رحل أمس رجل لم يجد المختصون والمتابعون لكتاباته، أفضل من صفة "شيخ المؤرخين الجزائريين"، للتعبير عن سعة اطلاعه، وثراء ذاكرته، وقوة تأثير شخصيته العلمية، التي أسفرت تقصياتها وأبحاثها عن سجل علمي حافل بالمؤلفات والترجمات، أورثها طلاب العلم من بعده، والنهمين للبحث التاريخي والغوص في أغواره وفك مبهماته وإيضاح غموضه. رحل مؤرخ الجزائر الأول الدكتور أبو القاسم سعد الله، أمس بمستشفى عين النعجة العسكري، عن عمر ناهز ال 86 سنة بعد معاناة مع مرض ألزمه بيته، ومنعه في الفترة الأخيرة من التعاطي مع الناس، أو حتى مساعدة الطلبة الذين يشرف على رسائل تخرجهم. عرف الراحل بمواقفه الثابتة ومسارعته لخدمة الوطن بشتى الأشكال والصيغ، كما كره بكاء الجزائريين على أطلال مناسبات وذكريات، لم يجسدوا جزء ولو ضئيلا من مواقف أبطالها وصناعها حيث قال:"ما الفائدة إن نحن أحيينا ذكرى الشيخ "ابن باديس" ثم لم نطبق مشروعه الوطني؟ ما قيمة نصب تمثال "للأمير عبد القادر" ثم ندير ظهرنا للقيم الحضارية التي وضعها لتحرير بلاده وإنشاء دولته؟ وأي مغزى أن نعجب بآراء "الأستاذ ابن نبي" في الحضارة الإسلامية والغربية ثم لا نطبق آراءه على حياتنا الحاضرة"؟. للتذكير، ولد الباحث المؤرخ أبو القاسم سعد الله عام 1930، بضواحي مدينة قمار في ولاية الوادي، حفظ القرآن الكريم، وتلقى مبادئ العلوم من لغة وفقه ودين، ليلتحق بجامع الزيتونة خلال الفترة الممتدة من سنة 1947 إلى 1954 وإحتل المرتبة الثانية على مستوى دفعته، كتب في صحيفة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سنة 1954، وعرف فيها باسم "الناقد الصغير"، كما درس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في القاهرة، وحاز شهادة الماجستير في التاريخ والعلوم السياسية سنة 1962، ثم انتقل إلى أميركا سنة 1962، حيث درس في جامعة منيسوتا التي حصل منها على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر باللغة الإنجليزية سنة 1965..كلها مراحل صنعت تجربته وخولته لتقلد مهام عديدة أبرزها أنه واحد من رجالات الفكر البارزين، وأعلام الإصلاح الاجتماعي والديني المميزين، كما عرف بنظمه للشعر وقد عنون أولى قصائده ب"طريقي"..رحل الرجل أمس مخلفا وراءه سجلا علميا حافلا بالإنجازات، والمؤلفات، والترجمات...فهل سيجد منا تبجيلا لمجهود كل تلك السنوات، ومواصلة الدرب على نفس الخطى، أم أننا سنكتفي بمكافأته بما كرهه دوما، إما نصبا تذكاريا نقيمه في إحدى ساحاتنا، أو إكليلا من الورود وبعض الكلمات التأبينية نلقيها في كل ذكرى رحيل تمر علينا؟ الروائي واسيني الأعرج:"رجال قليل ما يجود بهم التاريخ وسامهم طلابهم ومحبوهم" أصيب كل من سمع الخبر بالذهول، والتجأ كل من زعزعه نبأ وفاة شيخ المؤرخين الجزائريين إلى صفحته على شبكة التواصل الاجتماعي، وبثها ما خطر في البال أول وقوع المصاب، الذي يعد جللا بالنسبة لكل الجزائريين، على غرار الروائي واسيني الأعرج الذي كتب:"وصلني اللحظة خبر وفاة الكاتب الكبير والمؤرخ الجليل الدكتور أبو القاسم سعد الله، خسارة كبيرة، لا تعوض، رجال قليلا ما يجود بهم التاريخ". وأضاف:"تعد وفاة الدكتور خسارة كبيرة لا تعوض، لكن ميراثه سيظل بيننا لأن ما قام به تاريخيا، وبالخصوص في التاريخ الثقافي لا شبيه له في الجزائر، لو كان