حق استئناف حكم الجنايات مكسب كبير شكل موضوع استقلالية القضاء ضمن وثيقة مراجعة الدستوري، نقاشا موسعا حول فحوى المقترحات التي جاء بها لتعزيز حماية القاضي والمتقاضي على حد سواء، وهو ما لقي ترحيبا واسعا من طرف الحقوقيين والمختصين في المجال الدستوري، معتبرين أنه أول دستور في البلاد يعزز دور الحريات العامة. يرى المختصون أن وثيقة مراجعة الدستور جاء بتعديلات جوهرية لأول مرة في تاريخ الجزائر المستقلة فيما يتعلق بجانب القضاء، وهو أكده، أمس، المحامي مولود براهيمي والخبير في القانون الدستوري عضو مجلس الأمة بوزيد لزهاري خلال منتدى الإذاعة بالقناة الأولى بالمركز الثقافي عيسى مسعودي بالعاصمة. يرى المحامي براهيمي، أن التعديل الدستوري لأول مرة أعطى صلاحيات واسعة للقاضي رغم أن جهاز العدالة في الجزائر يعرف حرية تامة، عبر كل الدساتير، لكن المقترحات الجديدة المتعلقة بإعطاء القاضي صلاحيات واسعة دون تدخل الدولة للبتّ في الأحكام التي يراها مناسبة لكل قضية، موضحا أن القاضي مستقل بنسبة 99 من المائة. وبحسب الحقوقي براهيمي، فإن مواطنون كثر غير مقتنعين ببعض الأمور ويشككون في مصداقية العدالة، موضحا أن من حق المواطنين التشكيك لأن بعض القضايا شوهت صورة العدالة، بحسبه، مشيرا إلى قضيتي سوناطراك 1 والخليفة اللتين تأخرتا في رواق العدالة. إشادة باستئناف أحكام الجنايات في هذا الخصوص قال المحامي براهيمي، قضية سوناطراك 1 عرفت تأخرا كبيرا والمتهمون منذ ست سنوات وهم رهن الحبس المؤقت ما يعرقل مسار القضية ويضر بمصلحة المتهمين، رغم أن قرينة البراءة موجودة وقد تثبت براءتهم، داعيا إلى مراجعة إجراءات الحبس المؤقت الذي يضرّ بمصلحة المتهم. في مقابل هذا، أشاد المحامي براهيمي بالمقترح الجديد الذي عززه التعديل الدستوري والمتمثل في إمكانية إخطار المواطن المجلس الدستوري حول قضية ما، إذا أحس أن هناك تقصير في حقه، مؤكدا أن هذه قفزة نوعية في مجال تعزيز الحريات وحماية ممتلكات الأفراد. قضية أخرى عززها التعديل الدستوري، تتعلق باستئناف قضايا الجنايات وهي مكسب يعزز لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري. في هذا الصدد، ثمّن الخبير الدستوري لزهاري القرار، معتبرا إياه خطوة أخرى جاءت لتثبت جدية الإصلاحات السياسية التي انتهجتها الدولة منذ سنوات وهي جوهرية وتمس القضاء بالدرجة الأولى، كونه الجهاز الحساس والحامي للديمقراطية ويرى الخبير الدستوري لزهاري، أن التعديل الدستوري عبر تأكيده لإصلاحات، أضاف مقترحات تحدد العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية من خلال التأكيد على عدم تدخل كلا السلطتين في صلاحيات القضاء بأي شكل من الأشكال عبر إضافة قوانين عضوية سيحددها القانون لاحقا. المادة 51... بين مؤيد ومعارض واختلف الخبيران حول بعض النقاط التي أخذت جدالا ونقاشا حادين لدى الطبقة السياسية خاصة ما تعلق بالمادة 51 من التعديل التي تفرض الجنسية الجزائرية دون سواها لتولي المناصب العليا السامية والوظائف السياسية في الدولة، حيث أشاد الخبير الدستوري وعضو مجلس الأمة لزهاري بالمقترح، موضحا أنه من غير المعقول أن يكون رئيس البلاد مزدوج الجنسية أو الوزير الأول أو أعضاء الحكومة، مشيرا أن التعديل الدستوري أعطى هامشا كبيرا للجالية الجزائرية وهو ما لم تتضمنه الدساتير السابقة، معتبرا ذلك مكسبا لا نقاش فيه، خاصة أن الرئيس أضاف قوانين عضوية ستحدد لاحقا المادة بالتفصيل. وقصد الأستاذ لزهاري المادة 24 مكرر التي تقول: تعمل الدولة على حماية حقوق المواطنين في الخارج ومصالحهم، في ظل احترام القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة مع البلدان المضيفة والتشريع الوطني وتشريع بلدان الإقامة. وتسهر الدولة على الحفاظ على هوية المواطنين المقيمين في الخارج وتعزيز روابطهم مع الأمة، وتعبئة مساهمتهم في تنمية بلدهم الأصلي. لكن المحامي براهيمي رأى عكس ما تضمنته المادة 51 قائلا، إن رفض مزدوجي الجنسية لتولي المناصب العليا في الدولة هو إجحاف في حق المواطنين بالخارج، مقدما أمثلة على بعض الدول منها فرنسا التي يحمل وزيرها الأول جنسيتين الإسبانية والفرنسية، مطالبا عدم فرض مسألة الدين أو الأصل في تولي الوظائف. رفع عقوبة حبس الصحفي تعزز حرية الصحافة وثمّن الخبيران براهيمي ولزهاري ما تعلق بضمان الحريات للأفراد لاسيما الصحفيين، حيث أشاد المحامي براهيمي برفع عقوبة الحبس عن الصحفيين قائلا: إن هذا يعزز حرية الصحافة والإعلام في بلادنا وينعكس إيجابا على عمل الصحفيين للقيام بمهامهم بكل استقلالية. بمقابل هذا، دعا المتحدث الصحفيين إلى تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه الجمهور وتعزيز ديمقراطية الدولة والقانون، واصفا قرار رفع عقوبة الحبس عن الصحفي بمثابة تأكيد على دور السلطة الرابعة في تعزيز دولة القانون. وجاءت المادة 41 مكرر 2: حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية وعلى الشبكات الإعلامية مضمونة ولا تُقيّد بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، ولا يمكن استعمال هذه الحرية للمساس بكرامة الغير وحرياتهم وحقوقهم. ونشر المعلومات والأفكار والصور والآراء بكل حرية مضمون في إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية، كما لا يمكن أن تخضع جنحة الصحافة لعقوبة سالبة للحرية. من جهته ثمّن أستاذ القانون الدستوري لزهاري مقترح منع التجوال السياسي. في حين قال إن الدستور استجاب لمطالب المعارضة ومنحها هامشا كبيرا من الحقوق في المشروع، مؤكدا أنه لا يمكن دسترة كل شيء وهذا ما تعمل به كل دساتير العالم، مشيرا إلى أن تعزيز الهوية الوطنية بترقية الأمازيغية هو تعزيز للثوابت الوطنية للشعب الجزائري.