تنقضي السنة الاقتصادية 2013 بحصيلة تتضمّن الكثير من المكاسب، من تكريس لاستقرار المؤشرات الكلية ووفرة مالية تبعد شبح الاستدانة في المديين القصير والمتوسط، إلى جانب ديناميكية استثمارية في قطاعات خارج المحروقات، ولكن تحمل أيضا العديد من المؤشرات التي تطلق إشارات تحذيرية من بينها تراجع ملموس للموارد المحصلة من المحروقات وبطء نمو بورصة الجزائر وتراجع قيمة العملة الوطنية، إلى جانب ضعف وتيرة الشراكة الجزائرية الجزائرية في قطاعات لا يتأخّر شركاء أجانب عن الاستثمار فيها لتاكدهم من جدواها وضمان الربح فيها، بينما لا يزال الرأسمال الوطني خاصة القطاع الخاص "جبانا". بلا شك حافظت المنظومة الاقتصادية على توازناتها الكبرى بالرغم من المحيط المحلي والعالمي غير المشجع، وكانت للجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة من خلال الحفاظ على وتيرة الاستثمارات العمومية في المنشآت القاعدية، وإنعاش القاعدة الصناعية لتسترجع مكانتها إلى جانب دعم موارد الطاقة، الأثر المباشر في ضمان ديناميكية النشاط ممّا ساعد المؤسسة الاقتصادية على مواصلة آدائها. امكانيات هائلة سخّرت لتتولى المؤسسة الاقتصادية الجزائرية القيام بدورها في انتاج الثروة مستفيدة من محيط مشجع، حتى ولو أنّ بعض الشركاء من كبار المستهلكين لا يزالون يفضّلون اللجوء إلى الأسواق الخارجية للتموين باحتياجاتها، ومسيّروها يعلمون أنّ الانتاج الجزائري يوفّر المطلوب وبمعايير سليمة. إنّها مسألة ترتبط بالوطنية الاقتصادية، وبثقافة التسيير ودراسة الأسواق، لكنها أيضا قد ترجع لعدم قدرة بعض المتعاملين على التخلص من عقدة التبعية للخارج، وكل ما يترتّب عنها من فساد مفاسد لا يمكن أن تسكت عنها الدولة اليوم، بعد أن وضعت الجميع أمام مسؤولياتهم خاصة بمناسبة انعقاد الثلاثية الأخيرة التي خصّصت للنهوض بالمؤسسة الجزائرية المنتجة للسلع والخدمات وفقا للمقاييس. بالرغم من المعوقات والنقائص بما في ذلك اتساع المساحة التي يشغلها الفساد، الذي يبدو أنّه يقاوم المنظومة التشريعية والاجرائية لمكافحته، إلاّ أنّ ذلك لا يجب أن يكون سببا في تعطيل عجلة التنمية بالاستثمار. وفي ضوء التحديات التي تلوح في الأفق خاصة القراءة الصارمة لخبراء صندوق النقد الدولي، وجملة المعطيات التي تحوزها الخزانة العامة، فإنّ كافة الشركاء الاقتصاديين وحتى الاجتماعيين يقفون على نفس درجة المسؤولية في العمل بكل إتقان وجدية لتدارك التأخر الذي بدأ يظهر على معادلة الميزان الاقتصادي. إنّ بعض القطاعات لطالما استفادت من المرافقة المالية والتحفيزات الجبائية، مثل الفلاحة والصناعات الميكانيكية والتحويلية والسياحة والصيد البحري والاشغال العمومية وغيرها، مطالبة اليوم بتحقيق الأهداف المسطّرة لها، بتقديم البديل الذي يعوض العجز أو جانبا منه فيما يتعلق بتراجع المداخيل من المحروقات. لقد سقطت جميع المبررات وانكشفت أوراق الجميع أمام حقيقة الميدان الذي تصمد أمامه الخطب والمواقف مهما كانت النوايا حسنة، وإنّما الكلمة الفصل تعود للنجاعة والقوة في بلوغ الأهداف برؤية تحفّزها الوطنية الاقتصادية.