يندرج تعديل الدستور في سياق التطور الطبيعي لمسار المجتمع بكافة مؤسساته ضمن تنمية البناء الديمقراطي الذي تسلكه البلاد منذ إنهاء الأحادية السياسية والانخراط في خيار التعددية بما في ذلك الحزبية منها. وضمن هذا التوجه لا يعد إجراء تعديل للدستور من خلال استشارة الشعب الجزائري المصدر الوحيد للسلطة بدعة، بقدر ما هو لبنة أخرى تندرج في سياق تعميق مفاهيم الديمقراطية وتأكيد قواعدها الأساسية من أبرزها تكريس الفصل بين السلطات واستقلالية العدالة وتدقيق صلاحيات المؤسسات الشعبية المنتخبة إلى جانب تجديد التمسك بالثوابت التي تحكم بناء الدولة وتوضح عناصر الهوية وتجسد المكاسب الوطنية الكبرى. ولعل ما يستوجب التكفل به في خضم عملية التعديل الراهنة تعميق وتدقيق الأحكام ذات الصلة بالمؤسسات والهيئات التي يعول عليها في تجسيد الديمقراطية بما يكفل إنجاز التطلعات والطموحات التي ما فتئ الشعب الجزائري يعبر عنها مستمدا قوتها من الرصيد الحضاري والتاريخي الثري بقيم الحرية والمساواة والعدالة بأن لا أحد فوق القانون وأن لا مجال للتفريط في أملاك المجموعة الوطنية بأي ذريعة كانت بما في ذلك التمسك باقتصاد السوق كخيار اقتصادي. وبهذا الخصوص وخارج ما يستوجبه الجانب المتعلق بالمؤسسات السياسية بإحداث مزيد من التوازن، من المفيد أن يتضمن التعديل أحكاما واضحة تبين أن الخيار يشمل تكريس «اقتصاد السوق الاجتماعي» بما يمنع على أي سلطة تنفيذية مستقبلية تنبع من الخيار الحر والديمقراطي التصرف خارج هذا المفهوم الذي يمكن اعتباره قاسما مشتركا ومتوازنا بين تحرير المبادرة من جهة ومنع التطرف الاقتصادي الحامل لليبيرالية المتوحشة التي تهدد الاستقرار وتصيب الانسجام الاجتماعي ولا تعطي فرصة للمنافسة والذكاء الاقتصادي القائم على سباق الأفكار. وعلى صعيد آخر، فإن اللجوء إلى هذه العملية يستهدف في المضمون الاستراتيجي تعزيز مسار الإصلاحات الشاملة والدفع نحو التغيير الإيجابي القائم على تفعيل المؤسسات الدستورية بما يجعلها تستجيب للمرحلة دون المساس بالركائز التي تعود مرجعيتها إلى المواثيق الأولى للدولة الجزائرية والتي تنبع من روح بيان أول نوفمبر الذي يضع الضوابط ويسطر الطريق للأجيال، وفقا لثقافة التواصل والتجدد المستمر بعيدا عن أي نزعة لاستيراد وصفة معينة أو تقليد للغير بقدر ما تمثل العملية تجسيدا لخيارات جزائرية محضة تراعي الخصوصية التي تميز الشعب الجزائري وتعكس ماضيه وتاريخه ومواقفه، باعتباره شعبا فريدا على أكثر من صعيد.