لا يختلف اثنان على أن العاصمة صارت مختنقة بمشاهد الطوابير الطويلة من السيارات التي تزدحم في كل مكان دون استثناء حتى في الطرقات السريعة، وفي كل وقت، فأينما توّل وجهك ترى هذه المشاهد التي أصبحت لصيقة بحياتنا اليومية، حتى بثنا نتساءل من بقي يعمل؟ وإن كان هؤلاء كلهم بطالين، فمن الذي يعمل؟ فحتى في ساعات العمل المفترض أن يكون كل عامل في منصبه، تشهد طرقاتنا تزاحم السيارات التي تخنق العاصمة، فتصبح المسافة التي تقطع في دقائق معدودات الى ساعات طويلة، لقد أصبح هذا الأمر ظاهرة حقيقية وصار عندنا ما يعرف بالنقاط السوداء التي تعني الأماكن المعروفة بالزحام طوال الوقت، والكل يعرف النكتة الشهيرة التي تنقل استغراب الياباني من كون الجزائريين لا يعملون طوال الأسبوع إلا بمعدل يوم واحد والمصادف ليوم الجمعة لأنه اليوم الذي تقل فيه الحركة، حتى ظن ما ظن وراح ينقل هذه المعلومة الخطيرة لبلاده، فعلا الوضع محير ويطرح آلاف الأسئلة، من جهتي حاولت أن أجد الجواب الشافي، فقيل لي معظم العاملين في الشركات الوطنية يقومون بالإمضاء صباحا في سجل الحضور ثم يهربون من مقر العمل، ويقوم زملاؤهم بمداراة هذا الأمر على المسؤولين، لأن المنفعة متبادلة، حيث هم كذلك يتسللون من العمل خلسة وزملاؤهم الذين تستروا عليهم سابقا يحلون محلهم وهكذا، ناهيك عن الغيابات المتكررة والعطل المرضية الطويلة الأمد والعطل بسبب وبلا سبب، كل هذا أبطأ من عجلة النمو عندنا، وأزّم الوضع وصيرنا الى مجتمع متخاذل، نستهلك ولا ننتج وفوق هذا وذاك نتذمر ونعيب الزمان والعيب فينا وما عيب الزمان سوانا.