أكد الشاعر عبد الرؤوف المجادي، أن أدباء الوطن لا يريدون فتح المجال لمبدعين شباب لمساعدتهم لتصحيح أخطاء ربما كانوا يعتقدون في عزلتهم أنها صحيحة، لأنهم يخشون أن يأخذ هذا الشاب يوما ما مكانه في الساحة الأدبية، موضحا أنه قبل أن تكون الكتابة موهبة وشهرة فهي روح إنسانية وقلب تنبض في مكان ما في هذا العالم الكئيب. كيف ترى واقع الشعراء الشباب في الجزائر؟ إن الواقع الذي يعيشه الشعراء الشباب يشبه إلى حد ما قطار وهمي لا يعرف أي واحد منهم أين سيتوقف ذات يوم، وهذا الوهم ليس ناتجا عن خياله الواسع أو تمرده على العصرنة والواقعية، بل يرجع إلى الذين جعلوا من أنفسهم أولياء على الثقافة وليسوا مسيرين لها، فأصبحوا يرفعون من يشاؤون وينزلون من يشاؤون، لذلك فإن ذلك القطار الوهمي سيصطدم ذات يوم بأن السكة التي يمشي عليها قد انتهى مسارها، وبالتالي سيعاني من التهميش والجهوية التي إنتقلت عدواها إلى هذا المجال بعد أن كانت محصورة في مجالات أخرى، وبالتالي سينتقل من الابداع إلى محاولاته العديدة لكسر الانزواء والعزلة، وهذا هو واقع أغلب الشعراء الشباب في الجزائر. يعني أن الشاعر الشاب يحتاج إلى من يرعى ابداعاته الشعرية وفضاءات تسمح له بالبروز والاحتكاك بمن لهم تجربة؟ هي إبداعات ذاتية قبل أن يقوم بجهرها في الفضاءات والنوادي الأدبية حتى يتسنى له البروز والنجاح، لأن الشعر كما عرّفه محمود درويش ذات يوم هو «كتابة على الكتابة»، لكن هيهات فكل أدباء الوطن لا يريدون فتح المجال لمبدعين لمساعدتهم لتصحيح أخطاء ربما كانوا يعتقدون في عزلتهم أنها صحيحة، لأنهم يخشون أن يأخذ هذا الشاب يوما ما مكانه في الساحة الأدبية، وأنا كشاعر شاب لقد أُغلقت كثير من الأبواب في وجهي، لكن أقول لمن يحتكر الساحة الأدبية أنا لن أخذ مكان أحد، أنا سأحجز مكاني فقط والكتابة مثل القضاء والقدر أمور غيبية قد تنجح وقد تفشل، وقبل أن تكون الكتابة موهبة وشهرة فهي روح إنسانية وقلب تنبض في مكان ما في هذا العالم الكئيب يتولى إخراجها الإنسان المبدع إلى الوجود من العدم فإما أن يحتضنها الناس أو يرفضونها، وهل الشاعر الشاب الجزائري يحترم مبادئ الشعر الفصيح والشعبي.. وهل يواكب المتغيرات في الواقع الحياتي؟ الشعر هو كلام نابع من الوجدان قبل أن يكون شيء آخر، أما المبادئ التي توارثناها عن الشعر من حيث الموسيقى الداخلية كالتفعيلة والموسيقى الخارجية كنغمة القافية فهي أمور نسبية، قد يحسن الشاعر إستعمالها فيقوي إنجذاب القارئ نحو قصيدته وقد يسيء إستعمالها فينفر القارئ عنها. والشعر ليس له مبادئ ثابثة لأنه متغير وهو ما نلحظه عن تطور الشعر من القصيدة العمودية إلى قصيدة التفعيلة ثم إلى القصيدة النثرية إلى قصيدة الومضة، والتطور لن يتوقف هنا والله أعلم لأنه ربما ستأتي قرائح أخرى بعد سنوات وتقوم فئة من المبدعين بابتكار شيء جديد له علاقة بالشعر. ألا ترى أن نقص الاهتمام بالشعر من طرف الجمهور الجزائري أدى ببعض المواهب الشعرية إلى الانعزال وعدم الاستمرار في الإبداع والتعبير عن أحاسيسهم ومكنوناتهم؟ نعم هذا أكيد فالشعر يواكب تغيرات الواقع المعيشي للإنسان، لأن الشعر يحمل صفات إنسانية متغيرة من بيئة إلى أخرى، ودليل ذلك أنه لو نقارن بين شعراء عصرنا نزولا إلى أن نصل إلى شعراء العصر الجاهلي، فإننا نصطدم بعامل اللغة لأن اللغة تختلف بإختلاف المجتمع و تطوره، لذلك من الصعب تخيل عنترة يتكلم شعر بلغة العصر ولا نستطيع تخيل شاعر من شعراء عصرنا قول شعر بمفردات اختفت في العصر الجاهلي أو أي عصر من العصور التي تلته لأن لسان الشاعر مرتبط بعادات وتقليد مجتمعه. كما أننا نلاحظ تغير شكل القصيدة وهذا راجع إلى سرعة الزمن التكنولوجي، لأن صبّ قصيدة التفعيلة والنثرية لا تأخذ وقت مثل القصيدة العمودية، كما أن الأغراض الشعرية التي كانت شائعة في العصور السابقة مثل مدح الحكام قد إختفت مع التطور العلمي وذلك بظهور التفلزة والصحافة. أما فيما يتعلق الجمهور فهو أنا وأنت وهو وهي كلنا جمهور الكلمة الشعرية، صحيح أننا نلاحظ عزوف الجمهور عن الملتقيات الأدبية عكس السابق لما كانت جمعية علماء المسلمين هي الواجهة الوحيدة للأدب والثقافة... وهذا لا يرجع إلى أن الشعب الجزائري غير واع لكن سبب عزوفه عن الكلمة الأدبية الصادقة هو الجانب التعليمي الذي أجهض الكلمة الشعرية بترتيبها في قبو البرامج التعليمية، كما يعد المستوى الاجتماعي سبب انزواء الجمهور لأننا لم نذق بعد طعم الحياة ربما لأننا حديثي الاستقلال، لأني لا أعتبر المستوى الاجتماعي عائقا فقد شاهدت في الصور شارع المتنبي في بغداد شيخ أستبدل قميصه بكتاب، أما الإنعزال فهو غير موجود لأنني أكتب وأكتب رغم أنني قد لا أنال حقي في زمني هذا الذي أعيشه، لكن قد تنال أفكاري استحسان قرائح الأجيال القادمة وأصحاب الكلمة الصادقة. هل من كلمة أخيرة؟ أشكر جريدة «الشعب» التي سمحت لنا بكسر عذرية البياض، هذه الجريدة التي أثبثت للقارئ أنها حقا اسم على مسمى، كما أوجه ندائي إلى الشباب الجزائري وأقول لهم «الحياة واحدة لا تقضوها في ما لاينفع، خلدوا أشياء جميلة خلفكم، قد ترحلون من هنا وأنتم سعداء لأنكم ستربطون حاضركم مع حاضر الأجيال القادمة سوى بالكلمة الصادقة».