المتأمل بإمعان في الآثار والمعالم التاريخية الماثلة هنا وهناك بمدينة مستغانم وضواحيها والتي تبرز العديد من الحضارات القديمة التي عرفتها المنطقة، يتأكد جازما أن مستغانم تصنف في خانة المدن التاريخية الضاربة في جذور التاريخ الحضاري، وما نتطرق إليه في هذا الموضوع حول الجوانب التاريخية، يكون من بين الأدلة القاطعة على ذلك. فمستغانم مدينة قديمة حقا وجدت قبل مجيء الرومان إليها، وكانت آنذاك تعرف باسم ''موريسطاق''، أما الرومان فقد عرفوها بعد الزلزال القوي الذي دمّر جزءا كبيرا فقاموا بتجديدها وأطلقوا عليها اسم ''كارتنا''، وهذا في عهد ''ڤاليان''، وذكر صاحب كتاب (حقائق الأخبار) في كتابه هذا: »أن مستغانم كانت موجودة قبل الإسلام، وأكد اسم ''كارتنا'' وهذه لفظة رومانية استعلمها الرومان اسما لمستغانم بعد أن شيّدوها من جديد«، وقال البستاني في كتابه (دائرة المعارف) إن مستغانم مدينة قديمة وكانت موجودة قبل الإسلام، وهناك تاريخ أبعد من هذا، يقول بأنه يوجد في مكتبات روما كتب تاريخية تثبت أن مستغانم كانت موجودة وكانت على ساحل البحر تدعى ''موريسطاقا''، أما الشريف الإدريسي فقد أورد في كتابه (جغرافية الإدريسي) أن مستغانم كانت موجودة في القرن الخامس الهجري، إلا أن بعض المؤرخين يرون في ما جاء به الإدريسي غير مقنع على أنه صواب بدليل أن مستغانم كانت موجودة سنة (229ه 829م) تحت سلطة ولاية ابراهيم بن محمد بن سليمان ثم لابنه محمد ثم ليحي بن محمد ثم لعلي بن يحي وكلهم إدريسيون، والملاحظ أن مستغانم ليست لها شهرة في العصور الغابرة، ولا تاريخ يذكر، فلأنها كانت في عهد ولاة أو تحت نفوذ ولاة يسود حكمهم الفوضى الشاملة والصراع الحاد على السلطة. ماذا حدث سنة 1073م ؟ في هذه السنة بالذات، فتحت يوسف بن تاشفين مستغانم وأقام بها مباني ضخمة ومشاريع عمرانية ومن بين هذه المباني مركزه الحصين والذي مازال موجودا لحد الآن، معروفا ببرج الأمحال، وفي سنة 695ه 1296م هاجم السلطان أبو الحسن المريني مدينة تلمسان فخضعت له بذلك ندرومة وهنين ووهران ومزغران، ثم فتح مازونة ومستغانم، وبعد بضعة سنين من الإستقرار أي سنة 762ه / 1360م كان أول عمل قام به أبو الحسن هو بناء المسجد الكبير بحي طبانة المسجد لازال لحد الآن وإن كانت قد أدخلت عليه تعديلات وبعض الترميمات المعمارية. والجدير بالذكر، أن حكم الدولة المرينية قد بقي حتى أواخر سنة 761ه 1365م، ثم جاء أبو حموموس الثاني وهاجم الدولة المرينية فانتزغ مستغانم وقد خاض معارك عديدة حتى وصل تلمسان التي انهزم فيها، ولكنه فرّ إلى المغرب وتوفي شهر نوفمبر سنة 1389م عن عمر يناهز الثامنة والستين، أما حكمه فقد بقي نافذا مدة إحدى وثلاثين سنة. ثورة المتوكل الكثير ممن يبحثون في تاريخ مستغانم لم يتطرقوا بإسهاب إلى ثورة المتوكل وأسباب نشوئها، والأهم منها بقي مجهولا، فيذكر أنه في سنة 1461م وبعد القلاقل السياسية والحروب الباردة والانقلابات الإدارية، حيث انتشرت الفوضى في البلاد الجزائرية كلها وعم الخلاف بين الزعماء، نهض الأمير محمد بن أبي ثابت (المتوكل) منتهزا فرصة تلك الاضطرابات وأخذ في سيرته بغية الاستيلاء على مستغانم. اتفاقية مابين الإسبان والجزائريين في سنة 1511م حصل اتفاق مابين الإسبان وأعيان مستغانم وكان محتوى الاتفاقية يتضمن مايلي: 1 يلزم على أهل مستغانم أن يدفعوا لملك إسبانيا المكوس والضرائب التي كانت تدفع لملك تلمسان. 