فضاءات لتفريغ المكبوتات أكّد مثقّفون في تصريحات ل «الشعب» أنّ مواقع التواصل الاجتماعي شكّلت ثورة حقيقية في مجال الاتصال والإعلام، وأنهت احتكار وسائل الإعلام التقليدية، مشيرين إلى أنّها فضاءات للتّعبير الحرّ في ظل غياب الرّقيب وهو ما يُتيح حسبهم لصفحات الأنترنيت أن تكون أكثر تعبيرا عن رؤية الكاتب لقضايا وهموم بلده الثقافية، الاجتماعية والسياسية. ودعا المثقّفون في سياق حديثهم إلى ضرورة التحفظ لدى استخدام هذه المواقع، والتي كثيرا ما يشوبها شوائب، حيث أنّ المناقشات التي تتناولها مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا ما تخرج عن مواضيعها ويسودها الاستخفاف بالفكرة. عبد العالي مزغيش: «مواقع لا تصنع حراكا ثقافيا مميّزا» أكّد رئيس جمعية الكلمة للثقافة والإعلام، عبد العالي مزغيش، عن عدم تفاؤله على الأقل في الوقت القريب بفاعلية ما يقومون به في مواقع التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أنّ ما يكتبونه لم يتجاوز لحدّ الآن مرحلة تفريغ المكبوتات الفكرية، والتّعبير بحرية أكثر في ظل غياب وسائط إعلامية متحرّرة». وقال عبد العالي مزغيش أنّ تواجدهم على مواقع التواصل الاجتماعي لا يصنع حراكا ثقافيا مميزا، على الرغم من إيجابية ما يفعلونه، غير أنّهم ما يزالون يأملون ويطمحون في تحقيق التفاعل الأكثر فاعلية، وهو لا يتأتّى حسبه بين عشية وضحاها، وسينتظرون سنوات أخرى ليتبلور الحراك الفعلي. وأضاف مزغيش أنّ «الفايسبوك» وغيره من شبكات التواصل الاجتماعي فضاءات للتعبير الحر بدون قيود، مؤكدا على أنّ غياب الرّقيب هنا يُتيح لصفحات الانترنيت أن تكون أكثر تعبيرا عن رؤية الكاتب لقضايا وهموم بلده الثقافية، الاجتماعية والسياسية. وقال إنّ الكثير من المتفاعلين في «الفايسبوك» مثلا يكتبون أمورا لو نقلوها إلى الصحف ما شاؤوا لها أن تنشر، على الرغم من وجود طبقة من المثقفين مازالت متحفّظة في خطاباتها حتى ولو كان الأمر يتعلق بصفحتها الشّخصية . ويرى رئيس جمعية الكلمة للثقافة والإعلام أنّ مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تُحدث التأثير في المجتمع، مشيرا إلى أنّ الأمر فقط مرتبط بمدى جاهزية المجتمع للتغيير وتقبّل الأمر، «ولهذا فإنّ الواقع يقول اليوم أنّ أي تغيير وتأثير سيكون نتاج تراكم يومي إلى أن يحدث لاحقا»، مضيفا في ذات السياق: «ويلتحق به حتى أولئك الذين لم يؤمنوا بدور الوسائط التكنولوجية في إحداث الطّفرة ونشر الوعي بين الأفراد». وفي سؤال عمّا قدّمه له هذا الموقع كمثقّف وإعلامي ورئيس جمعية، قال عبد العالي مزغيش ل «الشعب» إنّ «الفايسبوك» سمح له بنسج علاقات متقدّمة مع الكثير من مثقّفي المعمورة، وأتاح له فرصة نشر أعماله الشّعرية في شكل قصائد، يمكن أن يتفاعل معها الجمهور المتكوّن من أصدقائه وأصدقائهم، وأضاف بأنّ «الفايسبوك» سمح لجمعية الكلمة للثقافة والإعلام من الإطلالة على الجمهور بعيدا عن احتكار وسائل الإعلام التقليدية وتهميشها أحيانا لنشاطاتها، «الفايسبوك أعطى سمعة طيّبة لجمعيتنا، ونحن نراهن من خلاله على الانتشار». أما عن بداية علاقته بهذا الموقع، أكّد مزغيش بأنّها انطلقت منذ 7 سنوات، حيث كان الأصدقاء يحدّثونه عنه، غير أنّه تفاده أول مرة لجهل منه بعوالمه، وحين دخله أول مرة أدمنه، قائلا: «لا