى جانب حماية مقومات الأمة الجزائرية ورموزها التاريخية الثابتة وجعلها في منأى من التلاعبات السياسوية المغرضة. فالتعديل مطلب، تقتضيه ظروف المرحلة وتداعياتها على الصعيدين الداخلي، الأمن، الاستقرار والتنمية المستدامة في ظل الحكم الرشيد؛ والخارجي المتمثل في إشعاع دور الجزائر في المحافل الدولية والمشاركة بفعالية في بناء النظام الدولي الجديد في ظل العولمة والتكتلات الإقليمية والدولية، وصولا إلى إعادة هيكلة منظومة الأممالمتحدة ودور كل جهاز من أجهزتها القائمة، فنحن نعيش اليوم مرحلة إعادة ترتيب أوراق عالمنا الجديد، عالم يحتاج إلى مواصفات دقيقة كرزانة القيادة وحنكتها والى خبرة كل عضو من طاقمها قصد التمكن من الإسهام في بلورة ونحت مشاريع مجتمعاتها داخليا وخارجيا. لقد واكبت بعض شرائح المجتمع المدني والأحزاب السياسية " كقوة اقتراح معتبرة " رياح التغيير والتكيف منذ وقت غير بعيد منادية بضرورة تكييف أسمى القوانين وأعلاها في المنظومة الوضعية، وهو الدستور، بجعله منسجما محكم الأركان والبناء، تتعاون في كنفه السلطات الثلاث خدمة للمصالح العليا للأمة، فالإثراء والمراجعة من سنن الكون وسمة من سمات البلدان المتطورة والصاعدة بحثا عن الاستقرار والانسجام والتكوين والرفاهية. فالتعديل الجزئي والمحدود المقترح يهدف إلى تحقيق هذه المعاني السامية من حيث المبادئ والى إعادة تنظيم وتدقيق وتوضيح الصلاحيات والعلاقات بين مكونات السلطة التنفيذية، التي تضطلع بوظيفة التطبيق والتنظيم والمتابعة ومن ثمة وجب ضمان انسجامها وإدارتها وتوحيد صلاحياتها. وهي السلطة التي من المرتقب أن يشملها التعديل الجزئي أكثر من غيرها في هذه المرحلة لتستكمل لاحقا مراجعة سير السلطات الأخرى وتنظيمها ولاسيما التشريعية منها، بحكم علاقاتها الوظيفية بالسلطة التنفيذية وذلك عن طريق الاستفتاء الشعبي نظرا لأهمية التعديل وانعكاساته القانونية. إن رجال القانون العام ولاسيما "القانون الدستوري" يجمعون اليوم على ضرورة مراجعة تنظيم السلطة التنفيذية وصلاحياتها وعلاقاتها فيما بينها ومع غيرها من السلطات الأخرى، بل أن لجنة إصلاح هياكل الدولة ومهامها المنصبة عام 2000 من قبل رئيس الجمهورية، ركزت في المجلدين الكبيرين الذين احتويا تقريرها العام المتضمن تشخيص النظام الإداري في الجزائر على ضرورة تكييف عمل السلطة التنفيذية وتنظيمها . / v حول السلطة التنفيذية من السمات التي تطبع الدستور الحالي مثلا، ازدواجية ممارسة السلطة التنفيذية وتأثيرها السلبي على سير وتنظيم عمل السلطات العمومية لتداخلها وغموضها، وهو ما يقتضي تحقيقا للاستقرار المنشود وضمان سيادة الشعب ومشاركته في تسيير الشؤون العمومية في إطار ديناميكية التنظيم المحكم والرشيد للدولة ونظامها، البحث المستمر عن التكيف مع مقتضيات مجتمعنا الذي يعيش مخاض مرحلة الانتقال، بدء بتهذيب أحكام دستورنا بما يتماشى وتكريس حقوق المواطن وحرياته الأساسية في الدستور وتعزيز الممارسة الديمقراطية وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات بين مختلف المؤسسات الدستورية، وصولا إلى ترسيخ آلية التعاون والتوازن بينها، أي إعادة تنظيم العمل الحكومي والتشريعي، بدء بالقضاء على ازدواجية المؤسستين، رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، وما ينجر عنها من ازدواجية الهياكل من جهة، بدء بتشكيل الحكومة، والتعيين والانتقاء، وازدواجية السلطات الخاصة برئيس الجمهورية، وبالحكومة، وكذا السلطات المشتركة بينهما من جهة أخرى والعمل على إعادة تهذيب ومراجعة المهام والوظائف المخولة للهيئات التقليدية، التشريعية والتنفيذية بما يضمن التعاون ويحقق الاستقرار والتوازن والانسجام المنشودين في المجتمعات المعاصرة المتنورة. فالدساتير الحديثة الفعالة، هي تلك التي تسهر على توضيح العلاقات بين السلطة والمؤسسات الدستورية القائمة من حيث عملها ومسؤوليتها في إطار واضح