يطرح موضوع المقال، إشكالية مكانة الإعلام السمعي البصري في المنظومة المتكاملة للعمل الأمني، وكيفية مساهمته في الحفاظ على أمن واستقرار الوطن، باعتبار أن مفهوم الأمن في عصرنا، قد أصبح من المفاهيم العامة المهمة وذلك لارتباطه المباشر بحياة الأفراد والجماعات، وبسلامة الحياة المدنية. وله أبعاد عامة، ومجالات إدراكية واسعة، ترتبط مع مجالات عديدة، منها الأمن الاجتماعي، والأمن الاقتصادي، والأمن الفكري، و الأمن المعلوماتي والأمن المناخي، والأمن الدولي، والأمن الاقليمي و....غيرها. أمام هذا التنوع في المجالات، فلم يعد بإمكان الأجهزة الأمنية، احتكار تلك المجالات من ناحية استخداماتها. باعتبار أن الأمن قد أصبح يحتاج إلى العديد من الأدوات و الوسائل، منها وسائل الإعلام، خاصة السمعي البصري الذي - شئنا أم أبينا - قد أصبح له دورا مؤثرا وفعالا، من شأنه أن يدعم الأجهزة الأمنية في نشر المعرفة الأمنية على كافة المستويات. بل و من خلال التغطية الاعلامية، أصبح له الدور الأكبر، في التوعية بأبعاد القضايا الأمنية، والمساهمة في بناء المواطن، و تحصينه من فكر الإعلام العالمي المعادي. كما يلعب الإعلام السمعي البصري، دورا هاما في تنمية الوعي السياسي لدى المواطن لتمكينه من استيعاب كل ما يجري في الساحة السياسية للوطن، وذلك من خلال الشرح والتحليل، للقضايا التي تهمّ المواطن. سنناقش ما تطرحه إشكالية الموضوع، معتمدين على عدة محاور: المحور الأول: العلاقة بين الإعلام السمعي البصري والأجهزة الأمنية. المحور الثاني: مكانة الإعلام السمعي البصري ودوره في التوعية الأمنية. المحور الثالث: تطورات تكنولوجيا الإعلام وتأثيرها على الأنشطة الأمنية. يسعى الإنسان من خلال عقله، إلى الكشف عن الحقيقة، والإلمام بمختلف المظاهر والظواهر. الأمر الذي دعاه إلى إيجاد وسيلة مثلى، يشبع من خلالها فضوله، ويشفي بها غليله. فكان لابد من ظهور ما يسمى بالآلة الإعلامية أو وسائل الإعلام بمختلف أشكالها ومنها السمعي البصري. فشهد العالم ثورة تكنولوجية إعلامية قلبت كل الموازين، ثورة لن تتوقف ما دامت عملية الابتكار والتغيير مستمرة. بالنسبة لمكانة الإعلام السمعي البصري في الدولة، فقد أصبحت دول العالم المتطورة في عصرنا الحاضر تعتمد عليه كركن من بين الأركان الرئيسية في بنائها، إلى جانب السياسة والاقتصاد. بل وبات الإعلام السمعي البصري، يعتبر من مقومات ورموز السيادة الوطنية، باعتباره أداة فاعلة ومنظومة متكاملة تشرح القضايا ونطرحها على الرأي العام، من أجل تهيئة المواطن إعلاميا، تجاه قضاياه اليومية، ومنها القضايا المتعلقة بالمنظومة الأمنية بمختلف أشكالها، وإعانته على معايشة العصر والتفاعل معه. فلابد إذن من تفعيل أداء الإعلام السمعي البصري لترسيخ بناء الدولة، وترسيخ الثوابت الوطنية لدى مواطنيها. المحور الأول: العلاقة بين الإعلام السمعي البصري والأجهزة الأمنية: الأمن والاتصال من ألصق المصطلحات بالإنسان فيهما تتحقّق إنسانيته. «فالأمن يعطيه الحيثية النفسية والاجتماعية والتواصل يحقّق له كينونته، باعتباره مرسلا ومتلقيا للمشاعر والخبرات»(1). والأمن هو أيضا وظيفة القائم على الإعلام، وهو حقّه كمواطن، لكن الواقع يقول: إن علاقة الإعلام السمعي البصري وفعاليته تتحدد، إذا اقتنعت الأجهزة الأمنية بأهميته، قدمت لها لمادة الأمنية. وهكذا يقوم الإعلامي، بإعداد تلك المادة في شكلها الإعلامي المناسب، ومن ثم يقوم بعرضها على الجمهور بأسلوب من