حقق العراق في 30 أفريل 2014 بنجاح أول انتخابات تشريعية يجريها بعد الانسحاب الأمريكي العسكري، رغم التحديات الأمنية التي فرضتها التنظيمات الإرهابية ومحاولاتها اليائسة في عرقلة الاستحقاق الديمقراطي الذي ينتظر من ورائه العراقيون إعادة بناء دولتهم العصرية. فقد شهدت هيئة الأممالمتحدة، على لسان أمينها العام بان كي مون، على إنجاز الانتخابات العراقية وفقا للمعايير الدولية، واعتبرتها معلما حضاريا يحتذى به في التحول الديمقراطي رغم الظروف الأمنية الصعبة التي لم تمنع الشعب العراقي من التوجه إلى صناديق الاقتراع منتصرا لإرادته في الحياة بنسبة مشاركة فاقت كل التوقعات. وشهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بالتهديدات الإرهابية، كما شهدت روسيا الاتحادية التي أكدت أن إجراء الانتخابات رغم الإرهاب هو محل اعتراف وتأييد من قبل المجتمع الدولي. وأكدت بريطانيا أنها كانت شاهدا حيّا على نزاهة الانتخابات عبر دورها كمراقب محايد في العملية الانتخابية، مسجلة إعجابها بالشعب العراقي الذي مارس واجبه في الديمقراطية من أجل نيل حقوقه. واتجه العراقيون في هذه الانتخابات التشريعية، التي انطلقت بإشراف الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والمراقبين الدوليين من مختلف دول العالم، للختيار 328 نائب برلماني من بين أكثر من 9000 مرشح يمثلون 36 ائتلافا و71 حزبا سياسيا، رغم التحديات التي تفرضها التنظيمات الارهابية. وجاء قانون انتخابات 2014 الذي أقره البرلمان العراقي، أواخر العام الماضي، وألغي بموجبه قانون 2005 وتعديلاته، ليحدد حق كل 100 ألف مواطن في مقعد نيابي، فيتم توزيع 320 مقعد على جميع المحافظات وفقا لحدودها الإدارية على أن توزع المقاعد ال(8) الأخرى على المكونات الدينية والعرقية التي تشكل الأقلية في المجتمع العراقي: أ المكون المسيحي 5 مقاعد، ب المكون الصابني المنداني بمقعد واحد، ج المكون الإيزيدي مقعد واحد، د المكون الشبكي مقعد واحد. وحدد القانون الانتخابي عدد النساء المرشحات ب25٪ في قائمة الكتل أو الائتلافات وأن لا تقل نسبة النساء في المجلس النيابي عن 25٪. واعتمدت العملية الانتخابية 2014 على نظام القائمة النسبية المفتوحة لتحقيق رغبة الناخب في معرفة المرشحين المنضوين في قائمة الكيانات والائتلافات وممارسة حريته في انتخاب القائمة كلها أو الاكتفاء بانتخاب بعض مرشحيها، بما يجبر الكيانات السياسية على ترشيح النخب والكفاءات وقادة الرأي ممن لهم تأثير في جذب الناخب والاعتماد على هذه المعايير أكثر من معيار الانتماء والولاء الحزبي. وينتظر مجلس النواب بعد الإعلان الرسمي عن النتائج أكبر التحديات المتمثلة في أداء دوره كسلطة بانتخاب الرئاسات الثلاث لتجسيد مبادئ الجمهورية البرلمانية الديمقراطية الاتحادية الذي تدار فيه السلطة التنفيذية من قبل رئيس مجلس الوزراء مع الحفاظ على دور مجلس الرئاسة الذي يضم رئيس الجمهورية ونائبيه: رئيس مجلس النواب. رئيس الجمهورية. رئيس مجلس الوزراء. وستلعب الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان الجديد دورها الحاسم في اختيار أسماء للرئاسات الثلاث، في ظل تساؤل مفتوح حول تشكيل حكومة شراكة وطنية تضم مختلف الكيانات والائتلافات أو حكومة أغلبية تعزز حضور كل مكونات الشعب العراقي وفق نسب حضورها في البرلمان، يراها البعض البديل الأفضل في تحقيق تطلعات الشعب العراقي بعيدا عن نظام المحاصصة الذي ثبت فشله في الدورة التشريعية المنتهية.