تسمح الحصيلة الاقتصادية لسنة 2012، بالمرور إلى السنة الجديدة 2013 بمؤشرات خضراء تضمن مواصلة مسار التنمية على المديين القريب والمتوسط. وكانت هذه السنة التي تطوي آخر أيامها غدا حبلى بالنتائج الايجابية على كافة الأصعدة، فتحققت مكاسب أخرى للمجموعة الوطنية التي أخذت طريقها على مسار التنمية الشاملة من خلال البرنامج الاستثماري الخماسي القوي بفضل الموارد المجندة وعمق الاستثمارات المسجلة التي توفر اليوم المنشآت القاعدية المندمجة التي تضمن انجاز الإقلاع الاقتصادي خارج المحروقات.طبقا لما أكدته أرقام صندوق النقد الدولي فإن للجزائر أوراق قوية للتقدم أكثر أبرزها ضعف المديونية الخارجية بحيث ترتب ضمن البلدان ال20 الأقل مديونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي ثاني بلد يتوفر على أعلى احتياطي للصرف بالعملة الأجنبية بعد المملكة العربية السعودية بحيث يتوقع أن تختتم سنة 2012، برصيد احتياطي يبلغ 200 مليار دولار، علاوة على أن الجزائر جسّدت مشاركتها في تمويل صندوق النقد الدولي بقرض يقدر ب5 ملايير دولار ضمن العمل بمبدأ التعاضد الدولي وترجمة للقوة المالية التي تتمتع بها الجزائر. ووفقا لهذا التقييم الذي يرتكز على معطيات حقيقية، فإن الثقة في الاقتصاد الجزائري تأكد بفضل الحصيلة الجدية لهذه السنة مع التوضيح أن الوضعية تتطلب التركيز على تكريس سياسة تنويع مصادر الدخل، خاصة لمواجهة متطلبات ما بعد المرحلتين القريبة والمتوسطة ذلك أنه لا يزال البترول المورد الأول وفي نفس الوقت مصدر انشغال للمستقبل إذا ما تعرضت الأسعار لهزة عنيفة تذكر بما حصل في مرحلة سابقة ونجم عنها تعطل لدواليب الاقتصاد. لقد لعبت الموارد المحصلة من المحروقات مرة أخرى الدور الأول في تمتين القدرات الوطنية وتمكين المشاريع الكبرى من الاستمرار، لكنها تبقى في نفس الوقت الانشغال الأول لمواجهة تحديات المستقبل في المنظور البعيد، خاصة إذا ما تعرضت الأسعار لهزة عنيفة. وتحسبا لذلك شكلت سنة 2012، محطة جديرة بالتوقف عند محصلتها في مواصلة تكريس مجهود الاستثمار العمومي الذي يمثل حاليا القوة المرافقة للنمو الذي يقدره صندوق النقد الدولي بنسبة 6 . 2 بالمائة هذه السنة مقابل 4 . 2 بالمائة سنة 2011، مع توقع تحقيق نسبة نمو تقدر ب 4 . 3 السنة المقبلة، علما أن النمو عرف في كثير من البلدان بما فيها الصناعية تراجعا بفعل الأزمة المالية العالمية ما نجم عنها من كساد وانكماش. وتبقى الأرقام محل نقاش بين مختلف المتتبعين في وقت حددت فيه نقاط ضعف في هذه السنة أبرزها ارتفاع نسبة التضخم بشكل متسارع ومثير للقلق بلغت 1 . 8 بالمائة بينما كانت لا تتعدى 5 . 4 بالمائة سنة 2011، ومن المتوقع العمل للضغط على التضخم من أجل تنزيل النسبة إلى 5 بالمائة سنة 2013. ونفس التركيز يكون على نسبة البطالة التي قدرت ب 7 . 9 بالمائة مقابل 10 بالمائة في 2011، وتوقع تقليصها إلى 3 . 9 بالمائة السنة المقبلة. ومن أبرز ما يمكن تسجيله في خانة الإيجابيات، الضغط على فاتورة الاستيراد الذي تراجع بالنسبة لبعض القطاعات مثل المواد الغذائية التي انخفضت فاتورتها ب15 بالمائة خلال شهر نوفمبر الأخير فقط بينما لا تزال سوق الأدوية نقطة الضعف لما تعرفه من ازدهار للاستيراد، في انتظار أن تثمر سياسة الاستثمار الصناعي المحلي وبالشراكة مثلما هو الأمر للمشاريع المسجلة مع مخابر أمريكية أكدت ثقتها في السوق الاستثمارية الجزائرية. وعرفت نفس السنة التي نودعها عملا في العمق بالنسبة لتطهير قائمة المستوردين إذ أمكن تجميد حوالي 20 مستورد لا يستجيبون للمعايير القانونية والاحترافية مع إعطاء تحفيزات للمصدرين خارج المحروقات الذين يجدون مساحة أفضل بمرافقتهم في الولوج إلى أسواق عالمية، حيث الصراع قائم على انتزاع حصص مقبولة على الأقل تكون في حجم ما تخصصه الدولة لهذا القطاع. وبالموازاة مع ذلك، فإن السنة المنصرمة فاسحة المجال لأخرى واعدة حملت في محصلتها مكاسب تنظيمية ذات مدلولات قوية أبرزها تخصيص المنظومة البنكية بإصلاحات جوهرية في فائدة المتعاملين والمؤسسات والمواطنين من خلال إلزام البنوك بالرد على طلبات القروض في أجل 45 يوما وتيسير فتح الحسابات للمواطنين الراغبين بذلك. كما جرى تعيين رئيس جديد للجنة تنظيم عمليات بورصة الجزائر محملا بورقة طريق تسطر المرحلة القادمة بجعل البورصة في مرتبة متقدمة على الساحة الاقتصادية وذلك بإدخال الحركية عليها بجذب مؤسسات من كافة القطاعات للانضمام إلى هذه السوق بعرض أسهم جديدة ذات جدوى ومصداقية. ولعلّ من أبرز مؤشرات الانطلاقة القوية الاهتمام الذي عرفته الصناعة على كافة المحاور سواء تدعيم المؤسسات الوطنية بتمكينها من الحصول على مشاريع وفاتر أعباء هامة، أو تبسيط الإجراءات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة أو تنمية الشراكة الأجنبية مثلما هو الأمر لمصنع الجرارات االفلاحية الجزائري الأمريكي بقسنطينة ومشروع تركيب سيارات رونو الفرنسية بوهران. وتحقق كل هذا وفقا لقاعدة الاستثمار51 بالمائة من رأسمال المشروع للطرف الجزائري و49 بالمائة للطرف الأجنبي، وهذا ضمانا لرصد متعاملين جادين ويثقون في السوق الجزائرية يمكن الشراكة معهم في مشاريع بعيدة المدى تكون رابحة ومتوازنة. وعلى هذه الوتيرة النشيطة شهدت مختلف القطاعات من المحروقات إلى الفلاحة مرورا بالخدمات نموا معتبرا، بينما لا تزال السياحة والصيد البحري والمناجم تتطلع لمجهودات أكثر ليس من حيث التمويل وإنما من جانب الإنتاجية والتحكم في تكلفة الإنتاج بما يسمح رفع تحدي المنافسة.