تواصل إسرائيل والدول الغربية السائرة في فلكها بقيادة الولاياتالمتحدة، حشدها النفسي والإعلامي ضد إيران بهدف إعداد الرأي العام العالمي لتمرير ضرب إيران عسكريا بسبب برنامجها النووي، بزعم أنه يؤهلها لامتلاك أسلحة نووية. وإذا كان السلوك الغربي هذا أمرا معهودا، فإن إزدياد حدة التصريحات الإسرائيلية التي أصبحت تدق صراحة طبول الحرب، يعد نذير شؤم، بإعتبار أن الهجوم على إيران لن يمر بسلام، وستكون لها نتائج كارثية تتخطى ليس فقط المنطقة العربية، وإنما إستقرار العالم، بحيث لا يمكن توقع نتائجه أو التحكم في عواقبه. فالعالم يعيش أزمة إقتصادية ومالية غير مسبوقة، وقد تؤدي الحرب في منطقة الشرق الأوسط إلى إنقطاع الامدادات النفطية، مما يضاعف من أسعار النفط بصورة تقضي على كل طموح في الخروج من الأزمات الراهنة لمجمل الدول الغربية بما فيها الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ويعطي بذلك المزيد من القوة للصين الصاعدة بثبات. تقاطع مصالح إدارة أوباما وحكومة نتنياهو والواقع أن هناك تسارع في تطبيق مخطط جهنمي ضد إيران، بعد فشل فرض حزمة العقوبات الغربية المتلاحقة عليها. ولعل هذا التحول المفاجئ، مرتبط بتقاطع المصالح بين إسرائيل والولاياتالمتحدة عبر أكثر من صعيد. ويأتي هذا في ظل إحكام سيطرة حكومة تل أبيب على دواليب الحكم في البيت الأبيض بواشنطن، بفضل اللوبي الصهيو أمريكي الذي يستند على قاعد شعبية أمريكية تضم أكثر من 60 مليون عضو. فمع قرب الانتخابات الرئاسية يبدو أن الرئيس الأمريكي »باراك أوباما« ومعه الحزب الديمقراطي في أضعف مستوى، وهو ما تؤكده الاستطلاعات الأخيرة المشيرة إلى تدني شعبيته باضطراد، حيث أنه يبدو ضعيفا في مواقفه سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فهو لم يلتزم بتعهداته الانتخابية ووعوده بالنسبة لأنصاره من الديمقراطيين، مثلما هو الشأن في الكثير من القضايا على الساحة الخارجية سواء بالنسبة للقضية الفلسطينية أو معالجة الوضع في العراق وأفغانستان. وفي كل الأحوال، فإن فقدان أوباما للأغلبية في الكونغرس صعب في موقف إدارته، وجعله يبدو في صورة ضعيفة مثلما هو الشأن في تمريره على سبيل المثال للميزانية الأمريكية أو عند تنفيذ وعوده بإقامة الدولة الفلسطينية. ولا ينكر هنا الدور الحاسم للوبي اليهودي بنفوذه المالي في الانتخابات الأمريكية، الذي يعتبر بحق طوق النجاة لفوز الرئيس باراك أوباما ومعه حزبه الديمقراطي بعهدة ثانية. وبالمقابل، على الساحة الإسرائيلية، فإن حكومة »بنيامين نتنياهو« اليمينية المتطرفة، أصبحت تعاني من مشاكل متزايدة، لعل أخطرها الوضع الاقتصادي المتدهور المؤدي إلى توسيع دائرة الاحتجاجات الشعبية بما فيها شنّ الاضراب العام، وجمود مبادرتها، حيث أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، لم يتخذ لحد الساعة أي إجراء أو مبادرة تعزز من مكانته، ليس فقط داخليا وإنما على الساحة الدولية، حيث أصبحت إسرائيل تعاني من عزلة دولية غير مسبوقة، خاصة بعد هبوب رياح الربيع العربي، التي أفقدت إسرائيل الكثير من مواقعها وحلفائها سواء في تركيا أو مصر، وأصبح معه حصارها الإجرامي لغزة مسار تنديد متزايد في العالم. حجج غزو العراق الكاذبة تعاد مجددا لتبرير الهجوم على إيران..! إن ضعف »بنيامين نتنياهو« يجعله يبحث عن مخرج لكسب الشعبية المفقودة، والتي ليس لها من طريق سوى العدوان على دول الجوار، مثلما هو معروف منذ نشأة الكيان الصهيوني. وفي سعيه هذا للحصول على إنتصار عسكري يعمل ضمن ثلاثة محاور بالتلويح لغزو جنوب لبنان مجددا للقضاء على حزب الله أو بالتأكيد على اجتياح قطاع غزة مجددا بقصد تحطيم حركة (حماس) وامتداداتها في الحكم والمجتمع، أما المحور الثالث فيتمثل في التصعيد مع إيران وإعلان الحرب عليها، من خلال إدعاءات كاذبة، وباعتبارها تهدد الاستقرار في العالم، وبأنها تقود المساعي العالمية