تقول الكاتبة والشاعرة خيرة بلقصير ل"الشعب" إنّ تواجدها بالأردن لم يكن اختياريا على الإطلاق، بل تعسّفا أملته ظروف الوطن لا سيما سنة 1993، حيث كانت طالبة بالجامعة، مشيرة إلى أنّ الحماس الثقافي والولع بالتغيير لم يكن نقطة لصالح المثقف الجزائري والوطن يمرّ بأحلك الظروف، حيث العشرية السوداء قضت على أسماء كثيرة، قائلة: "من لم يمت بالرصاص مات طوعا باختياره لملاذ الهجرة إلى أي وجهة كانت"، حيث قادتها الظروف في بادئ الأمر إلى ليبيا بهدف الدراسة، ثم إلى الأردن بدافع الاستقرار الأسري. وتقول بلقصير: "الكتابة ولدت معي أيقونة لا شرقية ولا غربية، ولدت بالجزائر وأينعت في ليبيا وانبجست في الأردن"، مضيفة أنّ الكتابة بالنسبة لها جناح تطير به، وشرف وهوية ومكان، وهي أكثر من قصة وطن هي ذاكرة. وأشارت المتحدثة أنّ الغربة ساعدتها على اكتساب تجارب جديدة ومعارف حيث يصبح الوطن فيها حبيبا غائبا، ويكون التأثر بالأحداث عميقا وتكون الرؤية في نظرها أكثر إيضاحا. الإبداع بدافع الغربة مسألة وجود «امتزاج الثقافات أمر مهم وصقل الموهبة بالحكمة والقراءة هو السبيل الوحيد للإبداع الباذخ، الإبداع أيضا بدافع الغربة مسألة وجود"، هذا ما أكّدته خيرة بلقصير في حديثها معنا قائلة: "نحن نكتب لنكون". وفي سياق آخر، أشارت المتحدثة إلى أنّ هناك من يتّخذ الكتابة سلاحا لمقاومة القهر والظلم ومعالجة الكثير من القضايا الإنسانية والروحانية والفكرية، مضيفة أنّ للكتابة عدة ظروف وعدة أهداف حسب شخصية كل كاتب، كما أنّها تقول: "هي مدرعة نذود بها قسوة البعاد، قسوة الناس، قسوة الجهل، هي عزاء وشفاء، هي الأهل حيث لا أهل، هي الوطن حين لا يتسع لأحلامنا، هي اللجوء المستحب ورغبة أبدية في المقاومة النبيلة ضد كل أنواع القمع". وترى بلقصير أنّ الغربة منحتها النضج الثقافي والمعرفي ومنحتها الاعتماد على النفس، وفي نفس الوقت سلبت منها البراءة والثّقة الزائدة، غير أن ذلك تقول ينتج بلا شك أدبا عميقا يعبر عن تجربة ما، أما مسألة الانفتاح حسبها يمكن أن يكون على العالم الآخر ذو نتيجة ما، لا تختلف الرؤية العربية كثيرا من بلد إلى بلد، لهذا فأكبر غربة يعانيها الكاتب العربي هي غربة الذات وليست غربة الوطن. الكتابة منفى اختياري وعمّا إذا كانت "الغربة" ولادة جديدة للكاتبة خيرة بلقصير، قالت: "أنا كائن مغترب، شيء يسكن الجينة الوراثية حتى لا أكاد أتصور نفسي إلا خارج الأفراح والمناسبات ومراسيم وطني الجزائر"، وأضافت بأنّها علاقة تكاد تكون ملموسة في كتاباتها، حيث ولدت خارج حدود الفكرة وهاجرت الهجر الجميل، لأبعاد نصّ شائك يلازم منافي الشوق والانعتاق من الانتماء، يبقى الكاتب إذن لا منتميا لقالب أو حدود أو ثقافة واحدة، وختمت حديثها بالقول: "الكتابة منفى اختياري فيه تولد وتموت آلاف المرات". للإشارة، خيرة بلقصير عضو سابق في رابطة الأدب العربي بالجزائر، وعضو بجمعية آفاق لمدينة وهران، مؤسسة لصالون أدبي مع زميلتها فاطمة لجمل على مستوى قصر الثقافة بوهران. كتبت وشاركت في عدة صحف منها "المساء"، "الجمهورية"، "العصر"، وغيرها، كما كتبت بجريدة "العرب" الصادرة في لندن وصحف أخرى ليبية، نشرت أعمالها بكثير من المواقع الجادة، ولها مجموعتان قيد النشر، حاليا ربة بيت وتنشط أدبيا فقط من خلال الأنترنت.