شأنه أن يحقق تجاوب الجمهور، مع الأفكار الأمنية المطروحة. وعلى الرغم من القوة التي تتمتع بها وسائل الإعلام كلها بما فيها الإعلام السمعي البصري، إلا أنها تبقى رهينة الأجهزة الأمنية باعتبارها المصدر الوحيد الذي يزودها بالمعلومات والتوضيحات والبيانات. والأمن يتأثر - بدوره - تأثيرا كبيرا، بما تعرضه أجهزة الإعلام، من برامج ومواد إعلامية، لأنه يخاطب بالدرجة الأولى شعور المتلقي لأن الأمن مفهوم يمنح الفرد الإحساس بالأمان والاطمئنان، لذلك يكون التأثير قويا وسريعاً. قد يكون هذا التأثير إيجابياً، فيشعر المتلقي بالاطمئنان، وبالتالي يبدي المواطن تقديرا واحتراما للقوى الأمنية، أو يكون التأثير سلبيا، فيؤدي إلى التقليل من شأنها في زعزعة الثقة في مقدرة أجهزة الأمن على تحقيق أهدافها. فكما أن رجل الأمن»قد يضرّ بالسياسة الأمنية الرشيدة، فالقائم على الاتصال يمكن أن يتحوّل إلى تاجر مصائب، والباحث الأكاديمي ممكن أن يخون الأمانة لصالح هيئة أو من أجل مجد أناني. وإذا كان سوء استخدام السلطة هو أساس عيوب القائمين على الأمن، فإن الباحث والإعلامي ورجل المال يملكون سلطة ربما تكون أخطر . وصدق الرسول عليه الصلاة والسلام عندما أرسى المبدأ الخالد: «كلكم راع»(1). ويؤدي الإعلام دوراً بارزاً في تعزيز السلم الأهلي في المجتمعات، حيث يساهم مساهمة فعالة في إرساء دعائم الأمن والاستقرار في أي بلد من البلدان، من خلال الإفكار والرؤى التي يتمّ تناولها وطرحها في وسائل الاعلام. فالتفاعل المتبادل بين وظيفة وسائل الإعلام المختلفة والأجهزة الأمنية، يمثل تكاملاً ضرورياً لإحداث الأمن والاستقرار في المجتمع، حيث يرتبط الأمن ارتباطا وثيقاً بمؤسسات تلك الوسائل المختلفة، لما لهذه المؤسسات من دور في بناء واستقرار المجتمع. التحالف الاجتماعي هو الرابط بين كل المؤسسات اتصالية وأمنية وعلمية، ضمن ميثاق لا يتعدى على مساحات الخصوصية. ووسائل الإعلام و الاتصال،أوسع الوسائط في المجتمع، كمنتج للرسائل التي تخدم القائم على الأمن أو المجرم أو الضحية. وتلعب المؤسسات الإعلامية، «أدواراً تكاملية مع المؤسسات الأمنية، لإحداث الاستقرار في المجتمع. ففي الوقت الذي تنطلق الجهود الأمنية نحو مكافحة السلوك الإجرامي في المجتمع، فإن وسائل الإعلام من المفروض، أن تنطلق من محور تقزيم الإرادة الإجرامية لدى الأفراد لممارسة السلوك الإجرامي، مما يجعلهم غير راغبين في ممارسته. وبهذا فالمؤسسات الإعلامية كغيرها من المؤسسات الاجتماعية هي بمثابة كوابح اجتماعية، تهدف إلى تشريب أفراد المجتمع المعايير والقيم التي تحافظ على أمن المجتمع»(3). المحور الثاني: مكانة الإعلام السمعي البصري ودوره في التوعية الأمنية: ترتبط السياسة الإعلامية بالأوضاع السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، بمعنى أن الاعلام يرتبط بقوى الدولة الشاملة، ومن ثم فهو يسعى بطريق غير مباشر، لتحقيق الأمن الوطني، من خلال التغطية الاعلامية، ومن خلال الاسهام في بناء المواطن، وتحصينه ضد الغزو الإعلامي أو الفكري الأجنبي. كما يقوم الإعلام بدور مهم، في تنمية الوعي السياسي والأمني لدى المواطنين، يعرف اللواء د سعد بن علي الشعراني التوعية الأمنية بأنها: «الجهود المبذولة من الجهات الأمنية المختصة، والجهات الأخرى ذات العلاقة كوسائل الإعلام السمعية البصرية - ضمن خطة عامة، لرفع مستويات الفهم و الإدراك للإبعاد، والمفاهيم و المخاطر والسلوكيات المشروعة وغير المشروعة