تكون الصّناعة الوطنية على موعد غدا مع تشغيل أول مصنع لتركيب السيارات النفعية بالشّراكة مع شركة "رونو الفرنسية". ويقدّم هذا المكسب مؤشّرا جديدا لجدوى الاستثمار في السوق الجزائرية من خلال الانتهاء من إنجاز أحد أبرز عقود الشّراكة الإنتاجية الواعدة والمندمجة التي يمكنها أن تحقّق نقلة نوعية، وتساهم في الرّفع من نسبة النمو وتحسين حصة الصناعة. ويرتقب أن تعطى الانطلاقة الرّمزية غدا الاثنين لبدء المرحلة الأولى للإنتاج بطاقة 25 ألف سيارة من نوع "سيمبول"، يتم تركيبها، لترتفع الوتيرة في مرحلة ثانية إلى 75 ألف وحدة. وطبقا لاتفاق الشراكة يوجّه إنتاج هذا المصنع إلى السوق المحلية التي تعرف نموا مضطردا لتتحوّل إلى ثاني أكبر سوق للسيارات في القارة الإفريقية. وتوجد امكانية توسيع تشكيلة الإنتاج حسبما صرّح به سابقا المدير العام لشركة العربات الصناعية. ويعدّ هذا المكسب مؤشّرا آخرا لبعث قطاع الصّناعة الوطنية ووضعها على سكّة النّمو، إلى جانب مشاريع عديدة، منها ما برز على السّاحة مثل تركيب سيارات رباعية الدّفع ضمن شراكة تقودها الصّناعة العسكرية وأخرى مرتقبة في السنتين المقبلتين في قطاعات الحديد والصلب، بموقع بلارة بجيجل على سبيل المثال. ويستفيد هذا المصنع من محيط محلي إيجابي تتقدّمه مؤشّرات الديناميكية التي يعرفها سوق السيارات ما يضمن للإنتاج تسويقا خاصة إذا كان السّعر المعتمد منافسا لسعر السيارة المستوردة، إضافة إلى ترقّب إقبال الزّبون الجزائري خاصة متوسّط الدخل وكذا المؤسسات الاقتصادية على اقتناء المنتوج المحلي، الأمر الذي يساهم في إعادة تنظيم سوق السيارات بالنسبة لجانب الاستيراد، والدفع بالوكلاء إلى إعادة قراءة المشهد بالسّعي إلى بناء مسارات مندمجة تميل إلى الإنتاج في فروع المناولة، وبالتالي ترشيد وعقلنه الاستيراد لمثل هذا المنتوج الصناعي. وللتذكير، سبق للمدير العام لشركة "رونو" الجزائر المختلطة، أن صرح بأنّ الأصناف الأولى تخضع لاختبارات السير على مستوى مصنع "رونو" برومانيا، حيث توجد التجهيزات الفنية اللازمة، مؤكّدا أنّ النّموذج الجزائري يعتبر الأفضل مقارنة بنظيره المنتج برومانيا من حيث الجودة والتجهيزات الملحقة. وتشمل عملية الاختبار التقني إخضاع السيارة للسير على مسافة 40 ألف كلم في مختلف الظروف المناخية. ومن حيث الجدوى الاقتصادية الاجتماعية، يساهم هذا المصنع في توفير 350 منصب عمل مباشر (منهم عدد تابع تكوينا متخصّصا برومانيا)، إلى جانب مناصب عمل غير مباشرة من خلال تنشيط المناولة المحلية، وبذلك يلعب دورا ملموسا في تحريك الاقتصاد المحلي. ويرتقب أن تزدهر المقاولة المحلية بفضل آلية الاندماج الصناعي، الذي ينعش نشاطات إنتاج مواد مثل الزجاج والمطاط ومختلف التجهيزات ذات الصلة بالصناعة الميكانيكية، كما أوضحه مدير شركة تسيير المساهمات بشير دهيمي. وللإشارة، فقد تأسّست الشراكة في ديسمبر 2012 عقب مفاوضات طويلة، وترتكز على أحكام قانون الاستثمار الساري خاصة المادة 51 / 49. وبذلك تتوزّع حصص أسهم الشّركة بين الدولة الجزائرية من خلال الشركة الوطنية للعربات الصناعية بنسبة 34 % والصندوق الوطني للاستثمار بحصة تقدّر ب 17 %، والطّرف الفرنسي بنسبة 49 %. مناخ الاستثمار ومسؤولية الخبراء الوطنيّين خلافا لما يطلقه البعض من تحذيرات مبالغ فيها، فإنّ مناخ الاستثمار بالجزائر يعرف تحسّنا مضطردا بدليل نجاح أكثر من مشروع خاصة بالشراكة مع متعاملين الجانب، غير أنّ انخراط بعض الأوساط في مسار تسويق تحاليل تحمل بيانات ومواقف سلبية يعدّ سلوكا غير سليم في وقت تحتاج فيه السّاحة إلى التفاف كافة القوى المعنية من متعاملين وخبراء حول مسعى وطني يطلق مؤشرات موضوعية ومحفّزة تطمئن المستثمرين المحتملين والمهتمين بالسوق الجزائرية، من أجل كسب معركة استقدام وجذب الرأسمال الأجنبي خاصة في هذا الظرف الاقتصادي العالمي المتوتّر، والذي يمكن الاستفادة منه لكن بالتزام خط سير موضوعي ومسؤول في تقديم المشهد الاقتصادي الوطني، الأمر الذي يساهم في كسب ثقة الشركاء وعدم الاكتفاء بالعادة إنتاج تصورات وتحاليل تعدّها أوساط أجنبية بما فيها البنك العالمي، تخضع في الجوهر لتوجهات