أعطى الدكتور صالح سعود، أستاذ بكلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية، قراءته في المشهد الدولي المتغير، مجيبا عن السؤال الكبير أي دور تلعبه بلدان حركة عدم الانحياز في عالم الأقطاب المتشكلة على أنقاض الحرب الباردة وسقوط جدار برلين. وتوقف الدكتور في نظرته التحليلية ورؤيته الاستشرافية، للثابت والمتغير في المعادلة الدولية، عند موقع حركة عدم الانحياز التي ولدت زمن التعايش السلمي وشقت طريقها نحو المساهمة في الوفاق الدولي المبني على توازن القوى بين الشرق والغرب وتجاوز اختلال نظام القطبية الثنائية التي سيرت العلاقات الدولية لسنوات طويلة بعد الحرب العالمية الثانية. وقال إن الحركة لا زالت تحتفظ بقيمها ومبادئها في لعبة التوازنات ودعم حركات التحرر وتطلعات الشعوب نحو الحرية والانعتاق. وذكر الدكتور أن تراجع بريق هذه المبادئ وقوتها وحرارتها المسجل لدى محللي السياسة ومنظري الاستراتيجية، يعود الى الأعضاء أكثر وأكبر. وعن بروز الأقطاب الجغرافية السياسية والمجموعات الاقتصادية التي كسرت الحواجز وقربت المسافات، ودورها في إضعاف حركة عدم الانحياز أو التقليل من دورها على الأقل أجاب الدكتور بأن عدم الانحيار لا زالت قائمة ودورها يتعاظم مستقبلا قائلا: «إنه في إطار ظاهرة الاستقطاب التي يرى البعض بأنها لا يمكن أن تقف عند مفهوم القطب الواحد، بل يجبر الجميع على البحث عن التعددية القطبية وظاهرة وجود دول صاعدة الدليل القاطع.» وأعطى الدكتور سعود أمثلة عن مناورات القوى الكبرى التي ترفض أي تغيير يمس ما بنته في مؤتمر يالطا وسان فرانسيسكو، وما نسجته للإبقاء على مسار علاقات دولية تحتكرها وتوجهها حسب المنفعة والمصلحة والنفوذ. يظهر هذا جليا من خلال بروز ما يعرف بمنظمات وشركات هجينة وهي كلها سياسات تمارس من قبل القوى الكبرى المحتكرة للقرار الدولي المستحوذة على حق الفيتو في مجلس الأمن في سبيل إفراغ محتوى التنظيمات الدولية وحركة عدم الانحياز أول المستهدفين. لكن التهديدات الجديدة بينت بأن مثل هذه الأساليب لم تعد مجدية في حماية المصالح والنفوذ، بل أن الإرهاب الجديد اخترق حدود هذه الدول وضرب عمقها الاستراتيجي وفرض مراجعة المواقف والحسابات وفتح المجال لإسهامات الآخر والتجمعات الإقليمية في محاربة الآفة. الجزائر التي رفعت منذ العشرية السوداء شعار: «محاربة الإرهاب على أساس أنه ليس قضيتها، بل قضية الجميع لتجاوزه حدود الأوطان» يدرج في هذا المصب. يتأكد هذا المعطى بناء على الأحداث التي مرت بها المنطقة سواء ما يسمى ب»الربيع العربي» وما تمر به افريقيا ودول شرق أوروبا. وهي كلها أحداث متلاصقة تجعل الوحدات السياسية أينما وقعت وتموقعت مجبرة على بذل كل الجهود سواء عن طريق الأممالمتحدة، الجامعة العربية، الاتحاد الإفريقي، المؤتمر الإسلامي أو عدم الانحياز لكي تعيد النظر في العديد من المواقف والرؤى للتخلص من هيمنة وأفكار وممارسات دول كبرى قسمت العالم حسب مصالحها بعد الحرب العالمية الثانية وتقف بالمرصاد لأي تغيير تصب في اعادة التوازن للعلاقات الدولية ودمقرطتها. مؤتمر الجزائر، محطة أخرى في هذه المعركة المصيرية التي تخوضها دول عدم الانحياز بعناد وتحد وترى فيها أساس الوجود ومدخل المشاركة في القرار الدولي مثلما يفرض تغيير الواقع المتسارع وليس ذلك الميثاق الذي اعتمدته دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية والمستعبدة لباقي شعوب المعمورة الى ابعد الحدود.