2 إطلاق سراح المسيحيين الذين وقعوا في قبضة أهل مستغانم في ''واقعة غزو المدينة''. 3 تزويد مدينة وهران والمرسى الكبير بجميع السلع. 4 لا يسمح مطلقا شحن أو تفريغ أية سفينة بمرسى مستغانم إلا بترخيص من الملكين. تم هذا الاتفاق واعتقد الإسبان أنهم قضوا على أهل مستغانم، ولكن أهل المدينة كانوا ذوي بأس شديد وقوّة في البحر ولم يرضوا بهذا الاتفاق، إلا لأن الحروب التي خاضعوها من قبل كان من جرائها أنها أضعفت قوّتهم ثم أنهم أرادوا بذلك خدع الإسبان فجمعوا شملهم وكان لديهم أسطول يتألف من 12 سفينة قرصنة حربية ركبوها مع المهاجرين الأندلسيين وهاجموا بها شواطئ إسبانيا انتقاما لإخوانهم الأندلسيين الذين طردوا من ديارهم، وقد حصلوا خلال هذا الهجوم على غنائم كثيرة وعدد كبير من الأسرى. وتحقق النصر في مستغانم جمع حسان بن خير الدين قوته عند مصبّ نهر الشلف سنة 1558م وخرج في نفس الوقت الذي خرج فيه الكودنت دي الكوديت من وهران قاصدا مستغانم على رأس جيش قوامه 12 ألف إسباني ورافقته سفن محملة بالذخيرة الحربية والمؤونة، وتمكن من تحطيم أسوار مزغران ودخلها محاولا الإستيلاء على مستغانم قبل وصول الجيش الجزائري إلى المعركة، وصل الجيش الإسباني إلى مستغانم مساء يوم 22 أوت 1558م وعند مطلع فجر يوم 23 أوت، أعلن الكونت حاكم وهران بإطلاق نفير الحرب وإلتحم الجانبان في معركة مع سكان المدينة الذين دافعوا على أنفسهم ودينهم ووطنهم وباعوا أرواحهم لله ولم يبق لهم أمل سوى أن يموتوا شهداء، فصارت المدينة وكل ناحية، بل وكل منزل ميدانا للمواجهة الدامية ظهرت فيها بطولة الفداء وحيّرت عقول الإسبان الغزاة لما شاهدوه في هذا اليوم، ولم يتمكنوا من أخذ ناصية المدينة وعند الزوال أشرف جيش المسلمين على المدينة من الناحية الشرقية وأتت البشرى إلى المدينة، وكان يبلغ 15 ألف مجاهد ودخل المدينة وانضم إليه الشعب، فهدأت الأرواح واطمأنت القلوب وخاضت المعركة بنشوة وعلا التكبير والتهليل من كل جانب وضايقوا الإسبان إلى غروب الشم. وفي يوم الغد، وجد الإسبان أنفسهم في موضع يحوطهم فيه المسلمون من كل ناحية، فاشتد الضيق بهم حتى صار كل واحد منهم لا يفكر إلا في نجاة نفسه وانهزم الجيش الإسباني وأدبر إلى مزغران وكان أفراده في حالة رعب وفوضى، حتى قتل بعضهم بعضا عند مدخل المدينة وقتل قائدهم الكونت وأسر ابنه مع أسرى آخرين وبلغ قتلاهم بالآلاف وتم هذا النصر العظيم عند غروب الشمس يوم الجمعة 23 أوت 1558م تلك هي معركة مستغانم وواقعة مزغران الشهيرة التي شارك فيها وليّ اللّه سيدي لخضر بن خلوف، وبعد ذلك وقعت مستغانم تحت سيطرة الأتراك. ------------------------------------------------------------------------