أتصوّر يوما يمر دون أن أدخل صفحتي وأطلّ على صفحات أصدقائي، الأمر رائع ولا يمكنني التخلّص منه». الشاعر ناصر باكرية: «منفذ وحيد أمام النّخب لما توفّره من سلاسة في الانتشار والمصداقية» من جهته، الشاعر ناصر باكرية قال إنّ شبكات ومواقع التواصل الاجتماعي كما هو معروف شكّلت ثورة حقيقية في مجال الاتصال والإعلام، وأنهت احتكار وسائل الإعلام التقليدية، مشيرا إلى أنّها حطّمت المركز لصالح الهامش وأنهت إلى الأبد أسطورة الرّقيب ورئيس التحرير، الذي ينبغي أن يوافق على ما ينبغي نشره وما لا ينبغي. وأضاف باكرية أنّ هذا الزّخم من حرية النشر لم يبدأ مع شبكات التواصل الاجتماعي، بل سبقته الشبكة العنكبوتية في إتاحة هامش كبير منها، قائلا: «بذيوع شبكات التواصل وبلوغ مشتركيها الملايين إن لم نقل تعدّيها المليار، أصبحت عالما (لا أقول افتراضيا) بل حقيقيا، عالم مواز للعالم الواقعي وهو ما يعيد طرح نظرية المحاكاة والانعكاس وأي العالمين انعكاس للعالم الآخر؟». ويرى الشّاعر أنّ هذه الشّبكات بقدر ما هي ثورة حقيقية بقدر ما هي قادرة على خلق حراك حقيقي في منظومة الوعي، مشيرا إلى أنّ التّراكمات التي خلّفتها المنظومات المهترئة والتّصحير الذي أصيب به الوعي الجزائري على جميع المستويات، والغلق الممنهج يجعل هذه الوسائط هي الوسيلة الأنجع والوسيلة الوحيدة أيضا للمساهمة في خلق تراكمات جديدة، وبإمكانها خلخلة السّائد والمساهمة في بناء وعي جديد. ويُرجع ناصر باكرية ذلك لعدة أسباب، أولها أنّ وسائل الاتصال والاعلام التقليدي والمنظومات التقليدية لم يعد لها ذلك الزّخم، نتيجة فقدانها المصداقية لدى الكثير من الشّرائح، وثانيها أنّ هذه الوسائل (الإعلام التقليدي) أيضا موجّهة بطريقة فجّة ومغلقة على توجّهات تقليدية وتدميرية أحيانا، أما السبب الثالث يقول محدثنا هو أنّ شبكات التّواصل تكاد تكون المنفذ الوحيد أمام النّخب لما توفّره من سلاسة في البث والتفاعل والانتشار والمصداقية، مقارنة مع الوسائط التقليدية، وهي تستمد هذه المصداقية من كونها لا تمارس استعلائية وتتيح التفاعل لمشتركيها، كما تضمن تعدّد واختلاف الآراء، ممّا يجعلها الأكثر مصداقية والأكثر تأثيرا في تشكيل الوعي على المدى الطّويل. وعن ميزة الخطاب الثقافي عبر شبكة التواصل الاجتماعي، وهل يجب أن يحمل مميزات خاصة من حيث الأهداف واللغة والأسلوب، مقارنة بالخطابات الأخرى التي تقدم بعيدا عن الانترنيت؟ دعا ناصر باكرية إلى ضرورة الإدراك والانتباه إلى أشياء جوهرية فيما يتعلق بالخطاب الموجه عبر شبكات التواصل بصورة خاصة، وعبر الأنترنيت بصورة عامة، وذلك يعود حسبه إلى طبيعة العصر الذي يسير بسرعة مذهلة، وكثرة المعلومات التي تنهال بطريقة كثيفة وفوضوية أحيانا وعبر وسائل متنوعة ومن مصادر أكثر تنوعا، مؤكدا بأنّ هذه المعطيات تحيلنا إلى أنّ المنظومة التقليدية للتوعية وللتعلم، ولتلقي المعارف قد تجاوزها الزمن لأن المعرفة أصبح لها مصادر متنوعة ومتعددة، ولم تعد حكرا على المنظومة التربوية أو وسائل الاعلام التقليدي. وحسب المتحدث، فإنّ هذا الأمر ساهم في خروج طبقات واعية وناضجة، تمتلك رؤية واضحة ووعيا حادا بالكثير من القضايا التي كان فهمها حكرا على النخب، وقال: «هي القضية التي لا يمكن إغفالها في الحديث عن الخطاب الثقافي المبثوث عبر