الواجبة المتاحة، والممنوعة في مجالات الأمن والسلامة العامة والخاصة، بهدف تقليل المخاطر والمهددات الداخلية والخارجية التي يمكن أن يتعرض لها الأفراد والمجتمع والدولة، ودعم جهود مؤسسات الأمن الوطني الأمنية والدفاعية، في أداء مهامها ووظائفها، والتعاون معها والتكامل مع جهودها. حيث يتناول القضايا الوطنية التي تؤثر في قدرات الدولة، من خلال الشرح والتحليل لهذه القضايا، وتعريف المواطن بأسبابها، وأسلوب التعامل معها»(4). والتوعية هي عملية تشير إلى «إكساب الفرد وعيا حول أمر ما أو أمور بعينها، وتبصيره بالجوانب المختلفة المحيطة بها ومن هذا المنطق، التوعية تهدف في بؤرة اهتمامها إلى التوجيه والإرشاد وللتزود بالمعرفة»(5). معنى ذلك أن الإعلام السمعي البصري، لم يعد فضاء للترفيه، أو شيئاً كمالياً، بل أصبح واقعاً وضرورة لا يمكن للمواطن أن يستغني عنه. فهذه المكانة التي تميز الإعلام السمعي البصري، جاءت انطلاقا من طبيعة وظائفه المتداخلة مع جميع طبقات المجتمع، لما تقدمه من معلومات عبر مساحات كبيرة، وعلى مدار الساعة، من خلال مختلف وسائلها، سواء كانت مسموعة كالراديو أو مرئية كالقنوات الفضائية. وتختلف طرق تأثير الإعلام السمعي البصري، فهي قد تؤثّر بطريقة مباشرة من خلال برامج ذات اتجاهات واضحة أو يكون تأثيرها بطريقة تراكمية عبر الامتداد الزمني، الذي يسهم بدوره، برسم صورة عن الأشياء والأشخاص من حولنا، وكذلك التأثير في اتجاهاتنا وسلوكنا، حيال الواقع المحيط بنا. لذلك أصبحت وسائل السمعي البصري - بأشكالها المختلفة - تحتل حيزاً كبيراً من عقل وانتباه الإنسان المعاصر، نظرا لتعدد الوسائط وتنوع القنوات وحدة التنافس، مما يسبب حالة من التسابق الشرس بين مختلف مقدمي الخدمات الإعلامية. خاصة بعد التطور في تكنولوجيا الاتصال، والمعلومات والإعلام، و ما له من أثر كبير على المنظومة الأمنية وهنا ينبغي التوقف قليلا عند الفرق بين تكنولوجيا الاتصال و تكنولوجيا المعلوماتو تكنولوجيا الإعلام. فتكنولوجيا الاتصال هي التطور الكبير في وسائل الاتصال، التي أصبحت تقوم بوظائفها بسرعة وبكفاءة كبيرتين، بأقل تكلفة. أما تكنولوجيا المعلومات، فتتعلّق بذلك التطور الهائل، في مجال جمع وتبويب وتخزين وتأمين وتحليل واسترجاع البيانات ونشرها وإنتاج نماذج متعددة لمعلومات، تغطي شتى مجالات الحياة. حيث أصبح من الصعوبة، الحديث عن حجب المعلومات أو التحكم في الإعلان عنها. فإذا قامت السلطات المختصة، بحجب المعلومة لمنعها من الوصول إلى المواطن في داخل الوطن، فإن المعلومة ستصل إليه من مكان آخر وبشكل آخر. ومن ثمّ، قد يكون من الأفضل في كثير من الأحيان، أن تبادر هذه السلطات بالإفصاح عن المعلومات المتعلقة بها لأن الإفصاح يساعد على خلق أرضية مشتركة مع مواطنيها، تقوم على الثقة والمشاركة من جانب، كما أنه يوفر قدرًا ملائمًا من الدقة، للحيلولة دون تشويه المعلومة، من قبل أطراف مغرضة على المستوى الداخلي أو الخارجي للوطن، قد تكون لها مصلحة في القيام بعملية تلاعب أو تشويه خاصة للمعلومات المتعلقة بالقضايا الأمنية. حيث تزداد احتمالات التلاعب والتشويه، بالنسبة للمؤسسات ذات المهام والمسؤوليات الاستراتيجية والحساسة، وأبرزها المؤسسات الأمنية الأمر الذي يتطلب من هذه المؤسسات أن تمسك بزمام المبادرة في هذا الشأن بقدر الإمكان. لذلك يواجه السمعي البصري في الجزائر - وغيرها من الدول العربية - في معالجته للقضايا الأمنية، يواجه إشكالية الإفصاح