باشرت قبائل بني سنوس استعداداتها لإحياء كرنفال «أيناير» أو «أيراد»، الذي يتزامن مع رأس السنة الأمازيغية المحدد بتاريخ انتصار ملك البرابرة شاشناق على الفراعنة، وهو الذي يعرف لدى القبائل البربرية بعيد النصر أو أيراد، الذي يعني الأسد الذي يرمز للقوة والبسالة لدى قبائل البربر بالمنطقة التي لاتزال تحافظ على تراثها منذ أكثر من 2026 سنة. هذا العيد، الذي يعتبر عند أهالي قبيلة بني سنوس البربرية الأصل، أكبر تظاهرة ثقافية تؤصل بين الفرد والموروث الحضاري الأمازيغي الذي يمتد إلى خمسة آلاف سنة ولم ينسلخ منها هذا المجتمع، من خلال تشبثه بعاداته وتقاليده الموروثة عن الأجداد حتى وإن كانت طقوس جميلة منحوتة في واقع قديم لايزال يجر أذياله في صورة تقليد رائع ماض في استمراريته، يحتفظ بها العامة من السنوسيين والمتزامنة كل سنة مع 12 من شهر يناير. المناسبة مرتبطة بعدة روايات تتضارب حكاياتها من حقبة لآخرى، بحيث يتداول السرد الاجتماعي عند سكان هذه المنطقة بتلمسان إلى انتصار الملك شاشناق على الفراعنة، بدليل إسم فرعون متواجد منذ قرون والمنطبق على أحد الجبال الشامخة بقرية بني عشير، الذي يحمل بين طياته بعض الأسوار والآثار المشيدة والتي تدعى «بقعدة السور» لم يستطع أحد فك رموزها رغم الإفصاح عنها أمام المختصين الأثريين لمحاولة تعيين حقبتها. مجتمع بحاجة للتكافل ولمّ الشتات كما أن احتفالية يناير أرجعتها فئة أخرى مع مرد الفترات المتباعدة من الأعوام الطوال والغابرة لحرق كنيسة اليهود التي كانت تتواجد ببني سنوس، ومن جهة أخرى فإن التظاهرة فكرة إنسانية وليدة مجتمع بحاجة لتضامن ومساعدة وتعاون وتكافل ولمّ الشتات. وتؤكد القصص المتوارثة، أن حكاية أيراد ببني سنوس تتواصل بعادات قديمة بعراقة زمنها بتقليد قريب من الخيال في إخفاء الوجه بأقنعة تختلف من شكل للآخر وتجول بالشوارع تارة بخطوات متثاقلة بتحضير «لمقرقشة» وهو طبق من الحلفاء مملوء بالمكسرات المختلفة الأنواع والمذاق وخبيزات من كسرة الدار مزركشة باللوز وتتوسطها بيضة العرب مسلوقة، حيث تقوم الأمهات بخبز كميات كبيرة من أجل توزيعها على صغار الفقراء والمعوزين الذين لم يسعفهم حظ الرفاهية واليسر والاستقرار المادي، ويكون هذا التوزيع مشكلا في أكياس من القماش محشوة بالمدخرات الشتوية التي هي مكسرات وتمر وتين مجفف من عويل وما يتم طبخه وتحضيره من مشهد ومسمن وثريد والسفنج تتبادل بها الأسر من دار لدار آخرى. وتأتي مرحلة «السبع» المعروف بالأمازيغية باسم أيراد وينقسم فتية القرين بين المدافعين عنه ومهاجميه وتنظم حفلته بالشوارع وعبر الأزقة ويدخل الجمع لغاية صحن البيت من خلال قفزات السبع أو أيراد – وزئيره وصورته المقنعة التي يجهلها الجميع. تتجلى التحضيرات في الفواكه والمكسرات بكل أنواعها من تين ورومان ولوز وجوز وكاوكاو ومختلف العجائن من خبز وكسكسي»لمحمصة»، سيما هذه الأخيرة التي تضع منها ربات البيوت حبات قلائل فقط بقدر «البركوكس» والذي يدعى لدى جهات آخرى من مناطق الجزائر العميقة «المحمصة»، حبسب العارفين من كبار الأهالي من ذات المنطقة، خاصة في قرية بني عشير أن وجبة البركوكس تقدم خلال العشاء لأفراد العائلة. ويبقى الترقب قائما لهذه العادة الحميدة العريقة التي تجمع شمل العائلة، والتي تعد موعدا لالتقاء أفرادها حتى المقيمين خارج أقاليم بني سنوس يستغلون مناسبة أيراد للعودة لحضن العائلة والأصول وحضور استعراض أيراد ما بين شوارع بني سنوس وسط مطاردته بمادة البصيلة، وهي نبتة يتم جلبها وتجفيفها مسبقا لتكون سلاحا لمطاردة الأسد وأنصاره في شوارع المدينة في تظاهرة ثقافية وتاريخية وترفيهية تعيد المجتمع السنوسي إلى عصر الأمازيغ.