تأليف: محمد صادق الهاشمي مركز العراق للدراسات : 2005 يقول صاحب الكتاب في مقدمته إنه منذ التسعينات من القرن العشرين والعالم بأسره يعيش تحولات جذرية في العلاقات الدولية، وأن خارطة الطريق التي طبختها المطابخ الأمريكية حسب ما يتجلى في الواقع العملي، لم تكن مختصرة ومحددة للمشكل والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما العالم بأسره تعاد صياغته صياغةً قد ظهرت بوادرها في العراق، إلا أنها زماناً قد أُعد لها منذ ربع قرن ومكاناً تشمل مساحة العالم بأسره، ابتداءً من العراق والمنطقة العربية والإسلامية وتلقي بظلالها هذه التحولات على أوربا والتوازنات الدولية كلّها، كما أن هذا النظام الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وأنهى العصر الأوروبي للسيطرة، وأتسم بتقسيم النفوذ وتقاسم التركات والمناطق في مؤتمر مالطا (فبراير 1945م) على غرار طريقة البابا الاسكندر السادس الذي أصدر في عام (1493) قراراً قسم بموجبه القارة الأمريكية المكتشفة بين إسبانيا والبرتغال. ومن أوضح معالمه بروز قطبين في التوازنات الدولية وهما: (الولاياتالمتحدة، والاتحاد السوفيتي) كان لهما اليد الطويلة والسطوة النافذة في التحكم بمصير شعوب العالم من أقصاه إلى أقصاه، حيث سادَت فيه ظاهرة سباق التسلح وقيام التحالفات وتوازن الرعب، وإثارة حروب بالواسطة في أقاليم العالم الثالث، واتسمت هذه المرحلة بملامح الحرب الباردة وتكريس التفاوت بين الشمال الغني والجنوب الفقير. وهنا يؤكد الدكتور محمد صادق الهاشمي أن العلاقة بين القطبين مرت بمراحل ثلاث: 1 مرحلة الحرب الباردة: التي شهدت ظهور حلف الأطلسي (1949)، وحلف وارسو في عام (1955)، ونشأت كتلة عدم الانحياز في مؤتمر باندونج في عام (1955). 2 مرحلة التعايش السلمي: وهي المرحلة التي حددها الزعيم السوفيتي الراحل (خروشيف) في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي، وحدد مبدأ التعايش بمبادئ ثمانية أبرزها احترام السيادة لجميع الدول والتخلي عن الحرب كوسيلة لتسوية النزاعات الدولية، وحلَّها المنازعات بالمفاوضات. وتعمقت عملاً مرحلة التعايش السلمي بعد أن استطاع القطبان تجاوز أزمة كوبا في عام (1962)، والمسماة أزمة الصواريخ، مما حدا بقمة عدم الانحياز التي عقدت في القاهرة عام (1964) أن تقر هذه المبادئ، فضلاً عن إقرار الأممالمتحدة لها عام (1965). 3 مرحلة الوفاق الدولي: وهي مرحلة الثمانينات وبعض السبعينيات، إذْ أخذ يتبلور تفاهم أعمق وانفراج في الموقف الدولي، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الفيتنامية في عام (1972). وهناك عوامل عديدة عجلت من وراء الكواليس بظهور هذه المرحلة بجلاء في عالم السياسة والعلاقات الدولية: منها: حصول انقسامات في كل مجتمعات العالم من خلال خطة مدروسة من الخارجية الأمريكية، التي كان يقودها كيسنجر، وكان يطلق عليها اصطلاح العالم الجديد، يوم كان مستشاراً للأمن القومي مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون(). ومنها: توتر العلاقات بين موسكو والصين. ومنها: بروز نزعات استقلالية قومية لدى أوربا الشرقية. ولقد انتهت هذه الفترة بظهور سمات نظام دولي جديد يريد ومن خلال آليات وأيدلوجيات وأفكار محددة إعادة صياغة العالم ابتداء من الشرق الأوسط وانتهاء بأوربا بما ينسجم مع أهدافه ورؤيته، وينفذ مشروعه هذا النظام أبعاده ونتائجه ومن يقف وراءه هو الذي يريد أن يبحثه في هذا الكتاب الاحتلال الأمريكي للعراق ومشروع الشرق الأوسط الكبير سمات النظام الدولي الجديد تحت هذا العنوان يقول صاحب الكتاب أنه لو أردنا تحديد الفترة الزمنية التي تبلورت فيها معالم النظام الدولي الجديد، لقلنا: إِن أزمة الخليج كانت هي البداية، ففي هذه الأزمة أعلنت واشنطن إصرارها الأكيد وعزمها الشديد على أن