أوضح الدكتور محند برقوق الأستاذ بجامعة الجزائر أن العهدة الرئاسية الجديدة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة ستكون عهدة تاريخية بإرسائها لديمقراطية جزائرية تعبر فعلا عن القيمة التاريخية للثورة الجزائرية من جهة وعلى الأولوية المواطنية للفعل السياسي الجزائري من جهة أخرى، مضيفا في حوار ل " صوت الأحرار" أن النظام السياسي المرتقب سوف يكون نموذجا للمنطقة المغاربية والعربية، كما أوضح أن الأولويات السياسية لبوتفليقة سوف تتمحور حول مأسسة نظام سياسي ديمقراطي ذي طبيعة رئاسية يتميز بالمرونة على المستوى الوظيفي وبالفعالية على مستوى الأداء السياسي . *ما هي القراءة السياسية للنتيجة التي حصل عليها المترشح عبد العزيز بوتفليقة والتي جعلته يتصدر المترشحين بفارق كبير، بعد أن انتخب بنسبة فاقت ال 90 بالمائة؟ اعتقد أن فوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعهدة رئاسية ثالثة وبقرابة 13 مليون صوت يؤكد حقيقتين اثنتين، أولاهما: المهنية الكبيرة التي تميزت بها الإدارة المشرفة على الحملة الانتخابية والثانية مرتبطة بقناعة الناخب الجزائري بأصلحية المترشح عبد العزيز بوتفليقة وبرنامجه الانتخابي إلى جانب الرغبة في الاستمرارية في تعزيز الأمن ودعم مسار التنمية. إن الطبيعة التعددية لهذه الانتخابات واختلاف برامج ومسارات المترشحين قد أثرت فعليا على مستوى الأداء الانتخابي لكل مترشح، فالمواطن قد اختار منطق الاستمرار على فكرة التغيير، فحصول المترشحين الخمسة الآخرين على نسبة 76.9 بالمائة من الأصوات يكشف ثلاثة حقائق سياسية، تقوم على أساس أن الأحزاب المساندة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة بقيت هي أساس التركيبة الحزبية في الجزائر في ظل تراجع وتواجد الأحزاب الصغرى وعدم قدرتها على التعبئة والتجنيد. كما أن تراجع التيار الإسلامي الذي تحصل على نسبة 2 بالمائة من الأصوات، مما يعكس فعليا تحول في البنية السياسية الفكرية للمجتمع، كما أن التصويت الذي كان مقبولا على مستوى بجاية وتيزي وزو يعكس بداية نهاية الأحزاب الجهوية وتنامي منطق التفكير السياسي المواطني والديمقراطي. ويبقى أن الحقيقية السياسية الثالثة التي تؤكد الغلبة للمترشح بوتفليقة تعود أساسا إلى ضعف التحضير المادي والتواجد الإعلامي لباقي المترشحين قبل بداية الحملة الانتخابية وهذا ما جعل المدة المخولة للحملة الانتخابية غير كافية لإنتاج قناعات انتخابية جديدة ويفسر بذلك فكرة الاستمرار انطلاقا من قناعة تفيد بجدوى دعم حركية التنمية. * تحصل بقية المترشحين على نتائج هزيلة جدا بالنظر إلى الفارق بينهم وبين المترشح بوتفليقة، ألا يعطي هذا في رأيكم بعض المبررات لمن أحجموا عن الترشح للرئاسيات؟ إن الحديث علميا عن أوزان ثقيلة مارست السياسة حتى بداية التسعينات هو بحد ذاته مغالطة علمية بحكم أن الجزائر عرفت جيلين انتخابيين جديدين، وأكثر من ذلك فإن أكثر من ثلت الناخبين الجزائريين لم ينتخبوا قبل سنة 1995، أي بما يعني أنهم لم يشاركوا إلا في ثلاثة استحقاقات رئاسية التي تمت في 1995، 1999، 2004، بالإضافة إلى المشاركة في ثلاثة استحقاقات تشريعية تمت في 1997، 2002، 2007. ومع وجود منطق حزبي لا ينتج دوما حركية النخبوية بقيت الأسماء السياسية هي تلك المشاركة في هذه الاستحقاقات، ولا يجب أن ننسى إن هذه الانتخابات كانت قائمة على مبدأ الحق في الترشح بما يكفله القانون وحسب الشروط المحددة في الدستور وفي القانون العضوي للانتخابات، فلا يجب الحديث عن إقصاء لأسماء أو لأحزاب أصلا لم تبد رغبتها في المشاركة. ** إذا قدمنا قراءة في نتائج بقية المترشحين، فما الذي يمكن أن يلاحظ؟ بالنسبة لهذه النتائج يمكن القول إن ممثل الجبهة الوطنية الجزائرية قد تراجع مقارنة بنتائج الحزب في الانتخابات التشريعية والمحلية الماضية، وهذا راجع إلى استراتيجية تنظيم الحملة الانتخابية لهذا المترشح التي لم تكن موفقة كثيرا على مستوى طرح الأفكار وتقديم مشروع برنامج واقعي ومقنع، أما المرتبة الثانية والتي عادت إلى المترشحة لويزة حنون فهي نتيجة منطقية بالنظر إلى مثابرة لويزة حنون وحزبها في العمل السياسي الجواري وتواجدها الإعلامي المكثف ونضالها المستمر وهو ما خلق مصداقية خاصة عند النساء وبعض الفئات الشبانية التي اهتمت بتركيز حنون على توفير مناصب الشغل و الإصلاحات الاقتصادية المدعمة للقطاع العام والمنتجة لمناصب العمل، أما جهيد يونسي فهو بالأساس شخصية ثانية في حزبه، وثانوية في الحركة الإسلامية، وهذا ما جعل قدرته على استقطاب الناخب الإسلامي ضعيفة خاصة مع وجود مشاركة لحزب فسلامي آخر في الجهة المدعمة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أضف إلى ذلك تراجع الخطاب الإسلاموي في الجزائر وعدم قدرته على التعبئة الاجتماعية. ** في رأيكم ما هي أسباب تراجع التيار الإسلامي في الجزائر ؟ بالنظر إلى الانتخابات السابقة منذ عام 1995 لمسنا تراجعا مستمرا في الأداء الانتخابي للأحزاب الإسلامية، سواء ما تعلق منه بالانتخابات الرئاسية السابقة والحالية أو التمثيل في البرلمان والمجالس المنتخبة المحلية، وهذا راجع إلى عدم قدرة الأحزاب على إنتاج أفكار مسايرة للتغيرات التي عرفها المجتمع الجزائري منذ التسعينات، وكذلك رفض المجتمع لأية تصورات يشوبها تطرف عقدي أو قيمي خاصة مع وجود توجهات أكثر للمواطنين نحو منطق ديمقراطي ووطني قوامه التسامح والاختلاف والحوار مع رفض أي احتكار للحقيقة أو أي تقديم لأي برنامج على أنه الحقيقة المطلقة فالإسلام السياسي في الجزائر يعرف عدا تنازليا يبرر فشله في إنتاج نخبة سياسية ذات قابلية على التكيف مع هذه التحولات المجتمعية والسياسية، فهناك توجه أكثر لدى عدد من الناخبين الإسلاميين إلى تصورات ديمقراطية واجتماعية مما يعكس هذا التحول الكبير في مساندة برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. * * بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات مستوى قياسيا مقارنة بالاستحقاقات السابقة متجاوزة 74 بالمائة ، كيف تقرؤون ذلك؟ في اعتقادي فإن نتائج الانتخابات من حيث نسبة المشاركة كانت مفاجأة من حيث تعديها مستوى 60 بالمائة وذلك مقارنة بالاستحقاقات الانتخابية التشريعية والمحلية لسنة 2007 واليت لم تصل إلى نسبة 40 بالمائة وكذا الانتخابات الرئاسية لعام 2004 والتي كانت دون 60 بالمائة، وما جعل هذه النسبة ترتفع إلى أكثر من 74 بالمائة هي ثلاث متغيرات أولها كون أن الحملة الانتخابية كانت جد نشيطة من طرف كل المترشحين، ثانيها أن العمليات التحسيسية الجوارية لوزارة الداخلية الخاصة بالانتخابات الرئاسية كانت جد مكثفة، ويضاف إلى ذلك التعديل الدستوري الأخير الذي جعل مؤسسة الرئاسة العمود الفقري للنظام السياسي وبرنامج الرئيس مصدر عمل الحكومات، فلذلك كانت المشاركة أكثر من مقبولة ولكن عالية فاقت المستوى النفسي المحدد ب 60 بالمائة. ** صنع إقبال منطقة القبائل والعاصمة والمدن الكبرى على الانتخاب المفاجئة خلال رئاسيات 2009 ، فما سبب ذلك؟ فيما يخص النسبة المئوية العالية التي تحصلت عليها العاصمة على غرار وهران، عنابة، وقسنطينة، فهذا رجع في اعتقادي إلى تركيز النشاط الجواري خلال الحملة الانتخابية على المناطق ذات الكثافة السكانية العالية، لأن الوعاء الانتخابي غير موزع بشكل أفقي وخطي ولكن أساسا بشكل وظيفي وجغرافي. أما فيما يتعلق بمنطقة القبائل وتخطيها للنسب المتحصل عليها في 2004 والانتخابات التشريعية السابقة، فهي تعبير عملي على تراجع الدور الشعبوي للحزبين الجهويين وكذلك رغبة سكان منطقة القبائل في بناء عهد جديد من المشاركة كأساس للتعبير عن انتماء دائم وأبدي مع الوطن الواحد وهذا بالإضافة الحملة الانتخابية لرئيس الجمهورية التي ركزت على ولايتي بجاية وتيزي وزو، والتي كانت حاسمة في كسر الخطاب السلبي لدعاة المقاطعة. * *هل يمكن أن نعتبر أن نتائج الانتخابات الرئاسية ضربة قوية لدعاة المقاطعة؟ إن النتائج الإيجابية لمستوى المشاركة السياسية تؤكد رفض الناخب الجزائري للمواقف السلبية وفي نفس الوقت و تعبير عملي يؤكد عدم تواجد دعاة المقاطعة على مستوى الساحة السياسية أو قدرتهم على التأثير على الرأي العام، فحتى في المنطقة التي عرفت وجودا لها كانت المشاركة فيها تقارب ضعف ما كانت عليه في الانتخابات السابقة وهذا في حد ذاته تعبير عن خيار المشاركة السياسية لدى المواطن لتثمين الفعالية السياسية لمؤسسة الرئاسة. **يشير بعض المترشحين إلى وجود بعض التجاوزات على مستوى بعض المكاتب الانتخابية، في حين يرد زرهوني بأن هذه التجاوزات المسجلة لا تقوم على دلائل ملموسة، فما مدى تأثير ذلك على شفافية الانتخابات؟ إن الهيكلة الإجرائية والقانونية المنظمة للانتخابات الجزائرية وصفتها الفيدرالية الدولية للأنساق الانتخابية قبل سنوات قليلة بأنها شبه ديمقراطية سواء ما تعلق منها بانتظام الانتخابات بتعدديتها، حريتها، أو نزاهتها، فحتى التجاوزات القليلة التي تحدث عنها بعض المترشحين لا تنفي شفافية وعادات هذه الانتخابات فالبنية التنظيمية للعملية الانتخابية قائمة على مجموعة من الضمانات القانونية، القضائية والإجرائية