فنّانة مجّدت عزّة الوطن بصوت يحمل صفة الخلود قسنطينة وهي تحتفل بعيد الفنان، في تظاهرتها عاصمة للثقافة العربية، تأبى إلاّ أن تكرّم في هذه الأمسية في حفل تاريخي ساهر أميرة الطرب العربي الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، عرفانا لما قدّمته للموسيقى والطّرب العربيين، خلال مسيرة حافلة بالنّجاحات قدّمت فيها أجمل الأغاني التي أطربت الجماهير العربية، ولا يزال صدى ألحانها ونبرة صوتها الجميل يتعالى في كل أصقاع الوطن العربي. التّكريم، الذي يأتي في ذكرى وفاتها الثالثة، أريد أن يضاف إلى "البلماريس" الحافل لوردة الجزائرية وهي على قيد الحياة، وهو اعتراف بأن الراحلة ما تزال حية في قلوب الملايين التي عشقت فنّها، وارتدادات حنجرتها التي ملأت الأفاق. ولعل مشاركة كوكبة من الفنانين العرب لإحياء ذكراها بتكريمها في عيد الفنان، يعتبر بمثابة الوسام الذي يتم به توشيحها مرة أخرى في وطنها وهو يحتفل بتظاهرة قسنطينة عاصمة أبدية للثقافة العربية، هذه التظاهرة التي لن يكون لها معنى إذا لم يتم فيها التفاتة إلى رموزها الثقافية التي شرّفت الجزائر في كل المحافل الثقافية الوطنية، العربية والدولية، حيث يصنّف اسم وردة الجزائرية من بين هذه الرموز التي اكتست صفة العالمية. وقد استطاعت وردة خلال مسيرة حافلة بالعطاء، أن تصنع لنفسها اسما وتجلب إليها حب واحترام الآخرين، فلم تكن لبنان ولا مصر سوى محطة من المحطات التي صقلت فيها وردة موهبتها الفنية بعد أن بسطت إليها أيادي خبيرة من عمالقة الفن آنذاك أمثال "محمد عبد الوهاب، محمد الموجي، رياض السنباطي، محمد القصبجي، فريد الأطرش، كمال الطويل، السيد مكاوي، بليغ حمدي وصلاح الشرنوبي" لتصنع منها نجمة ارتفعت في سماء الأغنية العربية، وتوّجت بعدها أميرة للطرب العربي بلا منازع. إنّ الحضور المميّز لأميرة الطرب العربي على الساحة الفنية العربية صوتا وقامة غنائية، جاء في فترة كانت المنافسة في أوجّها مع أسماء نسائية رسمت هي الأخرى لنفسها طريقا في الموسيقى والطرب العربيين، نذكر منها: "أم كلثوم، إسمهان، شادية، نجاة الصغيرة، عفاف راضي، صباح، نجاح سلام، فايزة أحمد..."، وأسماء أخرى كثيرة، غير أن وردة استطاعت بالتفاف جملة الملحنين من حولها أن تتميز عن باقي المنافسات، بلون غنائي مميز اعتبره النقاد فريدا من نوعه، ولن يموت مع مرور الزمن بل يبقى خالدا يطرب الأذان مهما تغيّر الزمن. لقد صنعت وردة لنفسها من خلال ألبومها الغنائي الذي يتعدّى المئات من الأغاني، العشرات منها يتردّد يوميا عبر المحطات التلفزيونية، أمواج الأثير وغيرها من الوسائل المختلفة، جمهورا عريضا يحفظ أغانيها عن ظهر قلب نذكر من هذه الأغاني: "أوقاتي بتحلو، العمر كله حبيت فيك، بتونس بيك، ليل يا ليالي، ملّيت من الغربة،أسمعوني، خليك هنا خليك، في يوم وليلة، نار الغيرة، لعبت الأيام، دندنة، أولاد الحلال.."، وغيرها من الألحان الشهيرة. وليس بعيدا عن الموسيقى والألحان والقصائد الغنائية الجميلة لشعراء غنّت لهم وردة ، قامت فقيدة الطرب العربي بالتمثيل في العديد من الأفلام نذكر منها "ألمظ وعبده الحامولي" مع عادل مأمون، ومع رشدي أباظة "آه يا ليل يا زمن"، وفيلم "أميرة العرب"، و«حكايتي مع الزمان"، وكذلك مع حسن يوسف في فيلم "صوت الحب"، كما قدّمت مسلسل "أوراق الورد" مع عمر الحريري ومسلسل "آن الآوان" تاليف يوسف معاطي وإخراج أحمد الصقر. وبعد أربعين سنة من العطاء المتواصل، رحلت وردة الفنّانة في صمت، في بيتها في القاهرة التي أحبّتها وصنعت مجدها الفني، لكن جثمانها احتضنه تراب وطنها الذي غنّت له أحلى الأغاني الوطنية، فيكرّمها اليوم هذا الوطن بدوره في قسنطينة عاصمة للثقافة العربية حتى يبقى صوت وردة صداحا خالدا على ضفاف وادي الرمال إلى الأبد.