يتجنب الخلط بين السلطات ويسهر على إحداث مرونة أكبر وجسور أنجع بينهما في كنف التعاون المؤسساتي لا التنافر . وفي هذا الإطار، فإن السلطة التنفيذية في الأنظمة الجمهورية، تقوم أكثر على القائد، الرئيس المنتخب بالاقتراع العام المباشر، وعلى برنامج وطني متعدد الجوانب، يعمل خلال عهدته على تجسيده، بالاستعانة بمساعديه الذين يعينهم ويغيرهم وفق مقتضيات المصلحة، وأن الشرعية الديمقراطية لرئيس الجهاز التنفيذي تفسر الاستقلالية المؤسساتية كخاصية من خصائص النظام الرئاسي المكّيفً التي تتطلب أن يجمع الرئيس بين يديه، القوة التنفيذية اللازمة la puissance executive التي تتطلب بدورها عدم استقلالية الحكومة سياسيا ولا قانونا. كما أن استقلالية التنفيذي عن التشريعي تندرج ضمن إطار العمل المحدّد للاستقلالية المتبادلة للمؤسسات والهيئات الدستورية. ومن ثمة فينتظر أن يشمل التعديل الجزئي أو اللاحق إعادة تنظيم السلطات العمومية، ولاسيما القضاء على ازدواجية السلطة التنفيذية وإقرار وحدتها واستقرارها وانسجامها، وذلك من خلال: استبدال وظيفة ومهام رئيس الحكومة المنصوص عليها في العديد من المواد الدستورية، بجعله مستقبلا وزيرا أولا مسؤولا أمام رئيس الجمهورية وحده كصاحب سلطة التعيين. ( وفي حال إقرار هذا التعديل وهو ضروري وأكيد، فمن المرتقب أن تقدم الحكومة استقالتها إلى رئيس الجمهورية حالا ليقوم بتعيين وزير أول تقتصر وظيفته على التنسيق والتنفيذ والإشراف على الطاقم الحكومي تحت سلطة رئيس السلطة التنفيذية، أي رئيس الجمهورية، كما يرتقب أن تغيب اجتماعات مجالس الحكومة الموسعة لتقصر على مجالس وزارية مصغرة ومتخصصة وفقا لطبيعة الملف موضوع الدراسة.) ويكون رئيس الجمهورية مسؤولا أمام الأمة، باعتباره مجّسد وحدتها ومنتخب بهذه الصفة الوطنية، وفق برنامج وطني، عن طريق الاقتراع المباشر والسري. (م71 من الدستور) وبالأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين المعبر عنها، ويمارس مهامه بعد أدائه فورا اليمين أمام الشعب (م75)، إن تعيين رئيس الحكومة من اختصاص رئيس الجمهورية (م87). ومن ثمة فإن ما يظطلع به الوزير الأول من صلاحيات تندرج في إطار تفويض سلطة السير الحسن للدولة، لتنفيذ البرنامج الرئاسي، وبالتالي تمكينه من وسائل أكبر لتنسيق العمل الحكومي بصفه فعالة وناجعة تعود بالإيجاب على سير الدولة ككل. وللوصول إلى هذا المبتغى يرتقب أن يشمل التعديل عدد من المواد الأساسية التالية: 1 . المادة179 المتعلقة بتقديم أعضاء الحكومة إلى رئيس الجمهورية، 2 . المواد من 279الى83 المتعلقة ببرنامج الحكومة 3 . المادة 184 المتعلقة بتقديم بيان عن السياسة العامة إلى المجلس الشعبي الوطني أو إلى مجلس الأمة. 4 . المادة4 ,2 ,185 المتعلقتين على التوالي، بتوزيع الصلاحيات بين أعضاء الحكومة، ورئاسة مجلس الحكومة. والتوقيع على المراسيم التنفيذية 5 . المادة 86 المتعلقة بإمكانية تقديم رئيس الحكومة استقالة حكومته. 6 . المادة 99 المتعلقة بمراقبة عمل الحكومة من طرف المجلس الشعبي الوطني. والتي تقتضي بدورها تكييف المواد 80 و84 و133و134 من الدستور. 7 . المادة 119 المتعلقة بحق المبادرة بالقوانين. 8 . المادة 4120 المتعلقة باستدعاء اللجنة المتساوية الأعضاء. 9 . المادة 2125 المتعلقة بمجال ممارسة السلطة التنظيمية من قبل رئيس الحكومة 10 . المادتين 135 و137 المتعلقة على التوالي بمسؤولية الحكومة أمام المجلس الشعبي الوطني، والآثار المترتبة عن ذلك. (ملتمس الرقابة وتقديم الاستقالة). إن أحكام الدستور الجزائري الحالي تقتضي مراجعة أعمق وتهذيب أشمل لأركانه، فهو دستور أعد في ظروف خاصة تطلبت بنودا خاصة، حان الوقت لتكييفها وتهذيبها وفق نظرة أشمل لغد أفضل ومستقبل مشرق في كنف مشروع مجتمع لأمة واحدة متنوعة تراعي المصالح العليا للوطن. ------------------------------------------------------------------------