قد يستغرب البعض حينما يقرأ أن لوحة فنية بيعت بملايين الدولارات، ويتساءل عن المعايير التي يتم على أساسها بيع هاته اللوحات والتي تعتبر في نظرهم مجرد رسومات، بالرغم من أن الفنان يرى في عمله تحفة نادرة وهي أغلى من الملايين، ويبيعها على حسب العمل ونوعه وحجمه ونوع الخامات، والأولوية لقيمته الفنية، فضلا عن أن اسمه يلعب دورا مهما في تحديد سعر اللوحة التشكيلية. ولمعرفة خبايا ذلك كانت ل"الشعب" زيارة لبيت الفنانة التشكيلية بتينة هاينن عياش، حيث أن أول ما لاحظناه عند ولوجنا لبيتها الديكور الفني المتناسق، والذي يجعلك تشعر بأنك تزور متحفا للفنون التشكيلية، وما هو في الحقيقة إلا منزل لفنانة متألقة، أجادت استخدام الريشة لتعبر عن هويتها وعملها المحترف. تقول الفنانة التشكيلية أن تسويق منتوجها وإبرازه يتم عبر المشاركة في معارض دولية ووطنية، حيث يتم الإشهار لأعمالنا والترويج لها. اهتمام المؤسسات باقتناء اللوحات التشكيلية عمل حضاري من خلال ما استطلعناه خلال جولتنا مع الفنانة بتينة، وما أكده لنا أصدقاها ومقربيها فهي تنشر وتسوق للمنتوج الفني عن طريق الانترنيت، ووسائل الإعلام من نشريات بالجرائد الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث توجد المواقع التي تختص بالفن التشكيلي وتعرض الأعمال الفنية، كما نالت الاهتمام من طرف وسائل الإعلام لمشاركتها في برامج وطنية وأجنبية وأيضا عن طريق المجلات والكتب المعنية بالفن التشكيلي، ناهيك عن العلاقات الوطيدة التي تربطها بالمؤسسات الحكومية والخاصة، وغيرها، أين قدمت عدة معارض، لا سيما بجامعة "قالمة 08 ماي". وأرجعت الفنانة العالمية بتينة هاينن عياش ل " الشعب" العوامل التي تقف عائقا أمام حركة التسويق في الفن التشكيلي إلى غياب الوعي الثقافي الفني، قائلة: "لابد أن يكون هناك وعي بالفن التشكيلي واحترام للفنان، وإدراك قيمة ما يعرضه وما يتركه عمله من أثر في النفس"، كما أن اللوحة تضيف تكشف ما يتمتع به صاحب الريشة من تميز، وتبرز من هو الفنان الحقيقي، كما أن الذوق العام مهم في اقتناء اللوحات حيث يعد المزاج عاملا أساسيا في إنجاح عملية التسويق، حيث أن الألوان حسبها وفلسفة العمل وجمال اللوحة مهمة لكسب المقتني لها. من جهة أخرى، أرجعت بتينة صعوبة اقتناء اللوحات للعامل الاقتصادي، مؤكدة بأن توفر الإمكانيات المادية أمر ضروري، إلى جانب الذوق الفني، حيث أن هناك من يملك المال ولكن ليس لديه رغبة في اقتناء اللوحات، كما أنه بالمقابل هناك من تكون لديه هذه الرغبة ولكن إمكانياته المادية لا تسمح، كما ترى بأن اسم الفنان يلعب دوراً مهما في شراء اللوحات الفنية. وتضيف المتحدثة أن المعنيين بثقافة الاقتناء يتنوعون بين أصحاب الثروة المادية وذوي الثقافة الذوقية الجمالية، وتعود بنا للحديث عن الأسعار قائلة هناك فرصة كبيرة للحصول على سعر معقول، ومن يشتري اللوحات هم رجال الأعمال، موظفون، أساتذة الجامعات ومسؤولون، مشيرة إلى أن شراء اللوحات أمر ضروري، حتى يتمكن الفنان من مواصلة عمله ويشعر بما يصنعه من لوحات جمالية، كما تحدثت عن نوعية اللوحات التي يقتنيها الجميع فتقول: "اللوحات التي تباع هي ما تعبر عن طبيعة قالمة ولوحات أخرى تحمل مزهريات وورودا وأزهارا وهي الأكثر استقطابا". وبعيداً عن الاقتناء الخاص تطرقت الفنانة بتينة هاينن إلى أهمية اهتمام المؤسسات باقتناء اللوحات التشكيلية، معتبرةً تزيين جدران المؤسسات في الجزائر بلوحات الفنانين التشكيليين عملاً حضارياً يدعم الفن الجزائري، متسائلة في ذات السياق عن المانع من أن تزين الأعمال الجزائرية جدران المستشفيات والبنوك والمطارات، والمؤسسات الإدارية والجامعات. صعوبة تسويق المنتوج الفني