عن المعلومة وسريتها. وهي إشكالية يواجهها الإعلام بكل أنواعه، لأنها ترتبط بهدف السعي إلى السبق الإعلامي، الذي يتطلب الإفصاح السريع عن أي حدث، الذي يصطدم بهدف أمن الوطن واستقراره. حيث يتطلّب الموقف الاحتفاظ بقدر من السرية لبعض من المعلومات، لإحداث نوع من التوازن بين ما يمكن الإفصاح عنه وما يجب حجبه. المحور الثالث: تطورات تكنولوجيا الإعلام وتأثيرها على الأنشطة الأمنية: أما تكنولوجيا الإعلام، فنقصد بها التطورات المهنية التي شهدها حقل الإعلام، من حيث تقنيات إعداد الرسائل الإعلامية وإنتاجها، بأشكال وصور مختلفة تتلاءم والقنوات الاتصالية المختلفة، هذا بالإضافة إلى التخطيط الاستراتيجى اللازم لإطلاق الحملات الإعلامية المختلفة، وما قد تتضمنه من رسائل. على أية حال هذه التطورات بقدر ما خلقت من تحديات بقدر ما أوجدت من فرص بالنسبة للكفاءة والعبرة في كيفية التعامل معها، بما يقي أو يقلل من المخاطر الناتجة عنها من جانب، وبما يساعد على خلق واقتناص الفرص التي تتيحها من جانب آخر. ولاشك أن هذه التطورات في عالم السمعي البصري، لابد أن يكون لها تأثيرها على الأنشطة الأمنية المختلفة في سائر المجتمعات المعاصرة. فقد أوجدت التطورات الإعلامية مجالات جديدة للأنشطة الأمنية، وغيرت من محتوى أنشطة أخرى، ووسعت من نطاق أنشطة، وحددت من نطاق الأخرى، وإن كان العنصر الأساسي الذي يجب أن تقوم عليه الأنشطة الأمنية المعاصرة يتمثل في المكون العلمي والمعرفي، الذي لا يمكن أن يخلو منه، أي نشاط في المجتمعات المعاصرة، خاصة النشاط الأمني. تعود أهمية الإعلام السمعي البصري، إلى تأثير عدد من العوامل، منها تعقد الحياة وتشابكها، وتداخل العديد من العوامل في معطياتها، وتزايد الحاجات الاتصالية للجماهير الحديثة، فضلا عن سيادة مفهوم اقتصاد السوق بين المتنافسين في الصناعة الإعلامية، وظهور الأبعاد الجديدة التي عرفها الأمن بمعناه الشامل (القومي، الاجتماعي، الفكري، البيئي) وارتباط ذلك بعوامل سياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية، تؤدي عبر تفاعلها أدوارا، تسهم في استقرار المجتمع. إضافة إلى تنامي الإحساس، بالدور الذي يمكن أن يسهم به الإعلام السمعي البصري في المنظومة المتكاملة للعمل الأمني. هناك مجموعة من المعوقات التي تواجه أجهزة الإعلام السمعي البصري، خاصة عند تغطية الأزمات الأمنية من أبرزها: 1 - الافتقار إلى فلسفة إعلامية أمنية واضحة ومحددة المعالم، كنقص النظريات والأسس، والاستراتيجيات التي تشكل إطار الفكر الايدولوجي، الذي يقوم عليها الإعلام. فضلا عن ضعف الخطط الإعلامية وتضاربها مع الخطة الأمنية، وعدم وضوحها أثناء الأزمات الأمنية. وعدم مراعاة الخطة الإعلامية، للخطوات الواجب اتخاذها، قبل وبعد و أثناء الأزمات الأمنية، كل ذلك يحول دون تغطية الأزمة الأمنية بنجاح. 2- نقص الموارد المادية والبشرية لأجهزة السمعي البصري، يؤدي إلى ضعف تغطية الأحداث للازمة الأمنية، وقلة الخبرة لدى بعض الإعلاميين العاملين في المجال الأمني، مما يؤدي إلى غموض في الأزمات الأمنية، فعلى الرغم من التزايد الواضح في عدد المحطات البث التلفزيوني والإذاعي في الآونة الأخيرة، إلا إن هناك قصور وقلة في عدد البرامج الإعلامية الأمنية التي تستهدف تأمين المواطن ضد التيارات الوافدة. 3- إحجام خبراء الإعلام و مسئولي الأمن عن التشخيص الحقيقي للأزمة يحول دون تغطية الأزمة إعلاميا بنجاح. 