فالوطن له محل من القلب والعقل، والعيش فيه تفاعل معه، والابتعاد عنه اشتياق له، واستقراره أمان، وتنميته استمرار، وترقيته تطور، ومحبته إيمان، والدفاع عنه شجاعة وواجب، ولبلوغ ذلك المصاف وَصْفَةٌ: «تخلص من خوف بجرأة، وتجاوز إلى المطلوب بصدق وأمانة وثِقَةٍ، وعهدٍ بعزم على التحقيق، والنَّصرِ الأكيد في كل الأحوال»، صانعا بذلك مجد الأبطال، وفخر الأوطان، من صبر النساء، وصلابة الرجال، عبر الأجيال ولكل الأجيال، على مدى الزمان. ورايته العالية الخَفَّاقَة هي رمز ل: «هنا»، وأنَّنَا كُنَّا ولازلنا ومازلنا، وَطَنًا نصنع مجدنا، أرضنا هي أرضنا، سماؤها تظلنا، هواؤها يُنعشنا، تلالها العديدة، هضابها المديدة، جبالها الشامخة، أنهارها الجارية، صحراؤها الشاسعة، وبحرها لأفقه اتصالٌ بنجمة ساطعة، هلالنا الكريم يصونها، وخُضْرَةٍ تَسُرُّنا، وأبيض سناؤها لراية جميلة في رمزها بلادي: «بلادي أُحِبُّها». إنها بكل فخر واعتزاز راية الجزائر، وراية الشعب الجزائري الحرراية «العلم الوطني» الذي يُعَدُّ من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954 رمز من رموز الثورة والجمهورية بالصفات التالية: «علم الجزائر أخضر وأبيض تتوسطه نجمة وهلال أحمرَ اللون». راية تجمعنا، ورمز شرف أمتنا وعزتها وسيادتها، وأمانتها ووديعتها، رمز لبلادي، ولأمانة بلادي، ووديعة أرضي وشعبي ووطني، وواجب الدولة تحت ظلها، وعلى أديم أرضها المسقية بفيض التضحيات الكبرى الغالية السهر: «على تمجيد الشهداء واحترام رموز ثورة التحرير الوطني ومآثرها وتضمن حماية كرامة المجاهدين وذوي حقوق الشهداء» وإذ يُعَدُّ أيضا: «من التراث التاريخي والثقافي لثورة التحرير الوطني، جميع الرموز والمآثر التي لها علاقة بالثورة وهو ملك للأمة»، أمة بطاقتها الدفاعية المنتظمة بدعمها وتطويرها حول الجيش الوطني الشعبي، سليل جيش التحرير الأغر، الذي تتمثل مهمته الدائمة «في المحافظة على الاستقلال الوطني، والدفاع عن السيادة الوطنية. كما يضطلع بالدفاع عن وحدة البلاد، وسلامتها الترابية، وحماية مجالها البري والجوي، ومختلف مناطق أملاكها البحرية». وإن بلادي الجزائر تمتنع ضمن اختياراتها السيادية: «عن اللجوء إلى الحرب من أجل المساس بالسيادة المشروعة للشعوب الأخرى وحريتها. وتبذل جهدها لتسوية الخلافات الدولية بالوسائل السلمية» و»الجزائر متضامنة مع جميع الشعوب التي تكافح من أجل التحرر السياسي والاقتصادي، والحق في تقرير المصير، وضد كل تمييز عنصري» و»تعمل الجزائر من أجل دعم التعاون الدولي، وتنمية العلاقات الودية بين الدول، على أساس المساواة، والمصلحة المتبادلة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وتتبنى مبادئ ميثاق الأممالمتحدة وأهدافه». وتأكيدا للعطف الفعال لنداء أول نوفمبر 1954 في إطار ميثاق الأممالمتحدة، وتبنيا للجزائر ضمن المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، مبادئ ميثاق الأممالمتحدة وأهدافه، الذي تقر هيئته الأممية بأن ليس في هذا الميثاق: «ما يسوِّغ ل «الأممالمتحدة» أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما»، مع مراعاة الفصل السابع من الميثاق