سعد الله في أي بلد عربي آخر أو غربي لفرغته الدولة للكتابة ومنحته ما يستحقه، ولكن للأسف، صحيح أن مركز الدراسات التاريخية للثورة التحريرية منحه هذه الفرصة وهو أمر مهم ولكن ذلك جاء بعد تقاعده أي بعد إنهاكات الحياة القاسية، وليس بقرار دولة ولكن بمبادرة مشكورة من مدير المركز لأنه يعرف قيمة الرجل العالية". وتساءل الأعرج:"لماذا لم يمنح أبو القاسم سعد الله وسام الدولة من الطراز الأعلى الذي أعطي للأجانب ولمن هم أقل قيمة منه أو على الأقل لم يقدموا ما قدمه، هذا الوسام لم يمنح لأي مثقف للأسف لا أمواتا ولا أحياء، وسامه الأكبر طلابه ومحبوه، لهذا أقول خسارة، رجالنا يأتون يعملون بجدارة ويموتون داخل الصمت، أنا حزين جداً على رحيل هذا الرجل العظيم، وحزين لهذه الخسارة التي لا تعوض، وحزين لرحيل صديق غال وأب أكن له كل التقدير والاحترام، ربما كان واحدا من أواخر جيل لن يتكرر" الكاتبة ربيعة جلطي: " لا سعد في رحيل سعد الله رحمة الله عليك يا أبت روحي" علقت من جانبها الشاعرة والروائية ربيعة جلطي على رحيل الدكتور أبو القاسم سعد الله، على صفحتها الفايسبوكية الخاصة بالقول:"هكذا في صمت الكبار وشموخهم رحل أستاذ الأجيال أبو القاسم سعد الله..لم يئنّ ولم يُرِ جرحَه لأحد، ولم يتودد لسلطان كي يعالج في مستشفى وثير..ذهب تاركا عطره على هذه الأرض، عطر الأشجار المثمرة وتاركا الدموع تنهمر في صدري وبين ثنيات الكتب التي كان بينه وبينها ذلك العشق الصافي الذي يخترق الأزمنة، رحمة الله عليك يا أبتَ روحي. الدكتور أحمد عظيمي: "اقترح عليه قاصدي مرباح تولّي وزارة الثقافة فرفضها مفضلا مدرجات الجامعة" وقال أستاذ العلوم السياسية والإعلام، أحمد عظيمي:"علمت، من خلال ما نشر على الفايسبوك، أن الأستاذ أبو القاسم سعد الله يعاني من المرض والإهمال، للذين لا يعرفون الرجل فهو أحد رموز الجزائر، قرأنا له واستمعنا إليه ونحن طلبة، كما تعرفت عليه عن قرب في بداية مشواري الصحفي بمجلة الجيش، الأستاذ سعد الله هو من أزاح أطنان الغبار عن تاريخ الجزائر، أتمنى أن تبادر الصحف الجادة للحديث عنه علها توقظ النفوس الميتة كي تكون هناك بعض العناية بالأستاذ الكبير والمحترم، هذا الرجل اقترح عليه قاصدي مرباح لما عين رئيسا للحكومة بأن يتولى وزارة الثقافة فرفضها مفضلا مدرجات الجامعة ومخابر البحث التاريخي، هذا الرجل كون المئات من الأساتذة في التاريخ وحاضر باسم الجزائر وعن الجزائر في معظم بلدان العالم وألف العشرات من الكتب، بالمناسبة الأستاذ سعد الله تخرج من جامعة أمريكية حيث كان من بين الطلبة الذين أرسلتهم جبهة التحرير ليتكونوا هناك، رحمة الله عليك أستاذنا الكبير". الكاتب محمد بغداد: "رحل شيخ المؤرخين ودرة المثقفين وعين الباحثين وتاج المحبين للوطن" ومن جهته علق الإعلامي محمد بغداد بعبارات قال في أسطرها:"بقلوب راضية بقضاء الله وقدره، يرحل عنا شيخ المؤرخين ودرة المثقفين وعين الباحثين وتاج المحبين لهذا الوطن العزيز الذي منحه من جهده وحبه ووفائه ما وشح به عقول العالمين وسار على درب الرواد المؤسسين وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن على فراقك ولكن عزائي في ذلك جميل إني كنت أخر من تشرف وشرفه سعد الله بلقائه الصحفي الأخير في حياته في برنامج "ضيف الثالثة" رحم الله سعد