تعتبر سعيدة بن حبيلس، رئيسة الهلال الأحمر الجزائري، أن تعامل الجزائر مع المهاجرين غير الشرعيين، أنموذجاً يجب الاقتداء به، لأنه يقوم على الرفق والإنسانية. وانتقدت، بشدة، في هذا الحوار، قرار الاتحاد الأوروبي بقصف قوارب نقل المهاجرين، ودعت إلى إقامة برامج تنموية في البلدان الإفريقية كحل ناجع لمواجهة الظاهرة. - «الشعب»: عاد الحديث عن معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، ما موقع النموذج الجزائري من خارطة الجهود الدولية لحل المعضلة العابرة للحدود؟ * سعيدة بن حبيلس: الجزائر لابد أن تكون مرجعا في التعامل مع المهاجرين غير الشرعيين. فقد بيّنت عبر التاريخ، أن سياستها تتسم بالرفق والإنسانية مع كل من فرّ إليها من الجفاف والمجاعة، وفتحت لهم أحضانها وقدمت المساعدات. بلادنا، فهمت جيدا أن مرافقة العمل الإنساني يجب أن يكون بتخطيط على المدى البعيد يعتمد على التنمية، وقرار الرئيس بوتفليقة بمسح ديون عدد من الدول الإفريقية رسالة واضحة، لأن تحسين الوضع الإنساني يمر عبر النهوض بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، ولتحقيق هذه الغاية لابد من موارد مالية ومن هنا تكمن أهمية مبادرة الرئيس بمسح الديون. وبرهنت الجزائر أيضاً، لدى تدفق المهاجرين القادمين من دول الساحل، في الأشهر الماضية، نجاعة المقاربة الإنسانية التي تعتمدها، بشهادة الشركاء الإنسانيين الدوليين، فنحن لا نضعهم في السجون أو نطوق عليهم بالأسلاك الشائكة، كما يحدث معهم في أوروبا، لكننا سرنا إليهم في الشوارع والحدائق العمومية وقدمنا لهم العلاج والأكل وكل ما يحتاجون إليه. وفي عملية ترحيل المهاجرين النيجريين إلى بلدهم، استجابة لطلب من الحكومة النيجرية، احترمنا كل المقاييس وتم نقلهم معززين مكرمين. - عقدت الدول الأوروبية، نهاية الأسبوع المنصرم، اجتماعا طارئا لبحث القضية، ومن بين ما خلص إليه، اقتراح إصدار قرار أممي لقصف القوارب الناقلة للمهاجرين وتشديد الإجراءات الأمنية وغلق الحدود. ما تعليقكِ؟ * ما خلصت إليه دول الاتحاد الأوروبي، يعزز تحليلنا القائم على الرفق والإنسانية. فهؤلاء يغلّبون المقاربة الأمنية على الإنسانية، خدمة لمصالحهم الخاصة. فهم يطالبون بالقصف والتدخل في ليبيا لملاحقة المهربين والمتاجرين بالمهاجريين السريين، لكنهم يستخدمون الأمر ذريعة لتبرير التدخل في البلدان. كما أنهم يريدون من خلال محاولة استصدار قرار يخول استخدام القوة العسكرية، ضد القوارب التي تحمل مهاجرين معظمهم عرب وأفارقة، ليضحوا بكل بساطة بروح الإنسان لحماية حدودهم، وهذا يذكرنا بعهد العبودية حينما كان يلقى بالعبيد في البحر. وأتأسف أكثر، عندما يتجاهلون الأسباب العميقة لظاهرة الهجرة غير الشرعية ويحملون المسؤولية لغيرهم. فبالنسبة لهم، كل البلدان الإفريقية والرؤساء الأفارقة مسؤولون، ولكن سياستهم في مختلف مناطق العالم هي مصدر هذا الوضع، وخير دليل قرارهم بتدخل الناتو في ليبيا. لذلك فالمسؤولية ملقاة على عاتقهم. وأشير إلى أن قصف القوارب، يعد ضربة قاضية للعمل الإنساني، من قبل الاتحاد الأوروبي، ويعني ضربهم عرض الحائط اللوائح والاتفاقات الدولية، خاصة اتفاقية جنيف للمهاجرين والقانون الدولي الإنساني للمهاجرين. - يرتقب انعقاد قمة مشتركة بين الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي، خلال السنة الجارية، لبحث ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ما هي أفضل صيغة للتعاون وحل المشكلة من جذورها؟ * الحل الحقيقي هو التنمية واستحداث برامج اقتصادية في الدول الإفريقية الفقيرة التي يغامر مواطنوها بأرواحهم بحثا عن لقمة عيش. والاتحاد الأوروبي مطالب بمساعدة إفريقيا، فدوله الاستعمارية مسؤولة، تاريخيا، عن نهب خيرات وثروات الأفارقة لعقود من الزمن، وبالتالي من حق الدول الإفريقية الحصول على هذه المساعدات حتى تحسّن وضعها الاقتصادي والاجتماعي ليساهم ذلك تلقائيا في إرساء الأمن والاستقرار. وأعتقد أن الدول الأوروبية مطالبة بالكفّ عن نشر الفتنة وتشجيع المشاكل الداخلية بالتدخلات المسلحة، وعليها دعم المصالحة والحوار. وأدعو الفضاءات الدولية الإنسانية من هذا المنبر، إلى تشكيل قوة ضغط على السياسيين من أجل حماية الشعوب ووقف تدهور الأوضاع الإنسانية.