تولي جميع الدول أهمية بالغة للتراث المادي واللاّمادي، لما له دور في الحفاظ على القومية والهوية الوطنية واللغة والتاريخ، معتمدة على مقولة "أمّة ليس لها تراث هي أمّة بلا هوية". وعلى هذا الأساس انبثقت اتّفاقيات دولية تصبّ في إطار حماية التراث، من بينها الاتفاقية التي أجيزت من اليونسكو والمتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في العالم والتراث الطبيعي، ومؤتمر لاهاي للدول الأعضاء في منظّمة اليونيسكو للثقافة والعلوم، وأيضا القانون الجزائي الدولي في روما عام 1998 والذي نصّ على جرائم البيئة الثقافية من الآثار والمتاحف والأوراق الثقافية. الجزائر بدورها انتهجت مسار باقي الدول في حماية تراثها العريق الذي تزخر به، وسنّت لأجل ذلك قانون رقم 98 04 المؤرخ في 20 صفر عام 1419، الموافق ل 15 يونيو 1998، والذي يشير في مادته الأولى إلى التعريف بالتراث الثقافي للأمة، وسنّ القواعد العامة لحمايته والمحافظة عليه وتثمينه، ويضبط شروط تطبيق ذلك. والتزم القائمون على الثقافة في بعض مدن الجزائر وما أقلّها على تطبيق هذا القانون، حيث أولوا اهتماما بالمعالم الأثرية المادية واللامادية، والتي تحكي تاريخ الجزائر والشّاهدة على تعاقب الحضارات..لكن آخرون لم يلتزموا بالمبدأ الأساسي لهذا القانون وجعلوا من الآثار مجرّد صروح حجرية، لتصبح بذلك عرضة للإهمال، حتى أنّ الكثير من الآثار باتت اليوم مهدّدة بالزوال، والأدهى من ذلك أنّ الكثير من المواقع تشيّد عليها بنايات لاستغلالها للصّالح العام كالفنادق، وذلك في إطار الجهل التام لهؤلاء بقيمة التراث، وبأنّ فقدانه يعني فقدان ذاكرة أمة. وإن كان المسؤولين الأوائل على قطاع الثقافة يديرون ظهورهم لتاريخ وطنهم، فإنّ الغيورين عليه لم يقفوا موقف المتفرّج، بل أسّسوا جمعيات تعنى بالتّراث، وهي اليوم تطلق وفي كل مناسبة نداء استغاثة، وتكافح لأجل تراث يمثل الذاكرة الحية للفرد والمجتمع، وهوية شعب بأكمله. فلا يمكن أن نعطي الأهمية لموقع على حساب آخر، أو أن نعتني بهذا ونهمل الآخر دون أي سبب يذكر، فأيّ تراث مهما كان حجمه أو مكان تواجده بحاجة إلى التفاتة من السلطات الوصية، ووقف كل تجاوزات من شأنها أن تهدّد تاريخ أمّة.