الأنترنيت لأنّ هذه النخب (بين قوسين) الجديدة أصبحت أيضا منتجة لخطابها، ولم يعد الخطاب مقتصرا على ما تبثه النخب بالمفهوم التقليدي للنخبة أو المثقفين»، مضيفا بأنّ هذه التطورات تجعل المسألة أكثر تعقيدا. ولعل تشتّت الذّهن وكثرة النّوافذ وتوزّع الشّخص الذي يتابع الأنترنيت على أكثر من نافذة يجعل من خطاب الانترنيت في مأزق، ما لم يطوّر أدواته وآلياته، من حيث الاقتضاب والصور والتسويق الجيد فيما يتعلق بالشكل يضيف المتحدث ومن هنا نجد بعض الشبكات ك «التويتر» يفرض حدا أقصى من الكلمات للنشر تتماشى مع روح العصر، كما أنّنا نجد الآن أيضا بعض المواقع تتيح خاصية فتح أكثر من موقع في نافذة واحدة لتسهيل عملية التصفح، والمسألة تحتاج الكثير من التوقف والدراسة. ومن جانب آخر، يرى ناصر باكرية أنّ شبكات التواصل الاجتماعي تساهم بشكل كبير، وربما بالشكل الأكبر، في تشكيل الوعي وفي تلقي المعلومات والأخبار، مؤكدا على أنّ وسائل الإعلام التقليدية بدورها لم يعد لها غنى عن هذه الشبكات، وأصبحت تتنافس على فتح صفحات والإشهار لها والإشهار بها، وفتح التفاعل وربط برامجها تفاعليا عن طريق صفحاتها على هذه الشبكات لإدراكها لأهمية هذا العالم، الذي لا حياة لمن يعيش خارجه. وأضاف في ختام حديثه أنّ صفحات التواصل تحتل المرتبة الأولى إقبالا، والأكثر من حيث عدد المشاركين، كما أنّها الأكثر مصداقية لدى متلقّيها، وذلك ما يجعلها أهم المصادر التي تشكّل رؤيتنا للعالم وللأشياء، وهي يقول «حالة صحية لما تتيحه من تنوّع وتعدّد الآراء». محمد التين رئيس جمعية الجاحظية: «قد تؤدّي إلى نوع من البلبلة الثّقافية» اعتبر محمد التين رئيس جمعية الجاحظية أنّ أي اختراع علمي أو أي موقع للتواصل الاجتماعي له فوائد وأهداف تخدم الثقافة الجزائرية بشكل عام، غير أنّه شدّد في سياق حديثه على ضرورة التحفظ لدى استخدامها، كون هذه النوافذ حسبه كثيرا ما يشوبها شوائب، حيث يتخلّلها بعض العابثين، كما أن المناقشات التي تتناولها مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا ما تخرج عن مواضيعها ويسودها الاستخفاف بالفكرة، والتي قد تؤدّي إلى نوع من البلبلة الثقافية، غير أنّ محمد التين وفي سياق حديثه تيمّن خيرا بالمستقبل القريب على أن تستقر مواقع التواصل الاجتماعي على مسار جدي. وقال رئيس جمعية الجاحظية إنّ التواصل عبر هذه الشبكات يتطلّب لغة البرقيات، والاختصار في الحديث بما قلّ ودلّ، وهو ما يجعل لغة التخاطب تختلف، حيث أنّ الميزة التي تحملها مواقع التواصل الاجتماعي هو التفاعل مع المتلقي الذي يعبّر في ذات الوقت عن انطباعاته وآرائه. وأشار محمد التين إلى أنّ مختلف الوسائط والشبكة العنكبوتية تؤثّر في فكر الإنسان، وهو ما خلق تخوّفا من أن يُسهم الأنترنيت في ابتعاد متصفّحيه عن الوسائط التّقليدية الأخرى، كوجود تخوّف على سبيل المثال من أن يفقد الكتاب مكانته في ظل الشبكة العنكبوتية التي تقدّم آخر الإصدارات. وقال التين بأنّه مهما تطوّرت هذه الوسائل إلاّ أنّ الطّابع الخصوصي التقليدي يبقى قائما على اعتبار عودة المقروئية وكثرة المكتبات. وبالمقابل أشار محمد التين إلى أنّ أعضاء جمعية الجاحظية يملكون صفحات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم يسهمون في خلق تواصل مع مختلف الأدباء والمثقّفين.