تكون القطب الأوحد الذي يستلم قيادة العالم سياسياً وعسكرياً، وأن تضع يدها على أهم واردات العالم وفي هنا تشير بعض المصادر إلى أنّ بوش أستعمل تعبير (النظام الدولي الجديد) 274 مرة في خطاباته الرسمية وأحاديثه العامة في الفترة ما بين 1990 حتى 1991 ويمكن تلخيص سمات النظام الدولي الجديد الذي يؤكده بوش بما يلي: الانتقال نهائياً ولو لفترة إلى نظام القطب الواحد بزعامة واشنطن. انضمام المعسكر الشرقي إلى المعسكر الغربي وتحول الصراع من صراع بين الشرق والغرب إلى صراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير. تحويل الأممالمتحدة، والمنظمات الإقليمية، والهيئات الدولية إلى آلات طيّعة بيد السيد الأعلى أمريكا. تشويه الأخلاق والقيم والثوابت المسلّمة لدى الشعوب والدول، إذْ لمّعت أمريكا صورتها من مارد يريد تحويل العالم إلى دولة واحدة تستولي هي على مقدراتها ونهب ثرواتها، إلى دولة تريد نشر العدالة والسلم والديمقراطية. متى بدأ الإعداد للنظام الدولي الجديد؟ يقول الكاتب هنا إنه مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتفجيرات مركز التجارة العالمي نيويورك والبنتاغون وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر (2001). بدأت تعزف أمريكا واليمين المتطرف بكل قوة على وتر مواجهة الإرهاب عسكرياً. حينها أخذت الولاياتالمتحدة تُدخِّل في ماهية وجوهر نظامها الجديد ظاهرة استخدام القوة العسكرية كأداة لتنفيذ السياسة الخارجية والأهداف الأمريكية(. وربما كان هذا التوجه الذي دفع الباحثين إلى أن يذهبوا بالأدلة والقرائن إلا أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان اللوبي الصهيوني من ورائها يخطط لها منذ زمنٍ بعيد، كي يعطي مبرراً لإظهار القوة العسكرية الأمريكية، وكأنَّ أمريكا تتصرف انطلاقاً من الواقع الراهن لميزان القوى العالمي في ضوء المتغيرات الدولية، باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ولعل أمريكا تدرك جيداً ومقتنعة بنظرية (عدم انسجام المكانة) وهي نظرية عدم توازن المكانة للولايات المتحدة في المجالات المختلفة، بينها وبين اليابان وأوربا كدول يمكن أن يكون لها في المستقبل تأثير قطبي اقتصادي، ومن ثم سياسي، وهذا هو السبب الذي يدفع أمريكا أن تحوّل المكاسب والمزايا العسكرية إلى مكاسب سياسية واقتصادية. وهنا يقول الكاتب إن هذا التحول الأمريكي في تقسيم العالم إلى محور الشر ومحور الخير ومحاربة الإرهاب واستخدام القوة والسلاح في الشرق الأوسط والمنطقة الإسلامية والعربية حركته عدة عناصر هي كالتالي: صعود الدور الأمريكي فمنذ منتصف الثمانينات أخذ الدور السوفيتي في الانحسار على صعيد السياسة الدولية، وقابل هذا الانحسار صعود الدور الأمريكي بما يوازي حجم التراجع السوفيتي، وجاءت حرب الخليج الثانية لتعمق هذا الصعود وتعطيه مدى أوسع، هذان الحدثان جعلا أمريكا تقف كقوة وحيدة على رأس النظام الدولي ويمكن القول: إِن حرب الخليج الثانية قد انتهت بنجاح ليس على صعيد الموقف العسكري ضد العراق، بل بنجاح المخطط الأمريكي في أن يقف على رأس الهرم الدولي كقطب أوحد يرسم خارطة العالم ويحدد له معاييره ويضع له إستراتيجيات تنسجم مع رؤيته الجديدة، ويتلاعب بشرعيته الدولية. تحديد ومراقبة التسلح في الشرق الأوسط في عام 1950 أصدرت الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا بياناً ثلاثياً يقضي بتنظيم عملية بيع الأسلحة إلى الدول العربية بصورة تجعلها في موقع دفاعي بادر بوش في مشروع آخر، ثم بيان باريس عام (1991) لضبط التسلح في الشرق الأوَسط. إلا أن عملية ضبط عملية التسلح للشرق الأوسط كانت غير موفقة بفعل وجود إسرائيل، فضلاً عن وجود هيكل توازن قوي على المستوى الدولي يتيح لأطراف تلك الصراعات الحصول على الأسلحة التي تحتاجها. ...يتبع