أطراف تشعر بالانزعاج من تكريس مناخ الاستقرار، وتعزيز الوازنات الكلية للجزائر. ومن الطبيعي أن يصعب فهم إقدام بعضهم وبتسرّع على هامش الندوة الاقتصادية والاجتماعية إلى السقوط في خطاب انهزامي لدى قراءة مؤشّرات تقلّبات أسعار المحروقات بالدعوة إلى "اللجوء مبكرا إلى إعداد قانون مالية تكميلي"، بينما دعا خبراء صارمون في التحليل إلى تجاوز النّظرة التّشاؤمية بالعمل على إنتاج تصورات تحمل حلولا أكثر من اتخاذ خلاصات جانبية كنتائج حتمية. التخلّص من قراءات سلبية مفرطة للمؤشّرات وفي هذا الإطار، كان الوزير الأول قد دعا لدى افتتاح ندوة التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي انتهت أشغالها إلى التخلص من القراءات السّلبية المبالغ فيها للمؤشرات، والعمل معا على بعث مسار متجدّد لمختلف فروع الصناعة الوطنية بالعمل حول المؤسسة الانتاجية باعتبارها مصدر إنتاج القيمة المضافة التي تعزّز القدرات الوطنية وتكبح المنافسة الأجنبية. وأكّد بوضوح أنّ الجهات المكلّفة تتابع تطورات المؤشرات وتشخّصها بالدقة المطلوبة، ذلك أن الأمر يستدعي من كافة الشّركاء والمتدخّلين في الشّأن الاقتصادي المساهمة في صياغة ورقة الطّريق التي تقود إلى تجسيد الأهداف الوطنية من خلال مخطّط التنمية للسنوات الخمس القادمة، وكسب معركة النمو بتحقيق نسبة 7 ٪، من خلال تنمية وتيرة الإنتاج، خاصة وأنّ هناك اتجاه يقود إلى اعتماد نمط جديد للقطاع الاقتصادي العمومي من خلال إعادة تنظيم الرأسمال التجاري للدولة، بإنشاء مجمّعات صناعية ترتكز على روح المبادرة التي تستفيد من هامش كبير للحركة في مواكبة تطورات الأسواق بما يضمن تحقيق الفائدة المسطّرة، وتجاوز عقبات المنافسة باعتماد طرق تسيير حديثة وشفافة. وعلى هذا النّحو، تكون أمام الكفاءات الجزائرية التي تقود الجهاز الاقتصادي خاصة الصناعي والبنكي منه، على موعد مع التّاريخ بترجمة الخيارات الوطنية المسطّرة إلى نتائج ملموسة، خاصة وأنّ هناك إرادة واضحة لتكريس جملة من الضّمانات لصالح المسيّر الاقتصادي الاحترافي، والملتزم بالمهمة الوطنية من خلال إطلاق مسار رفع التّجريم عن أفعال التسيير، بما ينهي حالة التردد ويبدّد التخوفات التي لطالما ألقت بظلالها حول المسير الاقتصادي، وكبّلت المبادرة الاحترافية التي ترتبط بمدى السرعة في اقتناص الفرصة الاستثمارية في ظل اختلاط المفاهيم وتداخل الصلاحيات. المؤسّسة الإنتاجية في مواجهة التحديات وفي ظل تقاطع انشغالات وتطلّعات مسيّري وأصحاب المؤسسات الإنتاجية العمومية والخاصة في كافة قطاعات النشاطات الاقتصادية، يرتقب أن يعرف مناخ الأعمال والاستثمار في الجزائر مزيدا من التّحسين في الفترة القادمة، من خلال أحكام قانون المالية 2015 الذي يتضمّن إجراءات تحفيزية لفائدة المؤسسة الاقتصادية، وكذا التّركيز على إزالة كل ما من شأنه أن يعيق إنجاز المشاريع من بقايا البيروقراطية، وتوفير العقارات المناسبة والدفع بالتمويلات البنكية وفقا للشروط والضمانات المعمول بها في السّاحات المالية للبلدان المتطوّرة. وكان لوزير الصناعة في أكثر من مناسبة الفرصة للتأكيد على أن التّركيز اليوم يستهدف المؤسسة الاقتصادية الجزائرية، سواء كانت عمومية، خاصة أو بالشراكة، من أجل إحاطتها بكافة الشّروط التي ترافقها طيلة إنجاز المشاريع وديمومتها، وبالأخص تحسّبا لتحديات المنافسة الخارجية، بحكم تداعيات الشراكة الأوروبية والانضمام المرتقب لمنظمة التجارة العالمية، وهي تحديات تستدعي من كافة الفاعلين في الشأن الاقتصادي الانتقال إلى وتيرة متقدّمة في الأداء بتوخي معايير التسيير الحذر والاستشراف بما يمكن من توظيف عقلاني للموارد المالية والبشرية، وتفادي تأثيرات مكلّفة لتقلّبات الأسواق بما فيها تلك التي تطلق مؤشّرات أسعار المحروقات. غير أنّ المحروقات التي لا تزال تشكّل المصدر الأول لتمويل الاقتصاد الوطني، سوف تكون خلال هذه المرحلة الحاسمة عامل تأسيس لاقتصاد بديل عن طريق إدماجها وبفعالية في مسار التنمية والاستثمار ضمن قواعد الحوكمة، وإنجاز الوثبة الاقتصادية التي تحمل الجهاز الإنتاجي بكل عناصره خاصة النسيج الصناعي إلى مستوى يؤهّله للنّمو والدّيمومة.