تؤكد المؤشرات المالية والنقدية التي كشف عنها محافظ بنك الجزائر أن الوضعية الاقتصادية للجزائر تتجه في المديين المتوسط والطويل إلى مواجهة تحدّيات تتطلّب الإسراع في المبادرة بتفعيل إجراءات الرفع من وتيرة الآداء انطلاقا من الدفع بالمؤسسة الانتاجية في كافة القطاعات إلى صدارة المشهد، بحيث تتحوّل بالفعل إلى قاطرة تنشط دواليب اقتصاد بديل ومتنوع يتخلص بشكل معتبر من التبعية للمحروقات. منذ أن بدأت أسعار المحروقات بالإنهيار منتصف السنة المنصرمة لم يتوقف التحذير بانعكاسات ذلك على وتيرة التنمية التي سجلت معدلات قوية في السنوات الماضية بفضل تدفق إيرادات النفط، غير أن انكماش المداخيل بالعملة الصعبة في الأشهر الأخيرة، أدى إلى دق ناقوس الخطر، مع تأكيد الدولة على مواصلة تمويل البرامج الاستثمارية المسطرة للسنوات الخمس القادمة مقابل إجراء ترتيب للأولويات تفاديا لأي طارئ. مثل هذه المؤشرات التي جاءت في تقرير لكصاصي باللغة الفرنسية فقط ينبغي أن يتوقف عندها كافة المسيرين للجهاز الاقتصادي والقائمين على شؤون المؤسسات قصد إدراك مدى التحدي الذي يفرضه بناء اقتصاد متنوع وبديل للمحروقات يقوم على إنتاج الثروة. وبالفعل تتوفر امكانيات وموارد جيدة لإنجاز التحدي ومن ثمّة الحفاظ على وتيرة عجلة التنمية ولو بمعدلات متواضعة في الظرف الراهن لترتفع بالتدريج كلما ضاعفت المؤسسات الاقتصادية الجزائرية بكافة أنواعها من حجم الإنتاج وفقا لمعايير الجودة وتنافسية الأسعار. وفي هذا الإطار، تمثل الشراكة بين المؤسسات العمومية والخاصة أحد المسارات التي يمكنها أن تحقّق الأهداف المسطرة بحيث تسمح للمهنيين وذوي النوايا الصادقة في خدمة الاقتصاد الوطني من المساهمة تنميته من خلال إدماج المؤسسات التي تستجيب لمعايير الشفافية والوضوح في معركة تأكيد القدرة على الديمومة وعدم السقوط أمام المنافسة. ولم يعد الوقت كاف اليوم لإضاعة مزيد من الوقت وتبديد الامكانيات، إنما يقتضي الوضع كما تشخصه خلاصة المؤشرات المالية الانتقال إلى تجسيد شراكات وطنية مفتوحة على المحيط الذي ينبغي أن يبادر أطرافه (جمارك، بنوك، مصالح التجارة والضرائب) إلى مواكبة الإرادة السياسية المعلنة بمواصلة تحسين مناخ الأعمال والاستثمار ومكافحة كافة أشكال التبذير والفساد والتهرب الجبائي، التي تساهم في تعميق الفجوة وارتفاع الفاتورة. حقيقة تحمل الشراكة بين المؤسسات العمومية والخاصة بالمعايير القانونية والشفافة بعيدا عن أي محاولة للالتفاف على الهدف الاستراتيجي مزايا عديدة، خاصة إذا رافقها مسار العمل بمفهوم النجاعة الاقتصادية وتوسيع دائرة الضمانات التي تحمي أصول وأملاك المؤسسات العمومية وتلك القائمة على قاعدة للشراكة واضحة المعالم. توجد قطاعات جذابة تثير فرصا ثمينة لتنتعش في ظلّ أزمة الأسواق مثل الفلاحة كقاعدة للصناعة الغذائية والتحويلية وكذا السياحة التي تمر بأزمة تسويق بالنظر لما يجري في عديد البلدان ذات الاقبال السياحي، ويمكن للمتعاملين الوطنيين الجادين انجاز ملحمة البناء الاقتصادي المتنوع والمتحرّر من التبعية للمداخيل البترولية بدءا من تغيير السلوكات بالاتجاه نحو المبادرة وقبول قواعد الشفافية والوضوح. ولعلّ من أبرز دلائل التحول في سلوكات التعاطي مع الشأن الاقتصادي الكف عن تسويق خطاب يحمل تشاؤما يثبط العزائم والعمل بدله بثقافة السعي إلى رفع التحديات ما عظمت كما يدعو إليه رئيس اتحاد المقاولين العموميين مبديا إرادة قوية للذهاب إلى أبعد مسافة في العمل مع الأطراف الاقتصادية الوطنية بما فيها القطاع الخاص الوطني الذي يؤمن بالتكامل وصدق الإنتماء للجزائر.