أوضح الفنان التشكيلي خالد خوجة أن الفنان التشكيلي الجزائري عامة والقالمي خاصة يعيش أوضاعا صعبة في ممارسة هذا الفن الجميل، مشيرا إلى أنه سبق له وأن تحدث عن مثل هذه المشاكل في عدة مناسبات من بينها جريدة "الشعب" والتي قد تكون من بين الجرائد القليلة التي تهتم بالتنقيب في عالم الفن التشكيلي، وذلك لإسماع صوت الفنان إلى كل فئات المجتمع من مسؤولين ومثقفين ورجال أعمال وما إلى ذلك.. وعن بيع اللوحات الفنية يقول: سؤال سهل وصعب الإجابة عنه في آن واحد، قد يسهل على الكثير من الفنانين إنتاج الكثير من الأعمال أو اللوحات الرائعة في السنة، وقد يصعب عليه بيعها بسهولة، وشيئا فشيئا تتراكم الأعمال على بعضها البعض، فتتعقد المهمة أكثر حسب المتحدث خاصة إذا كان هذا الفنان مبدع وكثير الإنتاج، أضف إلى ذلك ضيق المكان الذي يمارس فيه الفن، إن وُجد، فإذا كان الفنان لا يملك مسكنا يأويه فكيف له أن يأوي الكثير من أعماله التي تتطلب العناية والحفاظ عليها دوما، لأنها تعرض من حين إلى آخر ثم تعاد إلى مكانها، وبهذه الطريقة تكون أكثر عرضة للتلف والإهمال، وهذه هي الطريقة الوحيدة لمحاولة بيع هذه المنتوجات بعرضها في معارض خاصة أو جماعية أو مناسباتية. وعن الصعوبات التي يجدونها في بيع أعمالهم الفنية فيقول: "لا أريد أن أتحدث عن الصعوبات بل عن الحلول لأن المثل الشعبي يقول: "لي حب الورد يصبر على شوكه" فالكل يعرف أن مجتمعنا لم يترعرع في محيط الفن والأدب ولهذا الفن التشكيلي لم يتمكن من خلق جمهور خاص به على مدى سنوات طويلة، خاصة في هذه المدينة العريقة التي تزخر بالكثير من المعالم الأثرية والطبيعية وغيرها التي ألهمت وما زالت تلهم الكثير من الفنانين، كما هو الحال بالنسبة للفنانة بتينة عياش، والفنان المتحدث وحسين فنيدس وسمير خلف الله وغيرهم، إلا أن هذه المدينة وفنانيها يفتقرون إلى أهم شيء، يمكن أن نغير الوضع، وهي قاعات العرض بوسط المدينة والتظاهرات الفنية التي لم تعد تجدها اليوم مثل صالون الفن التشكيلي الذي انقرض والمعارض الفردية والجماعية، لقد كانت قالمة السباقة في هذا المجال واليوم أصبحنا نبحث عن مناسبة معينة للتجمع وإظهار أعمالنا وكل هذا بسبب إهمال الجهات الوصية. كما قال: "يمكن لمؤسسات الدولة من الولاية والبلدية والدائرة والمؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال أن يساهموا في إعادة بعث الأمل في نفوس الفنانين من خلال دعمهم ماديا ومعنويا، برعاية نشاطهم واقتناء أعمالهم لتزيين مقراتهم الرسمية وتكون بذلك محمية ومحفوظة في أماكن تليق بمقامها لتصبح مراجعا فنية وتراث وطني بكل جدارة واستحقاق. وأضاف خوجة بأنهم يبيعون لمن يشتري صبغا، حيث أن الزبون يكون في أغلب الأحيان من هواة الفن وهم يعدون على الأصابع، في حين يوجد الكثير من الأثرياء لا يغلى عليهم شيء إلا اقتناء لوحة فنية واحدة وحتى تلبية دعوة إلى افتتاح معرض، الكل يريد الهدية والتطوع بأعمالنا لا بيعها. كل هذه الأسباب وغيرها حسب خوجة تساهم في نشل الفنان، قائلا: "لا أنكر أن بعض الفنانين مثل بتينة ساعدتنا على بيع بعض من أعمالنا في أكثر من مناسبة، وكذلك رواق دار الكنز بالعاصمة يحاول دوما مساعدتنا وإعطاء الفرصة للبروز، لكن تبقى هذه المحاولات قليلة مقارنة بالمنتوج الفني التشكيلي". وختم حديثه: نحن نؤمن بمدينتنا وبلدنا الجزائر وولدينا ثقة كبيرة في مسؤولي هذه المدينة، على أن الأوضاع ستتغير إن شاء الله وتبعث الحياة الثقافية في هذه المدينة من جديد".وختم حديثه: نحن نؤمن بمدينتنا وبلدنا الجزائر وولدينا ثقة كبيرة في مسؤولي هذه المدينة، على أن الأوضاع ستتغير إن شاء الله وتبعث الحياة الثقافية في هذه المدينة من جديد".