فتح الباب للأساتذة القادرين على رفع التحدي كل إنسان له مملكته ولهذه المملكة المناصب الرفيعة والرتب الطيبة التي تعادل في نظري مرتبة المعلم في المؤسسة التربوية، فمملكته الصغيرة الطيبة الوافية التي كنا لا نعرف المكر والنفاق والرياء، بل كنا نعرف الجميل والفضل والإخلاص في العمل. لقد تغيّر دور المعلم خلال المراحل التاريخية التي تعاقبت عليه من تقديم وشرح وتحضير واستخدام الوسائل أصبح اليوم دوره يرتكز على التخطيط والتصميم ومعرفة الأجزاء التي تحتويها عملية التعليم. يقوم بشرح الدرس ويعتني بإكمال البرنامج المقرر، وإذا أراد الطالب مزيدا من الشرح يطلب من الأستاذ أن يعيد شرح ما أشكل عليه ، فالطالب المجد لا يستغرب الأسباب التي تدفع بأصدقائه إلى دفع أموال باهضة رغم أن نتائجهم الدراسية عادية، فالكثير من الأساتذة ينحصر دورهم في تقديم الشرح والفهم بسرعة، أما متابعة البرامج المقررة فإنها مرتبطة بذكاء الطالب الذي يعوّد نفسه على حل أكبر عدد من التمارين وحرصه على مراجعة الدروس الخصوصية التي كنا لا نسمع بها. أحيانا نتفاجأ وفي مرات عديدة بالأخطاء المرتكبة في عدة مواد أساسية ، وهذه العملية بعض الأولياء يتباهى بها، ويبحثون عن الأستاذ الذي يقدم الدروس الخصوصية في بيته، وهي الظاهرة التي برزت خلال السنوات القليلة الماضية ، فالأستاذ في الجامعة هو المواطن الذي نذر نفسه للقضاء على الجهل العدو المهلك، والواقع أن مهنة التعليم مهنة مقدسة تتطلب من المعلم أن يكون جلدا صابرا، حكيما رحيما، ذكيا حازما شجاعا وكثيرا من الصفات التي لا حصر لها. وما من عامل كالمعلم جليل الخطر كريم الطعمة، نظيف الربح ، إنه ينير العقول ، وغيره ينير الشوارع، هو يضع البشر وغيره يصنع الأشياء ، وهو يهذب النفوس، يعمل صامتا لا يزيده المجد الذي يناله ، ولا تستميله جيوب الرؤساء والحكام والقادة ، ذلك لأنه هو الذي يضع هؤلاء فمرتبته أعلى من مرتبتهم، ومكانته أرفع من مكانتهم. أموال تحصل بطرق سريعة على حساب التدريس إننا نريد جميعا أن يكون التعليم كما كان، لم يعد بعض الأساتذة والمعلمين، يجدون حرجا في اعتماد كل الطرق، من أجل تحصيل أموال بطرق سريعة على حسب التدريس، والأمم الراقية المهذبة المثقفة ترفع شأن التعليم، تحرص على أن يكون مستوى التعليم أرفع مستوى، ذلك لأن هذه الأمم تعلم أن كل عناية بالمعلم إنما ينعكس أثرها على الطلاب ،لهذا تسعى الدول جاهدة لتجعل مكانته هانئة سعيدة فهو الذي يضع من أبنائها خير الأبناء، وللذهب بريق يلفت النظر، ويسلب لب النساء، فكم من ضمير استهوته وديست لأجل الحصول عليه كرامات البشر. متى أصبحت الأمة في أمن وسلام من عدوان حقّ لها أن تطرح السيف جانبا وتهتم بالنهضة الفكرية، والفنية والعمل في مختلف المجالات. فلفظ المعلم جميل ساحر عذب يبعث الأمل في النفوس... وقد كان المعلم مطلبا طبيعيا حين ندب الحياة، وما من قوة في الدنيا إلا قول وعمل وتفكير. كل الأديان السماوية تأمر بطلب العلم، ويمكن أن ننال التقويم بالعمل الدائب والجهد والصدق، والكفاح المرير، كما كان أجدادنا في الفتوحات الإسلامية وكيف كان العلم في الأندلس، فأوروبا تبعث أبناءها لنيل العلم بها. فالعلم نتمثله نحن كالهواء والشمس ونراه في الطبيعة وفي الحياة. نتمثله بعمل وبصمت ويفاجئ بمشروعاته من أجل مستقبل أفضل، يمضي في سبيله قدما لا تثنيه العوائق مهما كانت الأخطار. فالأستاذ هو المربي والموجه والمرشد، وهو النور الذي يلج إلى الأفئدة، هو عطاء لا ينضب، ينهض كل صباح من غير ملل ولا كلل، يبدأ بالعطاء منذ دخوله القسم، يتابع المتأخر حتى ينشط يقوم وينمي ، يغار على التلميذ إن رآه متأخرا، أعصابه تحترق عندما يرى أبناءه متأخرين فهو أب في التربية، وأب في التعليم ، وكيف لا ؟ ورسالته تبثّ الحماسة العلمية في النفوس، فهو يضع لبنة وطنه في الأجيال الصاعدة، يفرح عندما يرقى طلابه، يسعد حين يرى أبناءه قادة ومسؤولين في دواوين الدولة، ويفرح لفرحهم إن رأى طبيبا . دروس تحضر يرى المهندس الذي مهّد له الطريق. ألم يكن محمدا صلى الله عليه وسلم معلم البشرية؟! شتان بين الأمس واليوم، فالأمس كان المعلم مربيا قبل كل شيء حيث كان يسعى لغرس جملة من القيم الأخلاقية أي أنه كان يقوم بدورالأسرة من حيث تربية الأولاد، على جملة من المبادئ ناهيك عن دوره التربوي، أما اليوم وللأسف الشديد نجد أن همّ المعلم الوحيد هو تقديم الدروس، وقد انتقل إلى مرحلة التلقين فقط ، وهذا ما جعل قيمة المعلم تتدنى شيئا فشيئا. فالأمر الذي يتطلب من المعلم بذل المزيد من الجهد، لا سيما إذا كان في الأطوار الابتدائية ، فإنه يتطلب عملا كبيرا في سبيل تعليمهم القراءة والكتابة والحساب. فالمعلم لا يزال يحظى بالاحترام في المجتمع، فهو يتمتع عن غيره بخصوصية التربية وتنوير الأجيال، بما لديه من معارف علمية. إننا نشاهد اليوم زوال القيمة المعنوية للمعلم إذا لم يعد ينظر إليه مصدر علم، فمهنة المعلم اليوم لم يعد مرغوبا فيها من قبل فئة الذكور، بحكم أن شباب اليوم يتطلعون إلى مناصب ذات دخل مادي كبير ونجد في المقابل المرأة تتولي هذه المناصب كونها تتناسب مع طبيعتها الفطرية في التربية. أما طريقة تعامل الإدارة مع المعلم في حدّ ذاتها زادت الطين بلة، فعندما نسمع مثلا أن تلميذا اعتدى على معلمه دون أن تتخذ الإدارة إجراءات في حقه. ونقف عند بعض الأحداث التي وقعت (الشتم، الإقصاء، الطرد، الحرمان من التعليم) ومن خلال المقارنة بين الموقفين نلمس أسباب تراجع وتدني قيمة المعلم في المجتمع. هناك بعض الدراسات في علم الاجتماع في الدول الأوروبية تطرقت إلى إشكالية التعليم في غياب المعلم، وبحكم أن المجتمع يتأثر ويؤثر، فهذه العوامل التي أضعفت دور المعلم وأفقدته أهميته. لكن ما دامت العائلات تدفع أموالا لتوفير الدروس الخصوصية لأبنائهم من أجل النجاح، فهي تعتقد أن هذا العمل له فاعليته. دروس خصوصية تحت المجهر بعض الأساتذة يغتنم هذه الفرصة لنيل وتحسين مداخيلهم، وكثر التنافس بين الأساتذة وأصبحت هذه الفرصة متاحة للجميع، فالدروس الخصوصية هي في الحقيقة دروس استدراكية تعطى للتلميذ لكي يستدرك مسائل عالقة لم يتمكن من فهمها، ومن خلال دروس الاستدراك يتمكن من رفع الالتباس والغموض، بتقديم تمارين وأمثلة تساعده على فهم الدرس، (حصة الاستدراك) برمجت في البرامج المقررة، فنجد بعض التلاميذ بمجرد خروجهم من المدرسة يذهبون إلى الدروس الخصوصية، فيصبحون لا يبذلون أي مجهود في القسم. فهذه الظاهرة كثرت في الآونة الأخيرة،وحتى سلطة الوالدين انساقت في هذا الطريق حيث أن الطفل الصغير يسير بمبدأ (كل ما هو ممنوع مرغوب فيه) فيحاول اكتشاف كل شيء والتعرف عليه. وبفضل هذه المعالم يمكن لنا أن نعلم الطفل كيف يتصرف في المجتمع وكيف يبحث على ما يحيط به، لكي تسمح له بفهم ما هو صالح وما هو طالح، ما هو خطير وما ليس خطيرا، المهم أن يحسّ دائما بالحنان، الحماية ، الرعاية ، الأمان.. ليتعلم ويتدرب على حفز السلوك الإيجابي قدر الإمكان، فعلى مؤسساتنا التربوية أن تطمح إلى الرقي بمجال التعليم من خلال فتح الأبواب للأساتذة القادرين على خوض غماره بشكل واضح وجلي وإدماجهم ، خاصة منهم أصحاب الكفاءات العليا ،مع مراعاة برامج التعليم نتيجة لما أصبح يعانيه الطالب من كثافة الدروس التي لا تسمح له بالاستيعاب، ونتيجة لعدم قدرة الأستاذ على تقديم دروسه بالشكل المنظم نظرا لكثرة التلاميذ في القسم. فالمدارس الخاصة ساهمت كثيرا في تدني المستوى التعليمي حيث أنهم خلطوا مفهوم المدرسة الخاصة، حيث أصبحت هذه المدارس تغرس قيما وعادات وتقاليد للمجتمعات الغربية، غير أن المسؤولية تتحملها هذه المدارس و الأولياء الذين يحببون لأبنائهم كلّ ما هو أجنبي بتعليمهم وإكسابهم قيم مجتمع غير مجتمعهم .