4 - عدم وجود إستراتيجية إعلامية واقعية ذات برامج وخطط تتواكب مع الإعلام العالمي، وضعف التنسيق بين الأجهزة الإعلامية والأمنية خاصة في مجال وضع وتنفيذ الإستراتيجيات ومهددات الأمن القومي. 5 - ضعف الاهتمام بالتوعية الأمنية والتأهيل الإعلامي المتخصص في القضايا الأمنية. 6 - صعوبة الحصول على معلومات وبيانات دقيقة وحديثة، من شأنه أن يؤدي إلى عجز الأجهزة الإعلامية عن تقديم صورة متكاملة عن حالة الأمن وجهود الأجهزة الأمنية في دعم الأمن والاستقرار. وضعف توصيل رسالة الأمن المجتمعي ومساهمة المواطنين وفي إرساء دعائم الأمن، وعدم إطلاع قادة الأجهزة الإعلامية والصحفية على حجم المخاطر الأمنية المحيطة بالبلاد وتحديات الاستقرار الأمني. لذلك ينبغي أن تدرك أجهزة الأمن ووسائل الإعلام في الجزائر، ضرورة التعاون في مجال التوعية الأمنية، وأن تجرى معالجة موضوعية عميقة للظواهر الأمنية، ويتم ذلك من خلال برامج حوارية مستمرة، تتضمن حوارات فكرية، يشارك فيها كل المتخصصين والخبراء، سواء كانوا حكوميين أو غير حكوميين، لأن القضايا الأمنية تعد قضية مجتمع، ويمكن لأجهزة الأمن أن توفر المعلومات التي لديها، حول كل ما يتعلق بهذه القضايا الأمنية، لأن مثل هذه المعلومات تسهم في توعية المجتمع. لذلك ينبغي التواصل والتعاون بين أجهزة الأمن وأجهزة الإعلام المختلفة من خلال: تنظيم محاضرات وندوات للجمهور ( طلبة – هيئات – مؤسسات خاصة – مراكز تطوعية – جاليات .... الخ ) لتثقيفهم أمنياً، وتوعيتهم من أخطار الجريمة وسبل الوقاية منها . •دعم الاتصال المباشر بجميع شرائح المجتمع، من خلال وسائل الاتصال المسموعة والمرئية، والإعلام الالكتروني كالانترنت وخدمة الرسائل النصية (SMS) •تفعيل دور الإعلام في التوعية الأمنية، لأولياء الأمور في المدارس والجامعات عبر رسائل البريد الالكتروني. رصد وتحليل ما تطرحه وسائل الإعلام المختلفة، ومحاولة التعرف على الاتجاهات السلبية، وسلوكيات أفراد المجتمع وإجراء الاستبيانات وتحليلها. •التنسيق مع وسائل الإعلام، والأجهزة المعنية، بشأن تحصين المجتمع بغرس القيم الدينية، واتخاذ التدابير اللازمة للحد من الآثار السلبية للبرامج الإعلامية التي تروج للجريمة. مد وسائل الإعلام بكافة المعلومات اللازمة، حول الظواهر والقضايا الأمنية، ومتطلبات التوعية المناسبة بشأنها. •إيجاد آلية دائمة، للتعاون بين الأجهزة الأمنية ووسائل الإعلام في مجال التوعية الأمنية، من خلال لجان وطنية تضم ممثلين للعديد من الوزارات وأجهزة الدولة مثل وزارات : الداخلية، الإعلام، العدل، الأوقاف التربية والتعليم أساتذة الجامعات وغيرهم. •تقديم برامج حوارية، تعتمد على الحوار الفكري، لمناقشة القضايا الأمنية من كافة جوانبها يشارك فيها خبراء اجتماع، وعلم نفس، وأمن، ورجال دين، ورياضيين، ومواطنين عاديين، وغيرهم، وتداول الأفكار والآراء بشكل واضح، يسهم في التوعية الأمنية . تعميق الشراكة مع الإعلام الديني، وإدارة الدعوة والإرشاد بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، لتحقيق إستراتيجية الأمن الشامل، وبث روح التعاون، وإذكاء وعي المجتمع ضد أخطار الجريمة. •نشر قيم الإسلام الحنيف، التي تنبذ العنف والجريمة بكافة الوسائل وخصوصاً غير المباشرة، مثل البرامج الحوارية أو الأعمال الدرامية. اضطلاع وسائل الإعلام بدورها، بشأن تنمية الحس الأمني للمواطنين، وتشجيعهم على المشاركة الفعالة في المنظومة الأمنية وإسهامهم في منع ومكافحة الجريمة. •تضمين البرامج والمواد