لمواجهتها، ومثلما سوقت الولاياتالمتحدة وبريطانيا ومن خلفها إسرائيل بالأمس القريب حججها وأدلتها الكاذبة في العراق من طراز إمتلاك نظام صدام حسين أسلحة الدمار الشامل وعلاقته بتنظيم القاعدة والديكتاتورية. تعيد الإدارة الأمريكية ومعها الحكومة الإسرائيلية ذات السيناريو بالتقرير المنتظر للوكالة الدولية للطاقة الذرية المتضمن حسب واشنطن أدلة دامغة على تقدم إيران في برنامجها النووي بما يؤهلها لامتلاك أسلحة نووية. وبما يروّج في حقيقة الأمر للتصريحات الإسرائيلية المرجحة للتحرّك العسكري ضد إيران. نجاد: الولاياتالمتحدة تحيك المؤامرات لبث الخلاف مع السعودية لقد بدأ التحول في الموقف الأمريكي الذي يتقاطع في ذلك مع دق طبول الحرب من قبل إسرائيل، وكأن إدارة البيت الأبيض قد وافقت على نجدة رئيس الوزراء الإسرائيلي »بنيامين نتنياهو« مقابل ضمان نجاح الرئيس باراك أوباما في الفوز بعهدة رئاسية ثانية. وبدأ سيناريو المخطط الأمريكي الإسرائيلي ضد طهران بقضية الاتهامات الأمريكية لضلوع إيران في اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن. ودفع الرياض إلى اتخاذ موقف معاد صريح وعلني ضد إيران غير المعروف عنها القيام بعمليات من مثل هذا النوع منذ قيام الثورة الإيرانية. وقد اتهم الرئيس الإيراني محمود نجاد الولاياتالمتحدة بما وصفه بحياكة مؤامرات تهدف إلى بث الخلاف مع السعودية. ووصف الأمريكيين بأنهم أعداء إيران والسعودية وأعداء جميع الشعوب. وقال بهذا الخصوص: »إن هؤلاء نشروا هذا الإفتراء من أجل وضع إسفين بيننا وبين السعوديين«. فشل الإجراء الأمريكي لفرض الحظر على البنك المركزي الإيراني وإذا كانت واشنطن قد سارعت في ضوء إتهاماتها بضلوع إيران في محاولة اغتيال السفير السعودي لديها، قد سارعت لمطالبة الغرب بفرض المزيد من العقوبات على طهران، واتخاذ من جانبها فرض حظر على البنك المركزي الإيراني، فإنها تراجعت عن ذلك بدعوى الضرر الذي سيلحقه ببعض الدول الغربية والصديقة، لاسيما فيما يخص تسويق النفط، وهو ما يعني أن السيناريو الأمريكي المطروح قد أصيب بإنتكاسة، لاسيما بعد ما تقدمت الحكومة الإيرانية بشكوى إلى الأممالمتحدة لدراسة الاتهامات الأمريكية بعدما أكدت بالإثبات أن المتهم الإيراني الرئيس في العملية ما هو إلا عضو في منظمة مجاهدي خلق الإرهابية المعادية أصلا لها. تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محاولة لإدانة إيران ولعل الفصل الثاني من السيناريو الأمريكي الإسرائيلي يتمثل في تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية المسربة أهم عناصره مسبقا، والتي رفض إعتمادها في عهد المدير العام السابق للوكالة محمد البرادعي، إذ يؤكد أن واشنطن لديها أدلة دامغة على تقدم إيران في برنامجها النووي بما يؤهلها لامتلاك أسلحة نووية. وفي حقيقة الأمر، فإن هذه الأدلة التي أعيد طرحها في عهد المدير العام الجديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعتمد معلومات أمريكية من دون أي دليل ملموس على صحتها. وهي من طراز ما حدث لتبرير الحرب على العراق، بإدعاء امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل وصواريخ بعيدة المدى جاهزة لضرب أوروبا وحاويات أسلحة كيماوية... إلخ، التي حمل ملفها آنذاك وزير الخارجية الأمريكي كولن باول بالصوت والصورة المزيفة، المرتكز على معلومات إستخبارية ملفقة. ولم يوجد أي دليل يثبتها على أرض الواقع لحدّ الساعة. ويتوقع أن يحمل تقرير الوكالة الذرية المنتظر خلال أيام حسب الخيال الأمريكي الإسرائيلي الهليودي معلومات عن تصاميم نظرية لرؤوس نووية ولصواريخ حاملة لها، ومعلومات أخرى بتجريب متفجرات شديدة المفعول يمكن استخدامها في الأسلحة النووية. وفي إطار توزيع الأدوار بين الدول الغربية، تحدث ديبلوماسي غربي في فيينا عن تقرير به أدلة مفصلة يصعب دحضها. كما أن تقارير استخباراتية غربية تحدثت