مثلما كان متوقعا فاز المترشح عبد العزيز بوتفليقة في الاستحقاق الرئاسي بأغلبية ساحقة لمواصلة تنفيذ البرنامج الطويل الذي وضعه للحقبة الخماسية القادمة غايته تعزيز الصرح المؤسساتي والتنمية الوطنية اكبر الرهانات وأقواها بجزائر تشق طريقها نحو البناء والإنماء وتجاوز تداعيات عشرية سوداء، وهي عشرية لا زالت جروحها محمولة في الذاكرة والضمير الحي. وتجاوب المواطنون الذين يرون في بوتفليقة الأمل المنشود في التكفل بالمشاكل المتراكمة، مع برنامجه الانتخابي في إقامة جزائر قوية أمنة، وهي مهمة تكفل بها منذ اعتلائه السلطة في وقت صعب وضعت الجزائر فيه تحت حصار غير معلن من ڤجماعة شنغنڤ، وسياسة التعديل الهيكلي الطويلة المتعبة. وتعهد آنذاك بإعادة الأمل المفقود والطمأنينة للنفوس الحائرة بوقف نزيف الدم عبر الارتقاء بالوئام المدني إلى المصالحة الوطنية وجعلها ممارسة يومية وثقافة في الأذهان أكثر من اعتبارها مجرد شعار للتباهي والبريستيج. تجاوب المواطنون مع هذه السياسة عبر التصويت المكثف بمكاتب الاقتراع على المترشح بوتفليقة، كاشفين عن علاقة ثقة معه، تزيده عزما على مواصلة تجسيد ما وعد به من مشاريع وانجازات تحمل قيم لا تقدر بثمن. ولم يأب المواطنون بحملات المقاطعة التي تولتها حساسيات سياسية معروفة بالكرسي الشاغر وإدارة ظهر لكل شيء تطبيقا للقاعدة السلبيةڤ معزة ولو طارتڤ . وولدت حملات المقاطعة نتائج عكسية لم تخطر على بال صاحبيها ومردديها الرافضين فكرة تكسير الجزائر للأبوة والوصاية وقطع على نفسها العهد في التحرر والبناء، اعتمادا على استقلالية القرار السياسي والسيادة الوطنية دون أملاءات واكراهات خارجية. ويجب الاعتراف بان الحملات التحسيسية كان لها الدور البارز الحاسم في كسر المواطنين حاجز التردد ونسج علاقة مصداقية مع التوجه السياسي الايجابي وإقرار مبدأ التصويت باعتباره حق دستوري مكفول ، وترجمة عملية لروح المواطنة، والاختيار الحر لمن هو انسب لقيادة البلاد والعباد وحمل الهموم والانشغالات. بهذه الطريقة كسر المواطنون في كل ربوع الوطن حالة المقاطعة التي زجوا فيها من تشكيلات سياسية دأبت على الخطاب التيئيسي المشكك في كل شيء المردد بملء الفم ڤ أن الجزائر لم تتحرك ولم تنطلق.. كل الأمور بها جامدةڤ أو بالتذكير عبر خطاب نقيض ڤ ما دارو والوڤ . ولم تتأخر منطقة القبائل عن الركب هذه المرة مبدية عزيمة الاندماج في الصيرورة الوطنية بدل الإبقاء على خيار القطيعة معها إلى ابعد حدود وأوسع أفق، فجاءت نسب المشاركة في بجاية وتيزي وزو مرتفعة أعلى من المألوفة في الانتخابات السابقة رغم محاولات التأثير على مجرى الاقتراع والاعتداء على مكاتب التصويت دون جدوى. وكشفت منطقة القبائل التي انتفضت على الوضع الستاتيكي الجامد أنها تريد الذهاب إلى الأبعد في مسيرة التنمية وتحتفظ بحقها في البرامج والمشاريع بدل البقاء رهينة حسابات سياسية ضيقة أضرت أكثر ما نفعت. أنها حقيقة توقفنا عندها أثناء الحملة الانتخابية بالقصر ببجاية ، وايعكورن وتيزي وزو حيث التمسنا لدى المواطنين قوة التجاوب مع الروح الانتخابية أكثر من المقاطعة التي أبقت المنطقة أسيرة الجمود والتأخر بعد الظروف الصعبة التي عاشتها. ولمسنا كذلك طلبات ملحة وانشغالات مرفوعة حول ضرورة المزيد من الجهد في تسوية مشاكل الشغل والتربية والتكوين والصحة والسكن وغيرها.. وهي كلها تحديات للمترشح بوتفليقة الفائز بعهدة ثالثة بامتياز. وهو الذي وعد بفعل ما في المقدرة من اجل إعطاء وتيرة أسرع لحركة النمو والتطور، وعلاج المشاكل المتراكمة بروح المسؤولية تتناسب والثقة الممنوحة فيه للمرة الثالثة على التوالي.