الضامنة لحضور مراقبين وطنيا وجهويا أو حتى محليا على مستوى اللجنة السياسية الوطنية أو المكاتب أو المراكز الانتخابية، وأكثر من ذلك تمت مراقبة هذه الانتخابات من طرف عشرات الملاحظين ذوي الخبرة في الرقابة الانتخابية من الأممالمتحدة، وعدد من المنظمات الجهوية التي تعتبر الجزائر عضوا فيها، أضف إلى ذلك وجود مئات الصحفيين من الوسائل الإعلامية الجزائرية العمومية والخاصة وأيضا من الصحافة الدولية التي حضرت هذا الاستحقاق، لذلك فالحديث عن التزوير الانتخابي لا يعدو أن يكون أكثر من تبرير فسل مرشحين في إدارة عمليات ترشحهم والدفاع عن برامجهم وكسب قناعة الناخبين. ** يرى بعض المترشحين أن المراقبين الدوليين الذين حضروا لمراقبة الانتخابات الرئاسية تنقصهم المصداقية، فما رأيكم في ذلك؟ في اعتقادي فإن دور المراقبين الدوليين يضفي مصداقية اكبر على هذه الانتخابات خاصة وأن الشروط الديمقراطية للانتخابات متوفرة أصلا، فالعدالة التي وصفت بها الحملة الإعلامية السمعية البصرية للمترشحين فتعتبر في حد ذاتها تعبيرا عن رغبة الدولة في إضفاء شفافية وديمقراطية على الانتخابات، كما أن كل دراسة مقارنة موضوعية للانتخابات منذ 2002 تؤكد عملية دعم مستمر للهيكلة القانونية والإجرائية الضامنة لديمقراطية الانتخابات، خاصة ما تعلق منها بحضور ممثلي مترشحي الأحزاب السياسية، وتسليم محاضر الفرز، مما يؤكد رغبة الدولة في تقديم أكثر الضمانات فعالية ونجاعة لتحقيق انتخابات ديمقراطية، وفي اعتقادي فإن عدم وجود أي تجاوزات ذات معنى تم كشفها من طرف الصحافة دليل قاطع على نجاعة هذه الهيكلة الضامنة. ** هناك من يعتبر أن فوز المترشح عبد العزيز بوتفليقة بعهدة جديدة يوحي بان اللعبة السياسية مغلقة وأن التجربة الديمقراطية مازالت محدودة وغير ناضجة، فما تعليقكم على ذلك؟ التجربة الديمقراطية العالمية تقوم على فكرة التداول التي تنتج عن قناعة انتخابية في صلاحية من ينتخب وذلك بشكل عقلاني وحر وتعددي ولكن حسب فلسفة الفعالية أي القناعة بأن الذي يختار ومن يحقق أكبر قدر من الحاجات والمطالب والتطلعات بأسرع وقت وبأكبر عدالة فالعهدتين السابقتين كانتا كفيلتين بتكوين صورة مقنعة وضامنة حول تخص الرئيس المترشح سواء ما تعلق باستباب الأمن وتعزيزه أو ما كان مرتبطا بالإنجازات الكبرى على المسويات الاقتصادية والاجتماعية فلا يمكن السقوط في فخ الأفكار المضللة والأفكار المرتبطة بالواقع والتي تجعل من تجارب تعددية مثالية وتحصرها بتاريخ قد ولى فلنا برلمان تعددي ،مجالس منتخبة تعددية وخيارات تعددية على مستوى كل الاستحقاقات فإعادة انتخاب رئيس الجمهورية هو تعبير فعلي للمواطن الجزائر على الاستمرار في دعم مسارات التنمية والأمن• **بعض الصحف الأجنبية وبالتحديد الفرنسية منها رسمت صورة قاتمة عن مجريات الانتخابات في الجزائر، بالرغم من التهاني ساركوزي إلى الرئيس المنتخب بوتفليقة، كيف تفسرون ذلك؟ يجب أن نؤكد أن مستوى تواجد الصحافة الفرنسية كان أضعف بكثير من الاستحقاقات السابقة وهذا ما يعني عدم قدرتها على تقديم تصور حقيقي وموضوعي عن واقع هذه الانتخابات، خاصة مع وجود شبه إجماع لدى الصحافة الدولية حول الظروف الحسنة حول هذه الانتخابات فطبيعة العلاقات الجزائرية الفرنسية بحساسيتها كثيرا ما تجعل الصحافة أقل موضوعية، فيما يخص الخصائص الإيجابية للانجازات الجزائرية وهذا ما خالف هذه المرة الموقف السياسي الفرنسي الرسمي الذي رحب بإعادة انتخاب بوتفليقة لعهدة رئاسية جديدة. **أبدت واشنطن تحفظها تجاه الانتخابات الرئاسية في الجزائر، بالرغم من أنها لم تشكك في مشروعيتها، ما رأيكم في ذلك؟ إن الرد الأمريكي على لسان الناطق الرسمي لكتابة الدولة لم يشكك في مصداقية الانتخابات الرئاسية ونزاهتها ولكنه أرجأ عملية إبداء موقف رسمي إلى حين توفر المعطيات حول مجريات العملية الانتخابية في الجزائر، فمن الصعب على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تنفي هذا الإنجاز الديمقراطي المتوافق مع الشروط الدولية الخاصة بتنظيم وإدارة الانتخابات، سواء ما تعلق ببرنامج الأممالمتحدة لتمويل الانتخابات أو ما تعلق بمعايير المعهد الدولي للديمقراطية وإدارة الانتخابات أو أي نسق معياري آخر. ويبقى أن مستوى المشاركة السياسية وضعف الانتقادات المقدمة حتى من طرف المترشحين أنفسهم لهذه العمليات تبرهن وبشكل قطعي على نزاهة وشفافية وحرية هذه الانتخابات، حيث لم يمنع أحد من التصويت ولا أحد من الترشح، فالعملية تنظيميا وسياسيا اتسمت بصفة الديمقراطية، ولذلك فإن المنطق السياسي يملي على الإدارة الأمريكية الوعي بان الجزائر تمثل تجربة رائدة عربيا بل وحتى إفريقيا على مستوى الإدارة الانتخابية، كما أقرتها الفيدرالية الدولية للأنساق الانتخابية سابقا، وأيضا كما أقرته كثير من التقارير السياسية حول الانتخابات السابقة، فهذه الانتخابات عززت التجربة الديمقراطية في الجزائر وفتحت المجال فعليا لجعل منطق الديمقراطية المواطنية أساسا لتنظيم العلاقات بين الحاكم والمحكوم. ** أوضح نور الدين يزيد زرهوني وزير الداخلية والجماعات المحلية أن مصالح الأمن قد تمكنت من إحباط 6 عمليات إرهابية كانت تستهدف التشويش على العملية الانتخابية، فهل يمكن أن نعتبر أن الجماعات المسلحة قد فشلت في ذلك؟ لقد أكدت هذه الاستحقاقات الانتخابية بدءا من الحملات الانتخابية ووصولا على يوم الاقتراع على عدم قدرة الجماعات الإرهابية على التحرك بالنظر إلى الاستراتيجية الأمنية الوقائية التي نفذتها مختلف المؤسسات التي تتدخل في ضمان أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم، فهذا الفشل يؤكد بالأساس تراجع الإرهاب من كونه ظاهرة وتهديدا إلى محاولات ومخاطيء، بمعني آخر، فإن سياسة الدولة الخاصة في مكافحة الإرهاب بالطرق الصلبة "الأمنية" أو اللينة " المصالحة الوطنية" قد أنتجت أرضية لبناء أمن واستقرار خال من التهديد الإرهابي على الرغم من بقاء بعض الجماعات التي ارتبطت بالجريمة وبفلسفة عنيفة منبوذة اجتماعيا ومرفوضة سياسيا ومحرمة عقائديا. **عبد العزيز بوتفليقة انتخب بأغلبية ساحقة، ماذا ينتظر الجزائريون من رئيسهم وما هي رهانات الرئيس المنتخب خلال السنوات الخمس القادمة؟ بالنظر إلى النتائج التي تحققت في العهدتين السابقتين وعلى ضوء البرامج الانتخابية يمكن القول أن البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي زكاه الشعب سوف يحظى بنفس المسار، فالأمن تحقق في العهدة الأولى وتدعم في العهدة الثانية بشكل يسمح بإطلاق مسار تنموي حقيقي للبلاد. وبذلك يمكن القول أن بوتفليقة سيكون أمام أولويات ترتكز أساسا على إجراء تعديل دستوري أعمق من التعديل السابق لتحديد بصفة نهائية طبيعة النظام السياسي الجزائري وطبيعة العلاقات الوظيفية بين السلطات، كما سيتم استصدار قانون عضوي لترقية الحقوق السياسية للمرأة، وكذا دعم مسار المصالحة الوطنية بشكل يتوافق وأولويات الدولة والمجتمع. وستتصدر نقاط أخرى برنامج الرئيس انطلاقا من بناء إستراتيجية وطنية فعلية للإنعاش الاقتصادي لتحضير مرحلة ما بعد البترول، بناء إستراتجية وطنية لترقية الشباب، وكذا بناء إستراتيجية للتعامل مع إشكالية الشغل والبطالة. وفي رأيي لن يخلو برنامج الرئيس في العهدة القادمة من بناء تصور جديد للإعلام والحريات الصحفية في الجزائر، بالإضافة على جعل المجال السياسي العام أكثر حركية سواء فيما يخص الأحزاب السياسية أو "المجتمع المدني"، إعادة بناء منطق أولويات السياسة الخارجية الجزائرية تماشيا مع المشروعية السياسية المتجددة للنظام السياسي ومع الدور السياسي الجديد الذي يجب أن تعلبه الجزائر على المستويات الجهوية والدولية، وسيعمل الرئيس كذلك على بناء إستراتيجية جديدة لتنظيم الدولة تتوافق وشروط الرشادة السياسية، انفتاح النخبة وتكريس فلسفة الاستحقاق والكفاءة. * ما هي أولويات العهدة المقبلة؟ الأولويات السياسية لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سوف تتمحور حول مأسسة نظام سياسي ديمقراطي ذي طبيعة رئاسية يتميز بالمرونة على المستوى الوظيفي وبالفعالية على مستوى الأداء السياسي وكذلك يستوجب تعديل الدستور الجديد لتحديد طبيعة السلطة التشريعية وعلاقاتها مع السلطة التنفيذية مع تفعيل مختلف القرارات التي أنتجها عمل الرئيس فيما يخص إصلاح العدالة لضمان بناء استقلالية القضاء في كنف دولة الحق والقانون، وفي نفس المنحى ومن أجل تكريس مركزية الفرد للمواطن في العملية السياسية، في اعتقادي سوف نرى عددا من التعديلات القانونية سواء ما خص تمكينا أفضل للمرأة من حقوقها، وتفعيلا أفضلا للحركية الديمقراطية للأحزاب، وأيضا استقلالية ومبادرة اكبر للجمعيات المدنية، فبناء الجزائر إذا للاستقرار والديمقراطية سيمر حتما على طريق إرساء نسق سياسي مشاركاتي ضامن للتعددية ومنتج لتداول سلمي على السلطة. وبعبارة بسيطة فإن العهدة الرئاسية الجديدة ستكون عهدة تاريخية بإرسائها لديمقراطية جزائرية تعبر فعلا عن القيمة التاريخية للثورة الجزائرية من جهة وعلى الأولوية المواطنية للفعل السياسي الجزائري من جهة أخرى، النظام السياسي المرتقب سوف يكون نموذجا للمنطقة المغاربية والعربية.