اعطى ادوارد مورتيمر الاستاذ بجامعة هاذر فورد الامريكية صورة دقيقة عن السياسة الخارجيية في عهد الرئيس اوباما، محللا الاسباب والابعاد للتغيير الذي يحتل اولوية قصوى في البيت الابيض. واحتل مكانة متميزة في الخطاب السياسي للرئيس الجديد طيلة حملته الانتخابية التي شدت الاهتمام.. وفتحت نقاشات لم تتوقف على مستوى اكثر من دائرة سياسية، ومركز صنع القرار. وذكر مورتيمر الذي يهتم بالشؤون الجزائرية، ويحمل صورة عن المتغيرات التي تعرفها والظروف التي تعيشها، وتطلعاتها لبناء دولة قوية متفتحة على محيطها تتأثر به، وتؤثر فيه، بجملة من الحقائق التي تثبت بالملموس، ان اوباما، يتمتع برؤية اخرى مناقضة الى حد كبير مع من سبقه في الحكم. ويتعلق الامر، بالرئيس جورج ولكر بوش، وهي نظرة تريد اعادة المجد الامريكي، والقوة الامريكية، والنفوذ بأسلوب مغاير اكثر هدوء. ورزانة واستقامة. وبفضل اسلوب الخيار السياسي في تسوية المشاكل مهما كبرت وتعقدت بعيدا عن العسكري، الذي اتبعه بوش، وادخل البلاد في ازمات ساخنة ودوامة لامخرج منها.. من افغانستان الى العراق، مرورا ببؤر توتر اخرى. وتحت هذه السياسة التي وجهها عسكريون وسياسيون متشبعون بلغة القوة دون سواها، وجدت امريكا نفسها سجينة وضع معقد، صنعته لنفسها لم تنجح في تذليل عقباته، وكونت اعداء لها بعدما كانوا حلفاء وشركاء في كل مكان. وفي هذا التوجه الدنكيشوتي، تشن الولاياتالمتحدة حربا شعواء ضد ارهاب، لم تحدد مصطلحه ولن تحسم مفهومه وصار من يخالفها الرأي، يدرج في قائمة الارهاب، يحاصر او تعلن عنه الحرب، وصار الاختلاط فضيح بين مصطلح الارهاب وحركة التحرر التي تستمد شرعيتها من حق استعمال القوة المسلحة في تقرير مصيرها، تماما مثلما استعملته امريكا، واصبحت تؤرخ للمعمورة وبها يصنع القرار الدولي وتحدد الخيارات. اوباما، الذي يحمل شعار »التغيير الآن«، يتسلح بافكار ومبادرات تعاكس هذه السياسة التي توظف القوة العسكرية في تسوية المشاكل، وضرب من يعارض ذلك. يحمل اوباما سياسة بديلة، نجعل الخيار العسكري، آخر الحلقات بعد عجز الدبلوماسية والاقتصاد والدوائر الاخرى. ويرى ان قوة امريكا ونفوذها المهتزة تحت مغامرة من سبقه، يعيد بناءها بالخيار السياسي، وكسر الممنوعات والحواجز، والانفتاح قدر الممكن على الخصوم، ومحاورتهم في تجاوز الاختلافات والتوتر. وتحدث عنها البروفيسور مورتير بتمعن، امس، بمركز الشعب للدراسات الاستراتيجية. وقال ان الرئيس ذي الاصل الافريقي، لم يتوقف لحظة عن المطالبة بالتغيير. ومخاطبة الآخر بالتي هي احسن، بعيدا عن لغة التهديد والوعيد التي ابقت العالم يغلي كالبركان، وجعلت من مناطقه الساخنة بؤر توتر دائمة،، وولدت رأي عام مسكون بالتطرف، ومشحون بافكار عدائية لواشنطن مصدر القلق المزمن. وتظهر ملامح التغيير في سياسة اوباما الخارجية، في مبادرته بلا تردد وبروتوكول، الى الحوار مع اكثر الدول وصفت بالعدائية سابقا، وادرجت في قوائم الارهاب، وماتفرضه من تدابير مواجهتها.. وتصدرت الدول التي وصفت سابقا »بمحور الشر«، ايران، وكوريا الشمالية وغيرها. وحسب مورتيمر، فان اوباما الذي يعمل على مد جسور مع هذه الدول، يريد منها لعب دور مساعد في تهدئة توترات المنطق الشرق اوسطية، واستقرارها، اكبر من محاصرتها واحاطتها بسياج من المكروهات.. ومثلما اسند الدور لايران في بناء العراق واستقراره، اسند الدور كذلك لتركيا، للقيام بذات المهام في الشرق الاوسط، بصفة تساعد على تسوية مقبولة للنزاع بين الفلسطينيين والاسرائيليين، واقامة دولتين مجاورتين متعايشتين. ويركز اوباما في تجسيد التغيير على شخصيات سياسية، اسند لها حقائق مهمة في طاقمه الحكومي، متشبعة بالنظرة الدبلوماسية، معطية لها الاولوية في كل شيء.. وتتحرك هذه الشخصيات جريا وراء التهدئة بمنطقة ساخنة. لكن هذه السياسة تظهر وكأن التغيير فيها في الشكل اكثر من المضمون وتستدعي من الرئيس اوباما، مزيدا من الجرأة والحسم تجاه تعقيدات قائمة وقضايا مطروحة منها فلسطين، والصحراء الغربية. بالنسبة للاولى، كشف اوباما، اكثر من مرة عن الحلف المقدس مع تل ابيب والعلاقة المستمرة، لابقاء الدولة العبرية في مركز التفوق الدائم على العرب الذين لم يتوقفوا عن ابداء التنازلات المجانية. واعلنوا مرارا عن تمسكهم بمبادرة »الارض مقابل السلام« والثانية، تستدعي مبادرة جريئة من اوباما، تدعم حق تقرر مصير الشعب الصحراوي، اكثر من مساندة الموقف المغربي المتنكر لهذا الحق، والمروج لحلول اخرى تصب في »مغربة الصحراء« وهو طرح يناقض ماقررته الشرعية الدولية. وتعمل على تجسيده في الميدان، وفق المبدأ المقدس تصفية الاستعمار.