الأممي، فإن الجزائر بمصادقتها على عديد الاتفاقيات الدولية والإقليمية والمناهج وبرامج عمل المؤتمرات الدولية؛ فضلا عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتأكيد إيمانها المتجدد بمنظمة الأممالمتحدة وميثاقها مع بقية الأسرة الدولية، باعتبارهما أساسين لا غنى عنهما لتحقيق مزيد من السلام والرخاء والعدل في العالم، وباحترام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتقيد بأحكامه بصورة تامة، وسعيها بشدة من أجل حماية الحقوق للجميع وتعزيزها بصورة تامة، بما في ذلك الحق في التنمية. وإقرارًا لذلك فإن: «مثلي المساواة والحرية، المكرسين في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كانا مصدر إلهام للكفاح الذي خضناه من أجل الاستقلال الوطني. ذلك أننا تبنيناهما، أول ما تبنيناهما في بيان ثورة أول نوفمبر 1954»، وجعلت منهما الجزائر أيضا عماد ما اعتمدته من دساتير الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية. ولما كانت التنمية حقا، فإن تنمية احترام الهوية الثقافية واللغوية والقيم الخاصة للإنسان والمواطن، والقيم الوطنية لبلده، آخذا في الاعتبار أهمية تقاليده وقيمه الثقافية، وواجب التَّحصن بها، وحقه في ذلك، لهو تقوية لمناعته (الحافز) والمشجعة لتنمية وطنه بإرثه الثقافي، وقيمه الروحية الراسخة، مع الحفاظ على تقاليده في التضامن والعدل، النابعة من فطرته السليمة، والقيم الإنسانية السامية، والمثل العليا الخالدة، التي تجعل منه المواطن الإنسان الواثق في قدرته على المساهمة الفعالة في التقدم الثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، في عالم اليوم والغد، من جيل إلى جيل. ولا شك أن الترعرع المتناسق منذ المراحل الأولى من العمر، بإيلاء الوظيفة الهامة التي تؤديها وسائط الإعلام، وتضمن بذلك إمكانية الحصول على المعرفة والمعلومة والمواد من شتى المصادر الثقافية والوطنية، وتشجيع نشرها، لهو تعزيز للرفاهية ذات المنفعة الاجتماعية والروحية والثقافية والمعنوية منها. وإن التعاون في الإنتاج الفكري أساسا، والتطور إبداعا وفنا، وحرفة وصناعة، والاشتغال على ذلك عملا وإتقانا، وابتكارا واستمرارا، وتجددا وثقة، وعقد العزم، مبادرةً وإنجازًا، يُدِرُّ هو الآخر نفعه على الجميع، بالخير العميم، ولاسيما للمرحلة العمرية المؤَسِسَة التي بُني عليها الإنسان والمواطن، والتي تستدعي الحماية والعناية ومزيد الاهتمام، بالاستناد إلى كل من المنظومة التشريعية الوطنية القائمة، ومن مواثيق الأسرة الدولية، ألا وهي مرحلة الطفل الإنساني الذي هو في عُرفِ الأوطان «مشروع مواطن الغد»- وإن لم نقل كذلك أنه هو الوطن نفسه - فهو الحامل لرايته، والحافظ لأمانته، والصائن لوديعته، والمدافع عن شوكته في ميدان غده، الذائد عنه بكل قدرته وقوته، ضد كل من تسول له نفسه خيانة أو اعتداء، أو نيلا منه أو اجتثاثا. وإنني من هذا المقام أدعو كل واحد تذكيرا - وأدعو نفسي - من باب المهمة الوطنية، أن يوقن إدراكَ شرفها، ويستشرف روح مسؤوليته الملقاة على عاتقه مهما تعددت تنوعا أو نوعيا، وهذه الدعوة نابعة من مبدإ واجباتي، والتي تحكم المجتمع الجزائري، وأنه: «على كل مواطن أن يؤدي بإخلاص واجباته تجاه المجموعة الوطنية»، وأن يلتزم: «إزاء الوطن وإجبارية المشاركة في الدفاع عنه، واجبان مقدسان دائمان»، ومن هذا المنطلق فإن مشروع مواطن الغد، يبدأ من راية وطنه، الممثلة رمزا لبلاده، والمتمثلة في علمه الوطني، الذي اُعتُبر في عهد الاستعمار إظهاره فقط، أو الاحتفاظ به، أو حمله بين الجوانح، خيانة عظمى لسلطة المستعمر، وأن ألوانه ثورة عليه، وتهديد لوجوده في وطننا، حيث أن المستعمر كان يخيفه علم بلادي أكثر من أيّ سلاح، فالعلم الوطني هو إثبات وجود لشعب وأرض ووطن وأمة، لها الوجود منذ الأزل، وأنها باقية وممتدة جذورها عبر الأجيال والعصور، ولم تزل محافظة على أسس مكونات هويتها، نعم، لقد قهرت ألوان علم بلادي، استعمارا حاول كتم صوت شعبي أكثر من قرن ونيف، ولكن الهلال ونجمته بحمرتهما، والأخضر والبياض كلما رآهم مستعمر بلادي نخروا في جسده الظالم، وطيَّروا نومه عن جفنيه، وبدَّدُوا أحلام يقظته، بروح ألوان تُفصح عن طالبي حق ومستحقيه، وأن الشعب الجزائري مصمم على نيل حريته، ورفع علمه مرفرفا عاليا، رمز سيادة وطنه، ووحدة شعبه وأمته. ومن جهة أخرى فإن الطفل الجزائري هو سليل أولئك الأبرار، وكل الأبطال والمجاهدين الأحرار، وهو المشروع الأهم والأكبر المُعَوَّل عليه، فخرًا لوطنه في غده، الذي نتمثل فيه أحرار بلاده، وبسالة أبطالها، وشجاعة أبرارها، مقتديا بهم، ناهلا من موردهم، تابعا لأثرهم، وذاكرا لأمجادهم، فله ذلك الطفل حق في وطنه، وحق وطنه عليه في غده، حيث اليوم يتشرب معنى رايته، ويتلمس ألوانها، ويُلَوِّن شكلها، ويلتقي مع هلالها ونجمتها، ويرحل معهما بما يناسب عمره، وخياله، ويطوف أرضه، ويعلو مع رايته وألوانها، لراية جميلة في رمزها «الجزائر». وليس غريبا عن رُوَّادِ الحريَّة أنهم يحلمون بكل لحظة قادمة تُقَدِّم أفضل ما تحويه من انعتاق وتَجَدُّدٍ، تجعلهم أحرارا يحافظون على بقائهم بما استطاعوا، مستمرين متمتعين بأفضل الأوقات وأغلى الساعات، وهم بين الأمم مثال روح المبادرة، والعمل، والبناء والتشييد لغد، وأفكار وقَّادة، وأحلام وثَّابة، وليسوا أبدًا في عُرف المنصفين أشكالا للإحباط أو حواجزَ من الجمود، أو احتجازا لدفع حركية التطور، ولا مثالا للخوف غير المبرر، ولا مثالا للأنانية واحتكار المسؤولية بصور البيروقراطية التي تعمل الدولة على استئصال شأفتها لأنه مرض مقيت يتسرب في سكون، وينمو بجانب مشي المتسلل جنب الحائط، وإشارته إلى فوق، وأنه من المأمورين الذين لا يد لهم ولا حيلة، مختبئين وراء راتب أو منحة أو امتياز، وانتظار لتقاعد لا يغني عنهم شيئا في وضعهم، وتركهم السفينة لتغرق، ومسح كل العيوب بالأعلى ثم الأعلى فالأعلى. فلا يُقبل أبدا بأي حال من الأحوال أن تُمَسَّ وحدة الوطن وسيادته، ولا رمزا من رموزه مقابل أنانية رعناء، ولا بإحساس ترف الوطنية - عند بعضهم - أو احتكارها بأي شكل من الأشكال، حتى الوصول إلى إغفال رموز الدولة والثورة والجمهورية بمحاولات كتم تألقها وإشعاعها، وشدِّ رفع رايتها التي ضحّى من أجلها الكثير ضمن وحدة الأرض والشعب والوطن والأمة. ولا يُقبل - بحق - أن يَحتكر البعض في مؤسسات