الله وجزاه الله عن هذا الوطن وأجياله كل خير، عظم الله أجوركم جميعا" الكاتب عز الدين جلاوجي:"فقدنا بموت سعد الله دعامة بحثية وثقافية كبرى" ولم يختلف عز الدين جلاوجي فيما كتبه على جدار صفحته عمن سبقوه حيث قال:"بقلب حزين تلقيت نبأ وفاة عملاق الجزائر "أبو القاسم سعد الله"، وإن الجزائر والعرب جميعا ليفقدون بموته دعامة كبرى من دعامات الثقافة والإبداع والبحث الرصين، رحم الله الرجل وأسكنه فسيح جناته، وجزاه عما قدم للعربية وللجزائر إبداعا ونقدا وتاريخا، عظم الله أجور كل المثقفين". حبيب السايح: "مخجل للقائمين على الثقافة أن ينسوا رجلا بقامة سعد الله" وقال الروائي حبيب السايح:"د. أبو القاسم سعد الله سلام لروحك! رحيل العالم بالتاريخ الثقافي الجزائري والدارس المخلص للأدب والباحث النزيه في الحركة الوطنية والمحقق الكفء والمترجم القدير والأديب الشاعر المقل د. أبو القاسم سعد الله، خسارة عظمى". وأضاف:"مخجل جدا للقائمين على الثقافة في الجزائر أن ينسوا رجلا بقامة سعد الله، ها هو يغادر مجللا بجحودهم، فإنه عاش كمثل المثقفين الأحرار، غير المرتبطين بدوائر الريع، كريما سخي العطاء، وها هي الجزائر الأخرى التي عاش لها بالحرف والكلمة تمنحه وسام خلودها..د. أبو القاسم سعد الله، أحد أكبر المثقفين والكتاب والمؤرخين والنقاد، الذين أنجبتهم الجزائر الجميلة. الدكتور علي قسايسية: "ما الفائدة إن قرأنا ما أرخته لنستفيد منه لبناء مستقبل دونك" ومن جهته كتب الدكتور في معهد الإعلام علي قسايسية مودعا للراحل:"أبو القاسم سعد الله والموت الثانية عبر الفايسبوك عندما قرأت خبر وفاة العالم الجليل مؤرخ الجزائر أبو القاسم سعد الله على موقع الفايسبوك من خلال حساب أحد الأصدقاء مسني ما مسني من الجزع والشفقة على هذا الرجل الذي فقدته الجزائر، ولم أجد حينها الوسيلة التي أعبر فيها عن حزني لهذا الفقيد..وفي هذه الأثناء انتقل شعوري من الجانب الروحي العاطفي إلى الجانب المحسوس المادي فالفايسبوك لم يضع ما يدل على الامتعاض والحزن واقتصر خدمته على الإعجاب بالمنشورات فقط، من سيضعون الإعجاب بحسن نيتهم سيكونون قد قتلوا الفقيد مرة أخرى ؟ رحم الله فقيد الجزائر وأسكنه فسيح جنانه واسمحوا لي أن أضع بين أيديكم مقولته الشهيرة: (ما الفائدة إن نحن أحيينا ذكرى الشيخ "ابن باديس" ثم لا نطبق مشروعه الوطني؟ ما قيمة نصب تمثال "للأمير عبد القادر" ثم ندير ظهرنا للقيم الحضارية التي وضعها لتحرير بلاده وإنشاء دولته؟ وأي مغزى أن نعجب بآراء "الأستاذ ابن نبي" في الحضارة الإسلامية والغربية ثم لا نطبق آراءه على حياتنا الحاضرة؟!) والآن نحن نقول ما الفائدة إن قرأنا ما أرخته لنا، لنستفيد منه في الحاضر لبناء المستقبل"؟؟ الإعلامي سلام الصغير:" يرحل العلماء أحباب الله لتبقى سيرتهم العطرة بيننا نورا وعلما وفكرا" وكتب الإعلامي سلام الصغير راثيا الفقيد :"رحم شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله إلى دار البقاء تاركا علما غزيرا وصدقة جارية متمثلة في مؤلفاته..يرحل العلماء أحباب الله لكن سيرتهم العطرة تبقى بيننا نورا وعلما و فكرا..شخصيا استفدت مثل أبناء جيلي من المرحوم ومن كتبه وأنا طلب ثم حينما عملت في الصحافة ..لا تنسوا الدعاء لفقيدنا أبو القاسم سعد الله أسكنه الله جنة الرضوان".