في هذا الحوار الذي خصّت به الروائية الجزائرية المغتربة في لبنان فضيلة الفاروق يومية ''المستقبل''، تكشف بعض الجوانب الخفية من مشاعرها تجاه بعض القضايا كالغربة، الكتابة النسوية، الوطن، الرواية، والعلاقة بين المشرق والمغرب... وغيرها من الهموم التي عادة ما تشكّل مواد دسمة لمحترفي الأدب.. وإذا كانت فضيلة لا تخفي بأنّ الغربة أعطتها أحيانا ما لم يعطها الوطن فإن الذي يقرأ بين طيّات هذا الحوار يكتشف بسهولة مدى العلاقة التي تربط فضيلة الفاروق بالجزائر الوطن الأم الذي تحلم به حاضنة لكلّ أبنائه.. ̄ قليلون هم الروائيون الجدليون على مرّ التاريخ.. وقليلون هم الروائيون والروائيات اللّواتي يصنعن الخصوصية.. أين تضع الروائية فضيلة الفاروق نفسها من كلّ هذا؟ @@ من غير المنطقي أن أسأل سؤالا كهذا، أين أضع نفسي؟ كأنك تطلب مني أن أمنح نفسي علامة في امتحان دخله آلاف الناس؟ يبدو لي السؤال في غير محله، لأن النقاد هم من يصنفونني والقراء وأيضا في الغالب لا أحد مقياسا لأحد، ومفهوم القراءة يتغير من زمن لزمن ومن مكان لمكان، ومن ظروف لظروف أخرى. ̄ بعد سنوات الغربة في لبنان كيف تقرئين المشهد الروائي الجزائري من الخارج؟ @@ مشهدنا الثقافي جيد كنتاج إبداعي لو فقط يتعلم الجزائريون لغة أرقى في نقد بعضهم بعضا، والكف عن شتم بعضهم، والإقلال من سمعتهم أمام العالم. ̄ هل حقّقت فضيلة الفاروق نفسها في ديار الغربة.. وما الذي دفعك باتجاه خيار الاغتراب؟ @@ كل ما كنت أحلم به حققته، كنت دوما أعمل على تطوير نفسي وتطوير حياتي، وألا أعيش خاضعة لأحد، والحمد لله أنا كذلك، صنعت نفسي بنفسي، وأذكر دوما من وجهني ومن قدم لي يد العون، سواء في الجزائر أو في لبنان، وما دفعني لاختيار الاغتراب هو ما يدفع يوميا أكثر من 3000 دماغ جزائري للهجرة... بمعنى آخر أني لست الوحيدة التي اختارت أن تعيش خارج البلاد. ̄ يدّعي النقاد أن عصر الشعر انتهى، وأن الرواية هي قاطرة الفنون الأدبية من حيث المقروئية.. ما رأيك؟ @@ لا إبداع ينتهي، كل ما في الأمر أن الإنسان يحب التغيير، وها هو ينتبه أن هناك منتجا اسمه رواية فانكبّ عليه، قد يعود وهج الشعر يوما ما إن عرفنا أن نربي أجيالنا القادمة على حب الفن والأدب والشعر والمسرح، أما إذا بقينا هكذا فحتى الرواية ستموت قريبا. فما دمنا في مدارسنا نعلم أولادنا شعر العصر الجاهلي بلغة لا يفهمها حتى الأستاذ المدرس للمادة فكيف تريد لهذا التلميذ أن يحب الشعر الحالي الذي يلعب على المعاني المركبة وعلى لغة معقدة تحتاج لكثير من التعمق لفهمها؟ ̄ بين المشرق والمغرب قطائع ثقافية، خاصة فيما يتعلق بالتواصل بين الكتاب والروائيين في الضفتين.. ما هي أسبابها في رأيك؟ @@ لنأخذ مثالا عن الكتاب الجزائريين، أغلبهم يكرهون بعضهم بعضا، وحين يشارك أحدهم في ملتقى يبدأ بوصف الجميع بالحثالات والتقليل من قيمتهم، فهل تظن أن المشاركين في الملتقى سيصدقون أن عندنا كتابا جيدون؟ وحدهم الكتاب المقيمين في المنفى لهم علاقة جيدة بالأدب الموجود في الداخل، قبل أن تلحقهم بعض التهم فتفتر حماستهم... وفي رأيي قبل أن نتهم المشرق بتهميشنا، علينا أن نقدم أنفسنا بشكل محترم لنكسب ثقتهم، لا غير. ̄ بصفتك مطّلعة على المشهد الأدبي اللبناني منذ زمن، ما خصوصياته؟ وما تفسير أن تحلّق من الأجواء نفسها روائيتان جزائريتان، وأعني أحلام مستغانمي وأنت؟ وإلى أي شيء تعزو الروائية فضيلة الفاروق أسباب نجاحها؟ @@ سأعتبر أن هذا السؤال لم يطرح لي، وسأكتفي فقط بالجواب على الشق الأول، الذي سأختصره بأن المشهد الثقافي الأدبي في لبنان متفرد، ولا يشبهه مشهد آخر في العالم العربي، وغريب أن يأخذ دورا رياديا في العالم العربي، ويسجل حضوره حتى على المستوى العالمي في محافل كثيرة، رغم أن لبنان بلد صغير وفقير، وعدد سكانه ثلاثة ملايين نسمة فقط، اللبنانيون ينطبق عليهم قول شاعرنا مفدي زكريا ''شغلنا الورى...'' ̄ عادة ما يصنّف النص النسوي، خاصة الشعري منه، في سياق الثرثرة الفارغة.. ما تعليقك؟ @@ في الحقيقة أغرب التصنيفات والتعليقات على الإبداعات الكتابية في كل الفنون أجدها في الجرائد الجزائرية، ويبدو أن الجزائريين لطرافتهم وسخريتهم من متاعب الحياة أصبحوا يسخرون من كل شيء.. أما إبداع المرأة فكله مستسخف، مع ملاحظة أن الإبداع النسائي الوحيد الذي يعترف به عندنا هو مطبخ الأمهات، فكل واحد يعتبر أمّه قدّيسة وأكلها لا يعلى عليه أما غير ذلك فلا...! ̄ ما هو جديد فضيلة الفاروق؟ @@لا أحب أن يطرح عليّ أحد هذا السؤال. ̄ سأطرحه بشكل آخر، لماذا ينقطع المهاجرون الجزائريون عن الوطن وتغيب أخبارهم، خاصة إذا تعلق الأمر بالمبدعين؟ @@ في الحقيقة أخبارنا لا تنقطع عن الوطن ولكن كلّما قلنا كلمة تنشر في الجرائد نزلت علينا الانتقادات الجارحة والشتائم، فمن الأحسن أن نسكت، ونوفّر أعصابنا للكتابة المجدية، وليس للتشاتم عبر الصحف. ̄ هل تزورين الجزائر دائما؟ وبماذا تذكّرك زيارتك إليها؟ وكيف تتعايشين مع مشاعر الاغتراب؟ @@ أزور الجزائر كل سنة، ولكنّي كلّما زرتها أشعر بغربتي فيها تزيد يوما بعد يوم، لقد انعكس الوضع معي، ففي سنواتي الأولى هنا كنت أشعر بغربة قاتلة في لبنان، وأنتظر الصيف بفارغ الصبر لأزور الجزائر، أما اليوم فالغربة تنتظرني عند باب الطائرة الجزائرية، وهي أول من يستقبلني على أرض الوطن... مع أننا حضينا برئيس جيد منح مزيدا من الحقوق للنساء بمنحنا الحق في إعطاء جنسيتنا الجزائرية لأولادنا نحن المتزوجات من أجانب، وكانت هذه أهمّ هدية قدمها لنا الرئيس بوتفليقة وأهم انتصار حقّقناه كنساء جزائريات على المستوى العربي، لكننا دوما مهمشات إجتماعيا، ومذلولات في كل مكان عكس ما كانت عليه نساء جيل الثورة... ولعل الشيء الوحيد الذي جعلنا نتوحد هو عطاء الفريق الوطني في كرة القدم، وهو الشيء الوحيد الذي يجمع الجزائريين نساء ورجالا، ويجعلهم يبتسمون ويفرحون. حاورها:ميلود بن عمار