أو هيئات أو إدارات أو حتى مرافق عمومية، بداية من المبنى الذي أُقيمت عليه تحت مظلة الراية الوطنية، والتي قد يُعتقد من بعض أعوانها أو مسيريها أو إدارييها، أنها ملك خاص يُمَارس من خلاله ذلك العون أو المسيِّر أو الإداري أو حتى العامل البسيط، تصرفات كما شاء، ولمن شاء، وكيفما شاء، حيث أن الدولة الجزائرية القائمة على سيادة الشعب، وأن الشعب مصدر السلطة، وأن السيادة الوطنية ملك للشعب وحده، تتبرأ من خلال تشريعاتها وتنظيماتها وقوانين الجمهورية، ومن قانونها الأساسي الدستور الجزائري، من مثل هذه التصرفات والممارسات المسيئة للمرفق العام، ومؤسسات الدولة وهيئاتها وإداراتها، والدليل على ذلك والظاهر للعيان، هو ما تبذله الدولة الجزائرية من تجهيز لها، وتوفير وسائل الراحة للمواطن في كثير من مداخل المؤسسات، وبهوها، وتعدد خدماتها، ومن توفير العامل البشري لتحسين الخدمة العمومية، ومنه فإنه فلا يجوز للمؤسسات بأي حال من الأحوال أن تقوم بالممارسات الإقطاعية، والجهوية، والمحسوبية، وإقامة علاقات الاستغلال والتبعية، والسلوك المخالف للخُلُق الإسلامي وقيم ثورة نوفمبر. وإن التاريخ سيحفظ، وسيحفظ كل من ساهم في التنمية، وإن التاريخ لا ينس أبطاله سواءً تضحيةً في ميدان الشرف، أو بين السلم والحرية، أو موطن السيادة، وأن «الجرأة الوطنية في التنمية» قد تكون مصطلحا جديدا في ميدان الاقتصاد أو الاستثمار أو الصناعة أو الحرفية أو الميادين الثقافية والإعلامية وغيرها من دعائم التنمية، حتى الفكرية منها والاستشرافية، تبدأ براية كما قلت سابقا راية الوطن، التي يجب احترامها لما تمثله من سيادة، وتاريخ تَكَبَّد فيه الأجداد والآباء ما تَكَبَّدوا، نُصرة للحق ضد الباطل، ونصرة للأرض والشعب والأمة، والوحدة التي هي قوة لنا، ومناعة يومية لأمتنا، تدفع بالتنمية دفعا، وأن خير البلاد بأيدي الجميع، وثمارها مهما قَلَّت أو كَثُرت هي بصدق لجميع، فإن لم تكن لفرد بعينه، فهي للأخ أو الصديق، أو الجار والقريب، أو للإبن، والأهل جميعا، وغيرها من المنظومة الاجتماعية التي تؤهل الارتقاء بالوطن والوصول به إلى مصاف الدول المتطورة، فأجدّد الدعوة هنا أن يكون كل مواطن بطلًا، يتطلع إلى راية وطنه، ويَتَّكِلُ على رَبِّه ويتقدم خطوات هي بلا شك عظيمة، ويتحلى براية الوطن، ولتكن رمزا متميزا، ولِمَ لا رمز العلامة المسجلة العالمية، تنطلق من كل ساعد، وفكرة، وبيتٍ يَضُمُّ الأسرة الجزائرية المتضامنة، والأسرة المنتجة لاكتفائها، والمنتجة ثروة وطنها، والمنتجة حاجيات مجتمعها التي هي جزء لا يتجزأ منه. وإن مبادرة الإعلام في السنوات الماضية «في كل بيت علم» مبادرة ذات أهمية، وإن مثلها في الثقافة يحمل نفس الأهمية أيضا - وإن لم نقل إنها واجب - بمختلف الإبداعات والفنون والحرف، لما للثقافة الوطنية من دور أساسي في تثمين التراث الثقافي والتاريخي والإنساني، ونقله عبر الأجيال بكل أشكاله المادية واللامادية. فلنشمّر على سواعدنا بكل ثقة ولكل واحد منّا تحت راية وطننا، ونتأكد يقينا أنه يمكن تحقيق حقيقة رُقِيِّنا وازدهارنا الدائمين، إدراكً يقينيا منا، لعِظَم شأن وطننا، دوما بيننا، وبين أمم عالمنا.