أصبح صالون الجزائر الدولي للكتاب تقليدا وطنيا يحظى بإقبال شعبي مميز وباهتمام إعلامي متميز، حيث أصبح من الصعب كما أكّدت وزيرة الثقافة خليدة تومي تصوّر دخول اجتماعي من دون «سيلا»، إذ أصبحت هذه التظاهرة الثقافية جزء من المشهد الجزائري كموعد خاص بالنشر والأدب، وأيضا كحدث حي للمجتمع، كذلك ولأن المشاركة من حيث عدد العارضين والمؤلفين والبلدان الممثلة في تزايد مستمر، الشيء الذي جعل صالون الجزائر الدولي للكتاب حدثا يحتل مكانة محترمة في الأجندة الدولية للتظاهرات المتصلة بخير جليس. أدرجت التظاهرة في السنة الماضية ضمن الاحتفالات بالذكرى الخمسين للاستقلال، بحيث ساهم المعرض في إبراز مآثر الكفاح التحرري التي يزخر بها شعبنا ووطننا، فكان المرآة العاكسة لحركة النشر الواسعة التي رافقت هذه الذكرى، في الجزائر وفي الخارج تعبيرا عن التقدم الذي أحرزه البحث التاريخي والذي تدل عليه كثرة الدراسات وقيمة الشهادات التي دونها صناع هذا التحرر. وقد جاءت هذه الدورة كذلك للتذكير بأنّ حرية الوصول إلى الكتاب كعنصر لا غنى عنه لاكتساب العلم والمعرفة وكأداة إعلامية وتربوية بامتياز، يحدد جوهريا مدى احترام قيم الحرية والكرامة التي تعد من أهم الحريات الأساسية. من هذا المنظور، قالت تومي: «يجب فهم إصرار الاستعمار الفرنسي الاستيطاني على إبقاء شعبنا في حال أمية شبه مطلقة، ومن ثم إبقائه عاجزا عن الوصول إلى الكتاب وإلى فضائله المحررة، وحتى تتكون لدينا فكرة عن هذه السياسة ذات المرامي المعادية للحرية، علينا أن نتذكر أنه في عام 1954، لم يكن سوى لجزائري واحد من أصل عشرة مكان في المدرسة». يعود الفضل، كل الفضل في ذلك لمحترفي الكتاب الذين سمحوا بالرغم من الصعوبات بهذه الانطلاقة المحفزة والمشجعة، ولقد تمثل دور الدولة من خلال وزارة الثقافة في مرافقة مبادراتهم بوضع آلية لدعم النشر، ومع ذلك لا يمكن للتقدم الذي أحرز في تعدد وتنوع الاصدارات وفي حرية الابداع وفي نوعية النصوص والمستوى الفني للكتب المنشورة، أن تنسينا العراقيل والتأخر الذي لا تزال تعرفه سلسلة الكتاب. وأضافت تومي، «إنّنا مدركون لهذا الوضع وأيضا متأسّفون أحيانا عندما يصلنا مثلا نبأ إقفال مكتبة تحت ضغط سوق العقار، الذي أصبح ضاريا لا يرحم، ونحن عاجزون عن فعل شيء ويكمن سبب عجزنا في غياب قانون يسمح لنا بالتدخل في مجال سوق الكتاب». وأكدت على سعيهم من أجل أن يتوفر مجال الكتاب أخيرا على وسيلة قانونية كفيلة بأن تحميه وتطوره ليرتقي الى مستوى تطلعات من حق بلد مثل الجزائر أن يصبو إليها ويطالب بها المجتمع والنخبة.. ينتظر الكتاب إلى اليوم المصادقة على مشروع القانون الذي أودع في مكتب المجلس الشعبي الوطني منذ الفاتح أكتوبر 2013، من طرف ممثلي المجلس الوطني ومنح الوسائل التي ستمكن من تحقيق هذا الحلم. إنّ حجم الاقبال القياسي الذي شهده صالون الجزائر الدولي للكتاب حوالي مليون ونصف المليون من الزوار خير شاهد على الاقبال الجماعي على المطالعة، الذي لم يتأثر بتكنولوجيات الاتصال الجديدة، بل ربما ساهمت في تعزيز دورها في هذا الزخم الرائع ينمو شغف جميل لسبر المعارف والغوص في فضاءات الخيال وتحتل الشبيبة فيه مكانة هامة بحكم العامل الديمغرافي قبل كل شيء ذلك. لهذا السبب وضعت الطبيعة الحالية لصالون الجزائر الدولي للكتاب تحت شعار دعوة الشباب لاستكشاف «الكنوز الحقيقية» للمطالعة، بالتناغم مع فعاليات شتي تنظم على مدار السنة كمهرجان أدب وكتاب الشباب ومهرجان «عرس القراءة»، الذي لايزال في طبيعته الثالثة مشعّا في كل أرجاء الوطن، وكذلك مهرجان الجزائر الدولي للقصص المرسومة.لاشك أنّ قرّاء وقارئات الجزائر في المستقبل سيخرجون من كوكبات أطفالنا وناشئتنا وشبابنا، وربما لن يقرؤوا غدا الأعلى الألواح الالكترونية، متعفّفين من الكتاب المطبوع الذي رفاق العالم منذ اختراع الطباعة فليست بالكاد أشجار المعمورة هي التي ستحزن على ذلك، ولا أولائك الذين يحبون البيعة ويدافعون عنها، ونحن بدورنا سوف لن نغتاظ أكثر منهم لأن في الأخير ماذا يهمنا إن تغيّرت الوسيلة؟ إذا بقيت القراءة مصدرا لا غنى عنه لرقي الانسان من خلال الاكتشاف والمعرفة وتربية الذوق والاحساس. وهذا يعتبر رهانا أساسيا، بل وحيويا وفي بداية الألفية الثالثة هذه التي تتطلب التحولات المختلفة الجارية فيها من الانسان ارتقاء فكريا مستمرا لفهم العالم حوله وإثبات وجوده فيه، بتواضع القارئ المهووس لكونه يبحث وتصميم الباحث العبقري لكونه يقرأ.