أيضا عن مضي إيران في تصنيع أسلحة نووية بالتوازي مع برنامجها النووي لإنتاج الطاقة، الذي أكدت مرارا بأنه للأغراض السلمية. ويخضع للتفتيش الدولي، إضافة لإشارات أخرى واردة في التقرير المنتظر تتعلق خاصة باستدعاء طهران في حقبة تفكك الاتحاد السوفياتي لعلماء روس ساعدوها في وضع خريطة لأسرار القنبلة النووية، وأيضا بتجهيز حاوية مصفحة ضخمة للقيام بتفجيرات تحضيرية للسلاح النووي..! إسرائيل تعد للحرب وتحسب الأيام المتبقية لإعلانها في الفصل الثالث من السيناريو الإسرائيلي الغربي المدعم بتأييد أغلب الدول الغربية، إعلان حرب من طرف واحد، تبادر به الحكومة الإسرائيلية. وسيكون بعد طول انتظار ويأس من جدوى فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، وغالبا ما سيكون كما عهدت إسرائيل هجوم مفاجئ وحاسم على المنشآت النووية الإيرانية، لا يمكن طهران من الرد عليه مثلما حدث في الحروب التي شنتها إسرائيل على الدول العربية باستثناء حرب أكتوبر 1973، ولهذا لا غرابة أن نجد الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يخرج صراحة على العالم مساء السبت الماضي بالتحذير من أن احتمالات شن هجوم على إيران من جانب إسرائيل أو دول أخرى »تتزايد«، مشيرا في هذا السياق، بأن إيران تقترب من الأسلحة النووية، وأن على إسرائيل خلال الوقت المتبقي اللجوء إلى دول العالم ومطالبتها بالوفاء بوعدها وعدم الاكتفاء بإجازة العقوبات. وقال تأكيد على مدى جدية التهديدات الإسرائيلية المنسقة ضمن تحالف دولي مثلما تم العمل به في أفغانستان والعراق: أن أجهزة مخابرات هذه الدول تنظر إلى عقارب الساعة، وتحذر الزعماء من أنه لم يعد هناك مزيد من الوقت. وبالمقابل على الصعيد العملي، يجري التحضير لهذه الحرب على قدم وساق، وتكون إسرائيل قد إستكملت تحضيراتها، وآخرها إجرائها لتجربة وصفتها وسائل إعلامها بصاروخ باليستي يصل مداه ل6 آلاف كلم، وتنظيمها لتدريبات ضخمة على الدفاع المدني لمواجهة رد الفعل الإيراني. إلى متى إزدواجية المعايير الغربية..؟ وأيا كانت النوايا الحقيقية لإسرائيل، سواء سواء كانت هي حرب نفسية لإجبار إيران للتخلي عن برنامجها النووي السلمي، وذلك بدفع القوى الغربية لفرض المزيد من العقوبات الاقتصادية عليها. أم أنها إعلان حقيقي لحرب قادمة قريبة مع إيران، لن تكون فيها المواجهة مثل حروبها السابقة مع العرب، خاصة وان إسرائيل تمر بفترة حرجة، ولم تعد القوة المطلقة المهيمنة على المنطقة العربية، حيث عرفت إنتكاسات في حربها بجنوب لبنان وعدوانها على قطاع غزة، تواجه إسرائيل علاوة على عزلتها الدولية، أزمة حقيقية على صعيدها الداخلي مثل معظم الدول الغربية، لا تسمح لها بالذهاب بعيدا في حرب مكلفة غير مأمونة العواقب، مما قد يهدد مستقبل تواجدها الشاذ بالمنطقة. ومنذ متى كان السعي لامتلاك الأسلحة النووية أو حتى امتلاكها مبررا لإعلان الحرب. ففي تاريخ الدول المالكة لها لم يسبق وأن شنت حرب إستباقية لمنعها، بل أنه كان هناك تواطؤ غربي عامة وأمريكي خاصة في دعم هذا المسعى، مثلما حدث في تاريخ إنتاج الأسلحة النووية ببريطانيا الذي حظي بدعم الولاياتالمتحدة التي أطلعت فرنسا على نتائج تجاربها النووية لوقف برنامج تطوير أسلحتها النووية. وكذا الشأن بالنسبة لانتاج الأسلحة النووية الإسرائيلية ذاتها، التي كان الفضل في تحقيقها يعود لفرنسا، وتحت سمع وبصر بريطانيا والولاياتالمتحدة، ومثلما يجري الآن في الدعم الأمريكي للبرنامج النووي الهندي، والذي يرفض في المقابل أي تطوير مماثل للبرنامج النووي الإيراني.. وإلى متى تستمر الإزدواجية في المعايير الغربية..؟ وكيف للدول المالكة لأسلحة نووية أن تحاسب إيران على برنامجها النووي السلمي، وهي الموقعة على المعاهدة الدولية لحظر الإنتشار النووي والملتزمة بتواعد عمل المنظمة الدولية للطاقة الذرية بما فيها التفتيش الدولي الدوري لكافة منشآتها النووية..!