الإعلامية المختلفة، قيم الحفاظ على الأمن والسلام الاجتماعي والتماسك الأسرى والانتماء والحفاظ على الهوية الوطنية. •تضمين بعض الأعمال الدرامية، رسائل غير مباشرة تسهم في التوعية الأمنية للمواطنين، باعتبار الدراما سريعة التأثير على الجمهور لأنها تعتمد على الصورة التلفزيونية، التي أصبحت من إحدى أهم الأدوات المعرفية والثقافية والاقتصادية والإعلامية. والصورة ليست أمراً جديدا في تاريخنا الإنساني، ومع ذلك فقد تأخرت دراسة الصورة - في الجزائر و في الدول العربية - عن دراسة لغتها وقوة تأثيرها. فقوة الصورة تكمن في اللاشعور، باعتباره مفككا كالصورة، ومبنيا كاللغة، لأن التصوير والمتخيل، يترابطان يبعضهما البعض. تتخلل الصورة الكون كله كلغات مركبة، حيث حولت العالم إلى مساحة كمساحة راحة اليد. ولعلّ جماهربتها تسعف في تمثل منحاها الأيديولوجي، الذي تبنيهوفق ما تطرحه من رؤى، تتعدد جميعها في سبر أغوار الذهن والعقل والعين. تكمن قوة الصورة في إيصال الرسالة الإعلامية من حيث: •البصر: البصر هو أهم وأكثر حواس الإنسان استخداماً في اكتساب المعلومات. •قوة الصورة تنطلق من مفهوم التصديق والتكذيب، لأن الرؤية البصرية هي أساس التصديق، ولذلك يقال «ليس من رأى كمن سمع»(6). والمثال على ذلك الصور الخاصة بثورات الربيع العربي. حيث بدأ المشاهدون يميلون إلى عدم تصديق الصور الآتية من مناطق الصراع، خاصة وأن المشاهدين الآن، باتوا على علم بأن هذه الصور تُستَغل في صناعة القرار السياسي. ومن يعاني من هذا الموقف السلبي، هم «الصحافيين المواطنين»(7). في سوريا مثلا، الذين يخاطرون بحياتهم لتقديم سيل من الصور، ومقاطع من الفيديوتوثق المظاهرات للعالم بأسره على الإنترنت، إلا أنَّها تفتقد إلى المصداقية. •الصورة تخاطب كل البشر، المتعلم والأمي، الصغير والكبير، وتكسر حاجز اللغات، لذلك فهي الأوسع انتشاراً. تختلف الصورة عن الكلمة المنطوقة أو المكتوبة، لأنها ترتبط بشيء ملموس ومحسوس ومحدد، والكلمة مرتبطة بشيء تجريدي غير ملموس، ويتصف بالتعميم. تختلف الصورة عن الكلمة المكتوبة في سهولة التلقي، لأن القراءة تتطلب التأمل وإشغال الذهن، أما الصورة فلا تحتاج جهداً ذهنياً كبيراً لتلقيها. •الصورة تختلف عن النص المكتوب، الذي يتطلّب تفكيك العلاقات القائمة بين الكلمات، بجهد وتركيز وبطء، بينما الصورة تعطي الرسالة دفعة واحدة. من أجل ذلك انتشر المثل المشهور الذي يقول: «إن الصورة تساوي ألف كلمة». لكن الصورة لا يمكنها الاستغناء عن الكلمة، فبينما تحوِّل الصور القارئ إلى مُشاهِد حائر ومتسائل، تتكفل النصوص بجعله يتعاطى مع الأحداث التي تحملها. وأخذت الصورة في التلفزيون بعداً جديدا،ً يزيد على الصورة الثابتة، فهي صورة حيّة تتكلم وتتحرك، وهذا أعطاها فعلاً تأثيريا إضافياً، بسبب تكوينها التقني، وبلاغتها التكنولوجية، وإشباعها بالألوان الأصوات والمؤثرات، بحيث تستفز أحاسيس المشاهد البصرية والسمعية، وتستحوذ عليه. لقد تفوق التلفزيون على كل وسائل الاتصال والإعلام الأخرى، بسبب سطوة الصورة المتحركة، التي تصل إلى البيت وإلى غرفة النوم، وإلى جهاز الكمبيوتر، وجهاز الهاتف المتحرك. إن الصورة التلفزيونية المتحركة، ببهائها وألوانها الزاهية جذابة ومغرية، توحي بالاسترخاء، وتمنح متعة التلقي. وهي بالغة التأثير، بسبب سرعتها الخاطفة، وتعاقبها الشديد، فلا يجد الذهن وقتاً للتفكير والتمعن والتأمل. من أجل ذلك أصبحت الصورة الحية، أكثر الوسائل الإعلامية