ألقت الشراكة الاقتصادية الأجنبية بظلالها على الساحة طيلة النصف الأول من السنة الجارية، وشكّلت قاعدة "51 / 49" نقطة جدل بين المتعاملين، في وقت حسمت فيه الدولة على لسان وزير التجارة مصطفى بن بادة الخيار بإبقاء هذه القاعدة سارية المفعول لما فيها من ضمانات لعدم حدوث تلاعب محتمل بالطريقة التي حصلت مع أوراسكوم في قضية مصنع الاسمنت، الذي أعاد المستثمر الأجنبي بيعه لمتعامل أجنبي آخر ضاربا عرض الحائط بكل الاعتبارات الاقتصادية والأخلاقية. وبعيدا عن السقوط في متاهات قراءة بسيطة للأرقام فإنّ الأكثر دلالة تسجيل تلك الوثبة الاستثمارية بأبعادها الاستراتيجية متجاوزة الحالة الظرفية. ويمكن البناء على حصيلة العشر سنوات الأخيرة التي سجلت استثمارات أجنبية ناهزت 27 مليار دولار شملت 421 مشروعا استثماريا، وتحتل فيها الصناعة المكانة الأولى تليها الخدمات فقطاع البناء والأشغال العمومية. وفي انتظار أن تقدّم الجهات المكلّفة بمتابعة وتقييم وتيرة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما فيها القادمة من البلدان العربية الحصيلة المسجلة خلال هذه الفترة، يمكن التأكيد على جملة من المؤشرات الايجابية التي كشفت عنها فعاليات معرض الجزائر الدولي ال 46، الذي دام من 29 ماي إلى 3 جوان 2013 عاكسا المشهد الاقتصادي الجزائري في ضوء الاهتمام الخارجي بين متعاملين لا يزالون ينظرون للساحة الجزائرية بنظرة السوق المربحة بالنظر للبرامج التنموية الواسعة، وآخرين على قلتهم من حيث النوعية والثقل يجسدون ثقتهم في هذه الساحة باعتبارها سوقا للاستثمار دون التخفي وراء مواقف وأحكام جاهزة مثلما هو الشأن لأحكام قانون الاستثمار وبالذات شرط 49 / 51، إذ انخرطت هذه الفئة من الشركاء في مشاريع إنتاجية في شتى القطاعات. ومن الطبيعي أن تعرف سوق الاستثمار بالجزائر استقرار من شانه أن يميز بين المتعامل الجاد ونظيره التاجر، وأمثال هذا الأخير من يحترف ترويج ادعاءات وإثارة تساؤلات من أجل أن تغيب الشفافية وعرقلة مسعى فرز صفوف المستثمرين. ويوجد أكثر من مثال لنجاح مشاريع شراكة يرتقب أن تثمر نتائج ذات دلالات اقتصادية وتجارية لصالح المنظومة الاقتصادية لبلادنا على غرار مصنع تركيب السيارات في شعبة صناعة السيارات، ومصنعي الجرارات بقسنطيمنة والحاصدات بسيدي بلعباس، وكذا مصنع النسيج بغيليزان مع تركيا، التي أنجز متعاملوها استثمارا في صناعة الفولاذ بوهران والأمثلة عديدة. وهناك قائمة لاستثمارات عربية جارية وأخرى في الطريق إلى التجسيد، في انتظار أن يتوسع الاستثمار الأجنبي المباشر لقطاعات ذات جدوى مثل الفلاحة الصناعية والصيد البحري والسياحة. ولا تتحقق مثل هذه المكاسب بالرغم مما يحيطها من تساؤلات وجدل مشروع في الغالب خاصة مع إفرازات الفساد، لولا أنّ السوق الاستثمارية المحلية واعدة وجذّابة بالإضافة إلى توفرها على ضمانات قانونية منافسة، في ظل واقع صعب يمر به الاقتصاد العالمي، والذي يشكّل فرصة مواتية للمؤسسات الاقتصادية الجزائرية ومنها التابعة للقطاع الخاص لجلب متعاملين تمنح لهم السوق الجزائرية فرصة استئناف النمو والنجاة من الكساد المفتوح على الإفلاس. وقد حدثت في الأسواق الأوروبية حملة هجرة واسعة للمؤسسات والمصانع بحثا عن ساحات اقتصادية أكثر جاذبية ومواتية من حيث مؤشرات التنافسية في الطاقة واليد العاملة والتسويق.وهنا تبرز أهمية الدور الذي يمكن للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تلعبه في بناء هذه المعادلة، خاصة من خلال الإستراتيجية الصناعية التي بدأت تتجسّد مانحة مساحة اكبر للمؤسسة الجزائرية في دخول عالم الصناعة بكل تحدياته وآفاقه وذلك من خلال مسار المناولة التي تفرض تنافسية احترافية تضع المتعامل أمام خيار لا مجال للقفز عليه ألا وهو الالتزام بمعايير الجودة والقدرة، وبالتالي يعدّ مسار الاندماج الصناعي تجربة للمؤسسة المحلية للتعاطي مع الصناعة الحقيقية، ومن ثمة امتلاك رصيد يؤهلها لمواجهة المنافسة الخارجية تحسبا لمستقبل الحامل لتحديات أبرزها شروط الانضمام المرتقب لمنظمة التجارة العالمية. وتحظى المؤسسات الاقتصادية خاصة الصغيرة والمتوسطة باهتمام غير مسبوق من جانب الدولة على غرار التحفيزات والإعفاءات والبرامج الاستثمارية، بالإضافة إلى مرونة الجانب البيروقراطي وآخرها تبسيط الإجراءات التي تعمل بها المديرية العامة للضرائب.وبالموازاة مع الديناميكية التي تضبط عليها الشراكة الأجنبية، وهي محطة انطلاق لا يمكن تجاوزها، يبقى الخيار الاستراتيجي قائما على ضرورة اندماج الرأسمال الوطني الخاص والعمومي في مسار بناء منظومة اقتصد إنتاجية ومتنوعة، ترتكز على إنتاج القيمة المضافة التي توفر المناعة في مواجهة المنافسة الخارجية وتعطي القدرة على دخول أسواق أجنبية حيث الصراع الاقتصادي العالمي يحتدم بشكل لا يعطي فرصة للمترددين أو المتأخرين عن المنافسة. ووفقا لمقتضيات هذه الحتمية، تطرح الشراكة العمومية والخاصة كبديل لإعطاء نفس للاستثمار الوطني، وهو ما لم يتوقف الوزير الأول في الإلحاح عليه في مختلف المناسبات، على اعتبار أن البلاد تبنى بسواعد أبنائها وعقولهم ورساميلهم أيضا، في ظل استقرار المؤشرات الاقتصادية والمالية