قال الدكتور أحمد قريق احسن إنّ تاريخ العلوم ليس مجرّد حصيلة للاكتشافات، بل هو، أيضا، مسار من التفكير وطرح الأسئلة؛ باعتبار أنّ محرّك الحياة هو عدم التوقّف عن السؤال وإلا لتحوّلنا إلى مستهلكين فقط، مضيفا في الندوة التي قدّمها، أوّل أمس، بفضاء "بشير منتوري" ، أن شمال إفريقيا عرف بروز علماء كثر من شتى أنواع العلم، وهو ما أكّدته الأبحاث في هذا الموضوع. قدّم الدكتور ندوة "تاريخ العلوم الصحيحة في الجزائر" ، التي تطرّق فيها لتاريخ العلم على أرض شمال إفريقيا عموما، والجزائر تحديدا إلى غاية دولة الموحّدين. وذكر المعاهد والمواضيع والأعلام المتعلّقة بتاريخ العلوم في الجزائر، مقدّما في ذلك توضيحات ومعلومات حولها. والبداية كانت بابن خلدون الذي قدّم الكثير للحضارة الإسلامية، علما أنّ العلماء في تلك الفترات الزمنية، كانوا ينتقلون من منطقة إلى أخرى بكل سهولة، باحثين عن العلم. وقد ظهرت في الحضارة الإسلامية عدّة علوم، من بينها علم كان يطلَق عليه "علم الحيَل" ؛ ويُقصد به صناعة الميكانيكا، بالإضافة إلى علوم أخرى؛ مثل علم الميقات؛ للتعرّف على مواقيت الصلاة مثلا، وعلم الطب الذي كان يعتمد أساسا، على الحمية والغذاء، ومن ثم في حال عدم الشفاء، الانتقال إلى الدواء البسيط، فالمركّب. وتطرّق المحاضر لعملية انتقال العلوم من المشرق إلى المغرب الإسلامي، ممثلا ببعثة "الفقهاء العشرة" التي أرسلها الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى منطقة المغرب الإسلامي. كما تناول مسألة تحديد القِبلة في المساجد، التي شكّلت مشكلة في ذلك الوقت. أما عن تشكيل الحواضر التاريخية في الجزائر، فقد عرفت بروز عدّة مدن، بعضها تمسّكت بمكانتها العلمية؛ مثل تلمسانوقسنطينة، وأخرى سطع نجمها فترة، ثم أفل؛ مثل طبنة، وسدراتة، والمسيلة، في حين تتوزّع المؤسسات العلمية التاريخية في الجزائر، على المساجد، والكتاتيب، والمدارس، والزوايا والبيوت. وفي هذا شهدت الجزائر العاصمة تشييد 119 جامع، وفي قسنطينة 70 جامعا، وفي تلمسان ما بين 60 و70جامعا. كما تم تكوين كلّ الأئمة وطاقمهم الذين كانوا يشرفون على هذا الصرح الديني، يضيف الدكتور. وانتقل المتحدّث إلى الدولة الرستمية بالجزائر التي كانت عاصمتها تيهرت، وعرفت انتشار العلم فيها، وقيام الأئمة بالتعليم بأنفسهم؛ مثل الإمام عبد الوهاب الذي كان حاكما وعالما، وكان ابنه الأفلح أيضا، إماما وعالما مثل حفيده محمد بن أفلح. كما عرفت هذه الفترة دخول كتاب "السند هند إلى الغرب الإسلامي" إلى المنطقة، وكذا إنشاء مكتبة "المعصومة" . وتابع أنّ في عهد الدولة الفاطمية تم تنظيم مناظرات بين السنّة والشيعة، ونقل المكتبات إلى المشرق، علاوة على ظهور علماء أجلاّء في علم النجوم؛ مثل أبي محمد عبد الله بن أبي هاشم مسرور التجيبي، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الله بن محمد العتقي، الذي عُدَّ من كبار منجّمي القرن الرابع وفلكيّيه، بالإضافة إلى تقديس علم الجغرافيا في هذه الدولة، والاهتمام بصناعة معدات الحرب. أما عن دولة بن زيري فقد شهدت ظهور دار الكيمياء التي لا نعرف تفاصيلها، وإنشاء مكتبتين كبيرتين، وهما مكتبة المعز بن باديس ومكتبة المازري، في حين أن علي بن أبي الرجال الشيباني من أهم علمائها، وكان أديبا، وكاتبا، وشاعرا، ومنجما. وبالمقابل، شهدت دولة بني حماد بروز علماء من مختلف التخصّصات؛ مثل أبي الفضل بن النحوي، وابن رشيق. وتوقف الدكتور عند موقع العلوم في بجاية الناصرية، التي رحل إليها عالم الرياضيات الشهير ليوناردو فيبوناشي، بينما تُعدّ الجزائر البلد الوحيد الذي احتفظ بثلاثة معالم من دولة المرابطين، التي رغم صرامة حكامها إلا أنها فتحت المجال أمام المختصين في الفلسفة والموسيقى، وعرفت، أيضا، ظهور سير ذاتية لأسماء لامعة؛ مثل القاضي محمد بن عبد الله أبي بكر بن العربي المعافري الإشبيلي المالكي، وكتب قيّمة؛ مثل كتاب "دلائل القِبلة" لأبي علي المتيجي. ومن جهتها، عرفت دولة الموحدين بروز أسماء علماء غزيرة، خاصة أننا نملك معلومات أوفر حول هذه الفترة التي عرفت إنشاء عدد كبير من المكتبات والمدارس، وانتشر فيها علم الحساب والجبر. وكان يُرفض فيها تعليم أكثر من علم في نفس الوقت، مثلما حدث مع العالم الحفيد أبي بكر بن زهر، الذي رفض أن يدرس عنده طالبان كانا يدرسان في نفس الوقت المنطق، بل طلب منهما دراسة كل علم على حدة.