إقناعاً، وقدرةً على التأثير. فغرض الصورة التلفزيونية هو تبني جزء من الحقيقة يكون أكثر لمعاناً و معالجة، وتكرّسه عبر كافة وظائفها، فيعمل القائمين على معالجة الخبر، على الاشتغال على حجم وزوايا الصورة، وعلى تعميم ذلك الجزء، ويلتفون حول تلقيه بكثافة في العرض وتكراره في مواقيت مختلفة. والمثال على ذلك ما يظهر بشكل لافت في المتابعات الإخبارية، فحجم المساحة التي تغطيها الكاميرا والزاوية التي ترصدها خلف المراسل، تشير تماماً إلى حجم الحقيقية، التي تريد هذا الكاميرا نقلها، أو الزاوية التي تريد منها النظر إلى الحقيقة!!. من هذه الزاوية، نعتبر أن الصورة ما هي إلا مجموعة من الانحرافات عن الحقيقة، لأنها لا تؤكد كل شيء بقدر ما تؤكد موقف وزاوية في الرؤية. أما النص الذي يرفقه المراسل للصورة، يأتي لمساندة الجزء الذي ركزت عليه الصورة ضمن الحقيقية التي تمّ اختيارها ويأتي أيضا لمنع أي التباس يمكن أن ينشأ حول أهداف الصورة. كأن تركز الكاميرا على مساحة ضيقه، تبين فقط مشهد الدخان أو العنف أو التعذيب، بحيث لا تتسع الصورة إلى خارج هذا المشهد، حتى لايظهر المارة وهم يسيرون بكل هدوء. هذا لا ينفي أن تكون هناك محطات تلفزيونية، تعطي للصورة مساحة أكثر اتزانا،ً حين تعالج حدث ما حيث يمكن أن نجد العديد من التعبيرات المتجاورة، ودون إفراط، يمكن إيجاد عدد من الزوايا في الصورة. إن الصورة تتسع للموقعين وبإطار منضبط لا يُفرط في تبني زاوية واحده بقدر ما يتنقل بينهما بحيث يمنح خصوصية لصورة أبو ظبي. الصورة منطقة خلق الدلالات، تتأكد هذه العملية في التقارير الخبرية المصورة، حيث يتركز التلقي بشكل كامل على الصورة، ويدفع الصوت من دلالتها حتى الحد الأقصى، إن التقرير المصور هو تكثيف لفكرة بناء الحقيقة الإعلامية اعتماداً على عدسة الكاميرا وعمليات مونتاجها.. إن الصور المتلاحقة التي لا تتيح للمتلقي عملية التفحص تقوم بتصديع تماسكه، وتبني جاذبية هائلة تُمحور فيها انفعالات المتلقي حول مجموعة من مقولات الصورة، وحول نمط بنائها، وما تريد تركيز الإشارة إليه، وتكريسه. ويعمل الصوت على إضافة البلاغة الكفيلة برفع عتبة الانفعال، وإلغاء محاولة التركيز، مما يتيح إمكانية أعلى لنشاط الصور، وبالتالي خلق انحرافات مؤكدة، عن مجموعة حقائق سابقة، باتجاه حقائق جديدة، تقود نحوها الصورة الذكية، التي تصنعها العدسة التلفزيونية ومن يقفون خلف تحديد زواياها ومراميها. فحين يتعلق الأمر بالصورة، يكون الكلام هو الجزء الميت من الحقيقة التي تقولها. وظفت القنوات العربية قوة الصورة التلفزيونية عندما غطت أحداث ثورات الربيع العربي، حيث دعت المشاهد العربي - على مدى أربع وعشرين ساعة متواصلة - لمتابعة بالصورة الحية، عن طريق البث المباشر مسلسل الأحداث، وما كان على المشاهد، المتابعة المستمرة ليشارك بنظره، في أحداث تعذّر عليه المشاركة فيها بصورة فعلية. فشدّت انتباهه تلك الأحداث، التي أيقظت فيه نزعة الموروث الشعبي التي كانت مخزنة في لا شعور المواطن العربي، المنبهر بقصص وحكايات البطولات العربية الضاربة في التاريخ، وتشبع الجماهير العربية بنظرية المؤامرة. الحقيقة أن القنوات العربية، ركزّت على الصورة دون التركيز على المضمون، فكانت النتيجة أن المشاهد العربي اندمج بالمؤثرات والحركات والمشاهد التي تحاكي العاطفة وتخاطب الغريزة، وأهمل إعمال الرأي والتحليل والمناقشة، ومنعته من وضع تصور واضح للمستقبل الذي بدا شديد السواد. ذلك أن القنوات التلفزيونية قدّمت الصورة على الفكرة، واهتمت بالمظهر وأهملت الجوهر، ونقلت الحدث مترافقاً بالكثير من المؤثرات وبالقليل من الحقيقة. ويوماً بعد يوم بدأ تحدث عملية تضخيم إعلامي مترافقة مع عملية شحن مذهبي وطائفي لمجابهة تواضع التأثير على الأرض، الأمر الذي فرض التكرار الذي أدى إلى إفلاس هذه القنوات وإصابة المشاهد باليأس والملل، والخوف والوجل، من الواقع الذي صورته له هذه القنوات.