في البداية دعنا نتّفق على رفض كل أشكال السّلاح المحظور، الذي لا يشمل فقط الأسلحة النّووية بل التقليديّة الفتّاكة، كالقنابل العنقودية والانشطارية والعملاقة، ودعنا نشدّد على ضرورة إزالة كل أنواع هذه الأسلحة التي لا تجلب للإنسانية غير الأسى والألم. لكن إذا كنّا لا نختلف حول ضرورة "تنظيف" العالم من وسائل الدّمار هذه، فإنّنا نتساءل لماذا يسمح للبعض بامتلاك السّلاح النّووي ويحظر على آخرين الحصول على برامج نووية حتى وإن كانت لأغراض سلمية؟ الجواب الجاهز الذي يسوقه الغرب دائما، هو قوله بأن توفّر هذه الأسلحة لدى أنظمة استبدادية أو مجموعات إرهابية يشكل خطرا على الأمن والسلم الدوليين ومن هذا المنطلق تبنّى هذا الغرب سياسة الكيل بمكيالين فهو الذي يحدّد من النظام المستبدّ، ومن يجب منعه من الحصول على برامج نووية. وقد شهدنا عقدا كاملا من الشدّ والجدب والوعد والوعيد والتهديد بين قوى النادي النّووي العالمي ونظام الملالي لكبح الطموح النّووي للجمهورية الإيرانية. وبعيدا عن الغوص في جدلية الرّابح والخاسر في الاتّفاق الموقع بين طهران ومجموعة (5 + 1 ) والذي من شأنه أن يقود إلى انفراج تعتبر منطقة الشرق الأوسط بأمسّ الحاجة إليه، من المهم جدّا التّشديد على ضرورة وقف إزدواجية المعايير في التعامل مع مسألة السّلاح المحظور. إذ ليس من المعقول أن تتسابق الدّول النّووية الكبرى فيما بينها للبحث وتطوير وإنتاج أجيال جديدة من الأسلحة الفتّاكة، وتتنافس في توسيع مستودعاتها النّووية العملاقة وتمنع عن أنظمة تزعم بأنها مارقة واستبدادية حقّها في إمتلاك الطاقة النووية حتى وإن كانت لأغراض سلمية. وليس من المنطق أن تجبر القوى الكبرى العالم أجمع بالتّوقيع والخضوع لمعاهدة الحد من انتشار السّلاح النّووي وتنأى بنفسها عن فعل ذلك. هذه القوى ومن منطلق سياسة "إفعلوا ما أقول لا ما أفعل" ومن مبدأ "حلال علينا حرام عليكم" ماضية في توسيع مخزونها النووي وترسانتها من الأسلحة الفتاكة التي استعملت في أفغانستان والعراق وغزة ... وتغضّ الطّرف عن اسرائيل التي تملك العديد من الرّؤوس النّووية حتى وإن كانت لم تجرّب أي قنبلة. إزدواجية المعايير التي تقيّد الطّموح النّووي الإيراني وتطلق يد إسرائيل لتكون الدّولة النووية الوحيدة في المنطقة هو ما يخلق الإحساس بالظلم والتمييز والغطرسة التي تمارسها الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التي كانت أول من أطلق برنامجا نوويّا عسكريا في 16 جويلية 1945، والسّباقة إلى استخدام السّلاح الفتاك بعد 20 يوما فقط لتدمير هيروشيما وناغازاكي ليسجل مقتل أكبر عدد من المدنيين دفعة واحدة في تاريخ الحروب البشرية.