شكّل ارتفاع الواردات الحدث الأبرز في العام المنصرم بعد أن اقتربت من حجم الصادرات من المحروقات و غيرها، بالنظر إلى المستوى الهزيل جدا لتلك المسجلة خارج المحروقات، ولم يتجاوز الفارق سوى أقل من سبعة مليار دولار في نهاية سبتمبر الماضي، في انتظار التأكيد على ذات المؤشرات لسنة 2013، مع توقع تقليص الهوة بين هيكل الصادرات والواردات على نحو أوضح ليشهد الاقتصاد المزيد من التبعية نحو الخارج. غير أنه و بالاعتماد على تحليل هيكل الواردات بالدرجة الأولى، يتبين أن من بين إجمالي واردات ناهزت 40.66 مليار في نهاية الثلاثي الثالث مقابل 36.88 مليار دولار في نفس الفترة من عام 2012، فإن حصة سلع التجهيز الصناعية احتلت المرتبة الأولى بما تعادل نسبته 36.1 في المائة، مسجلة ارتفاعا ناهز 20 في المائة، كما أن فاتورة استيراد هذه التجهيزات كانت وراء الزيادة الكبيرة في فاتورة الاستيراد الإجمالية بنسبة 46.47 في المائة وذلك بحسب الأرقام الرسمية التي تريد أن توضح أن ما تم تخصيصه من موارد مالية بالعملة الصعبة إنما لم يذهب في شكل استهلاك نهائي لا طائلة منه وإنما خصص لسلع صناعية الهدف منها تزويد القطاع الصناعي بمواد وسلع صناعية من أجل الرفع من مردوديته بعد أن بينت الأرقام والإحصائيات أن النمو في هذا القطاع لا يزال يراوح مكانه وأن التركيز عليه بات من الأولويات في إطار دعم الاستثمار المنتج. وما يزيد من دلالة لتفسير مبررات الزيادة في الاستيراد، أن في تحليل هيكل الواردات يتبين أن المواد نصف المصنعة الموجهة للصناعة أيضا احتلت المرتبة الثانية من حيث حجم الفاتورة، إذ بلغت نسبتها 19.9 في المائة، لتأتي في المرتبة الثالثة واردات المواد الغذائية ب 17.78 في المائة، في حين أن السلع الاستهلاكية غير الغذائية التي تحتل المرتبة الرابعة تطورت بنسبة 14.52 في المائة، وقد ساهمت في ارتفاع الفاتورة الإجمالية بنسبة 16.27 في المائة. إستراتيجية الدولة في دعم الاستثمار المنتج تعكسه المبالغ المالية الهائلة التي يتم رصدها من أجل تمويل الاقتصاد وفي هذا الصدد فإن دور البنوك في الاضطلاع بمهام الممول الرئيسي لمختلف النشاطات الاقتصادية، يبدو واضحا من خلال القروض المتعددة الأشكال التي تمّ توزيعها على القطاعيين العمومي والخاص من أجل إعطاء ديناميكية أفضل للعمل الاقتصادي وبالتالي إتاحة الفرصة لتمويل المزيد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تبدو عملية التكفل بها من بين أهم الأولويات الراهنة، كما أنها تندرج في إطار توفير المزيد من مناصب العمل لأعداد متزايدة من البطالين الشباب الجامعيين، على الرغم من التراجع النسبي في نسبة البطالة بأقل من 10 في المائة، وهي النسبة التي لا تزال تراوح مكانها منذ سنوات. تدخل البنوك الحاسم في تمويل الاقتصاد تعكسه الأرقام المتزيدة خلال السنة الماضية، حيث تشير أولى الأرقام المتعلقة بالتسعة الأشهر الأولى من نفس السنة أن إجمالي ما تمّ رصده في شكل قروض ناهز 5268 مليار دينار مقابل 4298 مليار دينار في نفس الفترة لسنة 2012، حيث وخلافا للعديد من المرات تعدى نصيب القطاع العمومي ما كان يمنح للقطاع الخاص ولو بنسبة قليلة جدا، أي 2636.869 مليون مقابل 2630.840 للقطاع الخاص وبنسبة 50.05 في المائة و 49.94 في المائة وذلك على التوالي. بينما لم تمنح للعائلات سوى 333.779 مليون دينار في شكل قروض، ولم تستفد الإدارة المحلية إلا ب 350 مليون دينار ولم تتعد 0.01 في المائة. ومن حيث توزيع القروض حسب القطاعات الاقتصادية، فإن تلك الموجهة للمؤسسات العمومية استقرت في حدود 2609.621 مليار دينار وليس بعيدا عن هذا الرقم كان نصيب المؤسسات الخاصة 2290.218 مليار دينار، فيما قدّرت القروض الموجّهة للعائلات ب 331862 مليون دينار بزيادة معتبرة عن العام الماضي. ومن المتوقع أن ترتفع الوتيرة خلال سنة 2014، بالنظر إلى الديناميكية التي تعرفها طريقة تمويل السكنات والتسهيلات المغرية للمستفيدين من مختلف الصيغ المقترحة من طرف الدولة في إطار دعم السكن الترقوي. وإجمالا، فإن توزيع القروض حسب النسب تراوحت مابين 50.19 في المائة للقطاع العمومي و43.6 في المائة للقطاع الخاص و6.3 في المائة للعائلات. الحضور القوي للبنوك من حيث توزيع المزيد من القروض الموجّهة للاقتصاد إنما يندرج في إطار تطوير القروض الفاعلة والمنتجة اقتصاديا والهدف الأساسي يكمن في تحفيز الإنتاج الداخلي، ولكن أيضا للتأكيد على أن أداة التمويل الممثلة في البنوك تبقى ذات أهمية قصوى في تمويل الاستثمار المنتج وكذا في تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والسكن الترقوي، من خلال القروض الرهنية. هذه العملية الحاسمة في تمويل الاقتصاد من شأنها المساهمة على نحو فعال في امتصاص الفائض في السيولة على مستوى السوق النقدية وتتطلب بحسب بنك الجزائر أن ترافقها بذل المزيد من الجهود من طرف البنوك التجارية لتجنيد الإدخار المالي لأجل للمؤسسات والعائلات عبر آليات تحفيزية. كل شيء يبدو جاهزا من أجل إعطاء دفع حقيقي للاستثمار المنتج بعد أن تمّ تسخير موارد مالية معتبرة ضخت في المؤسسات العمومية والخاصة وبعد أن تمت أيضا تلبية المتطلبات من التجهيزات الصناعية وغيرها للإنطلاق في العملية الإنتاجية قصد تحقيق تلك النقلة النوعية خارج قطاع المحروقات وتنويع مصادر تمويل الاقتصاد الوطني وهو الخطاب الذي بات يتكرر باستمرار دون تحقيق الهدف المنشود، فهل ستصنع سنة 2014 الفارق وتتجاوز عقبة تقليص التبعية نحو قطاع المحروقات والتركيز على تحقيق النمو الاقتصادي الذي يعني رفع الإنتاج الوطني كما ونوعا.