ففشلت بالتالي القنوات العربية، في تشكيل رأي عام عربي موحّد، متماسك وقوي، تجاه أحداث الربيع العربي، أو أي حدث آخر يقع في الوطن العربي، من شأنه أن يؤثر في مصير شعوب المنطقة. وفي المحصلة، نرى أن المناخ الذي ترافق مع ظاهرة «الربيع العربي»، قد لعبت فيه قنوات تلفزيونية عربية دورا سلبيا، قد خلق جوا من الفوضى داخل مجتمعات المنطقة العربية، وهياً الفرصة المثالية، لهدر طاقاتها البدنية والعقلية، لتتحول إلى عملية استنزاف لمواردها المادية والبشرية، ولتؤدي في نهاية المطاف، إلى إغراق مجتمعات المنطقة العربية، في دوامات من الصراع، تقطف ثماره القوى الطامعة بالسيطرة على موقع وخيرات المنطقة العربية. ولأننا ندرك جيدا حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الاعلام، خاصة السمعي البصري، باعتباره يعبر عن أمال وتطلعات أي شعب، كما و أنه وسيلة من وسائل النضال، فإن الإعلام الحر والنزيه، تكون الحقيقة غايته، والموضوعية أسلوبه في الأداء. ولما كان الاعلام بهذه الاهمية، فلابد ايضاً للحكومات، من مراجعة كاملة، وإصلاح شامل لهذا القطاع، من خلال رسم إستراتيجية إعلامية، تأخذ في الحسبان تطوير المحتوى والمادة الإعلامية، وإدخال وسائل إعلامية حديثة، وكذلك مراعاة التغييرات والمستجدات الإقليمية والدولية، وإطلاق العنان لحرية التعبير. وفي دراسة لباحثين بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، هما جيمس بوتسلويوست فان دير زفان، يقول بوتسل: « تنص النظرية التقليدية على أن تأتي عملية إرساء الإعلام المستقل، في مركز جهود تدعيم الأمن وإدارة الحكم والتنمية بعد الأزمات» 8. المراجع: 1- د سعد بن علي الشعراني. دور الاندية الامنية و العسكرية في التوعية الامنية ضمن كتاب : دور مؤسسات المجتمع المدني في التوعية الامنية. جامعة نايف الرياض. 2010 /1431 2- د . عبد الله بن عبد العزيز اليوسف.لمؤسسات المجتمعية والأمنية : رؤي مستقبلية. ندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض من 21/2 حتى 24/2 من عام 1425ه23/2/1425ه 3- عبد المعطي عبد الباسط .الاعلام و تزييف الوعي دار الثقافة الجديدة القاهرة مصر 1979 4 - جيهان احمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الأعلام دار الفكر العربى للطباعة والنشر, 1978 ابتداء من ص 50 بتصرف. 5- مجلة الفكر السياسي، الأمن القومي العربي والتحدّي العلمي، اتحاد الكتاب العرب بدمشق، السنة الثانية، العدد السابع، صيف 1999، ص: 32- 51. 6- د. محمد سعد ابوعامود، الإعلام والسياسة في عالم جديد، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2008. الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير العدد 28 (18 يوليو 2006). 7- COMPRENDRE COMMENT LES MEDIATS COUVRENT LE CRIME: CRIME: Centre canadien de ressources pour les victimes de crimes 8- Mediatiser ou média-attiser le crime :Michaeldentine revue de la faculté de droit de l'université de liège 2009 p2