تودع الساحة الثقافية الجزائرية أحد أبنائها البررة وشيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله إلى مثواه الأخير، بعد صراع مرير مع المرض، حيث يوارى الثرى ظهيرة اليوم بمسقط رأسه بمدينة قمار بولاية الوادي، بعد أن انتقل إلى جوار ربه أمس السبت بمستشفى عين النعجة عن عمر يناهز ال83 سنة. بعد سنوات من العطاء، غيب الموت عن الساحة الثقافية الجزائرية والعربية واحدا من كبار شعراء الجزائر، ورجالات الفكر البارزين الذين سخروا حياتهم لخدمة الثقافة الجزائرية، فكان بذلك صاحب العطاء الكبير، الذي لم يبخل على المثقفين بموسوعته الفكرية والعلمية. أبو القاسم سعد الله أول شاعر جزائري يكتب قصيدة التفعيلة، ليفتح المجال لشعراء من أبناء وطنه لانتهاج مسيرته، حيث كان قدوة للعديد من الأدباء من الروائيين إلى الشعراء، ولم يبخل عليهم بنصائحه وتوجيهاته، وكل ذلك في سبيل خدمة الثقافة الجزائرية. سعد الله مؤرخ بدل قصارى جهده لتأريخ أحداث وطنه، من مواليد 1930 ببلدة «قمار» بولاية الواديجنوب شرق الجزائر، باحث ومؤرخ، حفظ القرآن الكريم، تلقى مبادئ العلوم من لغة وفقه ودين، وهو من رجالات الفكر البارزين، ومن أعلام الإصلاح الاجتماعي والديني، له سجل علمي حافل بالإنجازات: من وظائف، ومؤلفات، وترجمات. درس بجامع الزيتونة من سنة1947 حتى1954 ، واحتل المرتبة الثانية في دفعته، بدأ يكتب في صحيفة «البصائر» لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1954، وكان يطلق عليه «الناقد الصغير»، كما درس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في القاهرة، وحاز على شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية سنة 1962، ثم انتقل إلى أميركا سنة 1962، حيث درس في جامعة منيسوتا التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر باللغة الإنجليزية سنة 1965. كما كان عضوا في عدة منظمات علمية، منها الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، منظمة الطلبة العرب، جمعية الطلبة الأفريقيين، وبعد استرجاع السيادة الوطنية عاد أبو القاسم سعد الله إلى أرض الوطن سنة 1967 والتحق بالجامعة الجزائرية للتدريس، زار عدة جامعات عربية وغربية، وقد درس بجامعة «آل البيت» بالأردن لسنوات، ثم عاد إلى الجزائر سنة 2004 ليواصل عمله في تكوين جيل ما بعد الثورة كما يسميه سعد الله، مع العلم أن رحلاته العلمية أكسبته إتقان عدة لغات أجنبية كالفارسية والتركية والإنجليزية والفرنسية والألمانية. أثرى أبو القاسم سعد الله المكتبة الجزائرية بمجموعة كبيرة من المؤلفات القيمة، من بينها «موسوعة تاريخ الجزائر الثقافي» من 09 مجلدات، «أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر» 5 أجزاء، «الحركة الوطنية الجزائرية من 4 أجزاء، «بحوث في التاريخ العربي الإسلامي»، «دراسات في الأدب الجزائري الحديث»..