بعد مد وجزر بين المعارضة والرئيس بيار نكورنزيزا، أجريت، أمس، الانتخابات الرئاسية في بورندي وسط أجواء طبعها الثالوث الذي يعكر صفو أي عملية انتخابية وهو المقاطعة، الانفجارات وموجات العنف والمواجهات التي خلفت ما لا يقل عن قتيلين، أمس، لتتجاوز حصيلة من قضوا منذ بداية الأزمة البورندية إلى أكثر من 80 قتيلا. هذا ويأتي هذا الاستحقاق الرئاسي في هذا الموعد وذلك بعد رفض نكورنزيزا - المرشح لخلافة نفسه - الاستجابة لدعوات قارية ودولية كانت طالبته بتأجليها إلى وقت لاحق، بسبب موجة العنف والفوضى التي اندلعت في بورندي قبل ثلاثة أشهر، أي منذ إعلان الرئيس الحالي للبلاد الترشح لعهدة رئاسية ثالثة. في حين بررت السلطات الروندية من جهتها، التمسك بتاريخ 21 جويلية الجاري لإجراء الاقتراع الرئاسي وعدم إرجاء موعده لمرة الثالثة، بسبب مخاوفها من وقوع حالة شغور كرسي الرئاسة بسبب انتهاء عهدة الرئيس نكورنزيزا رسميا يوم 26 من شهر أوت الداخل. بين هذا وذاك يجد الرئيس نكورنزيزا نفسه يواجه معارضة شرسة في الداخل تعتبر ترشحه اختراقا للدستور ولبنود اتفاق أروشا الذي أنهى حربا أهلية دارت رحاها بداية تسعينيات القرن الماضي وخلفت حوالي 300.000 قتيل وعزلة قارية ودولية قد لا تزكي نتائج هذه الانتخابات وتطعن في شرعية عهدته الرئاسية القادمة، خاصة وأن كل متابع للمشهد الانتخابي البورندي يجزم أن فوزه في حكم المؤكد، إلا أن تحصل معجزة تحول دون ذلك. هذا وتوجه، أمس، الناخبون في بورندي إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات الرئاسية. علما أن الهيئة الناخبة في بورندي تضم 3.8 ملايين ناخب. ويواجه الرئيس بيير نكورونزيزا – الذي نجا من محاولة انقلابية منتصف ماي الماضي - في هذا الاستحقاق منافسه الوحيد أغاتون رواسا، بعد انسحاب المترشحين الثلاثة الآخرين، احتجاجا على ترشحه لعهدة ثالثة، وهم جان ميناني رئيس الحزب المعارض “فروديبو” والرئيسان السابقان دوميسيان ندازيزيي وسيلفستر نتيبانتوجانيا. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كان طالب السلطات البورندية - في بيان عشية الاقتراع - بتوفير المناخ الملائم لإجراء هذه الانتخابات الرئاسية ودعا كل الأطراف إلى عدم اللجوء إلى العنف الذي قد يعرض استقرار بورندي وكل المنطقة إلى الخطر. كما طالب البورنديين بالعودة إلى طاولة الحوار وهذا بعد انسحاب الوفد الممثل للرئيس نكورنزيزا في هذا الحوار، السبت الماضي. الأكيد، أن هناك تخوف مشترك لدى كل المتابعين للأزمة البورندية ليس من مغبة توسعها إلى كل منطقة وسط إفريقيا فقط، ولكن هناك تخوف من أن تأتي هذه الأزمة على اتفاق أروشا الذي أنهى الحرب الأهلية الروندية ولا يزال يشكل الضامن الوحيد للتوازن داخل السلطة والانسجام الإثني وفق الآليات التي تضمنّها والتي تضبط نظام التوازن والمحاصصة بين طائفتي الهوتو الحاكمة في البلاد وأقلية التوتسي. في الأخير، ليس أمام البورنديين سوى خيارين لا ثالث لهما، إما الاستمرار في العنف والاقتتال وهو سيناريو إكتووا بناره ويعرفون نتائجه جيدا، وإما الإسراع إلى إطلاق حوار وطني موسع ينقذ البلاد من الهاوية التي تتواجد البلاد على حافتها.