يحيي الشعب الجزائر الذكرى التاسعة والأربعين لاستعادة حريته واستقلاله من مستعمر غاصب، عمد طوال قرن وثلث إلى شتى ألوان القتل والتنكيل بالإنسان والأرض والهوية، ولكن الشعب المتمسك بحقه، وبأصالته وقيمه الوطنية، لم يذعن ولم يرضخ وظل يقاوم ويدفع القوافل تلو القوافل من الشهداء، إلى أن أعلنها في نوفمبر 54، ثورة عارمة شاملة، لفظت بالمحتل إلى ما وراء البحر وأعادت للجزائري كرامته وشخصيته ودولته المغيبة إن الشعب الجزائري الذي يحيي هذا العيد العزيز على الجزائريات والجزائريين عامة، وعلى رعيل المجاهدين وأسر الشهداء بخاصة، ليتذكر جيدا المسيرة الشاقة والحماسية، التي بدأتها الجزائر غداة 5 جويلية 1962، حين استلمت الدولة الفتية بلدا باقتصاد منهار، ومؤسسات محروقة ومخربة وجيوشا مع العاطلين والأيتام والنازحين عن قراهم ومداشرهم. وإنه لمن دواعي الاستبشار والتفاؤل، أن يحل عيد الاستقلال والشباب هذا العام، والجزائر تتحفر من أقصاها إلى أقصاها لمباشرة إصلاحات سياسية اقتصادية، اجتماعية شاملة، تفتح الباب على تحول نوعي عميق في حياة الجزائريين والجزائريات ، وتمهد الطريق لبناء مؤسسات تستجيب لتطلعات الأجيال الجديدة في بناء فضاءات سياسية ثقافية واجتماعية تتساوق أكثر ونبضات القرن الواحد والعشرين، المتميز بالعولمة المتزايدة، وتعميق الإعتماد المتبادل بين الدول والشعوب. إن حزب جبهة التحرير الوطني يدعو جميع المواطنين والمواطنيات إلى إيلاء الإصلاحات السياسية التي بادر بها رئيس الجمهورية كل العناية والإهتمام لنجاح الإصلاحات الشاملة التي شرعت فيها البلاد والتي تهدف إلى تغيير وجه الجزائر في جميع المجالات من خلال تعميق المسار الديمقراطي وتعزيز دعائم دولة الحق والقانون. إن طرد المستعمر الغاشم واستعادة الإستقلال الوطني الذي جاء على رأس أولويات جبهة وجيش التحرير الوطني والذي وضعه بيان أول نوفمبر كهدف أسمى، أضحى وبمرور السنين يحمل في طياته ومضمونه أهدافا متعددة، كالتنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، التي باتت منذ اعتلاء المجاهد عبد العزيز بوتفليقة رئاسة الجمهورية، حقائق ملموسة يشهد عليها ويتمتع بها الجزائريون في مختلف جهات الوطن. لقد انتزعت الجزائر سيادتها الوطنية بالحديد والنار، وتجدد اليوم بهذه المناسبة الغلية تمسكها، عبر المجاهدين وأبناء الشهداء والشباب من الأجيال الجديدة، بمواصلة النضال حتى يقر المستعمر بجريمته البشعة في حق الشعب الجزائري ويقدم واجب الإعتذار عن حرب الإبادة التي ترقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية. فالجزائر التي ضحى من أجلها الشهداء الأبرار، لم تفتك وتكرس استقلال تاما عن الإستعمار بشكله الإجرامي فقط، ولكنها استطاعت كذلك أن تحمي وتحافظ على سيادتها الوطنية كاملة غير منقوصة في ظل تمدد الهيمنة الاستعمارية الحديثة ونزوعها إلى ألوان مختلفة من الإختراقات لحرمة وسيادة الدول. وبهذه المناسبة، فإن حزب جبهة التحرير الوطني يؤكد تشبته بسيادة البلدان الشقيقة ووحدتها ويجدد رفضه وتنديده بالتدخل السافر في الشؤون الداخلية للدول، الذي يذكر بالهمجية الاستعمارية في مرحلة معينة من التاريخ. إن حزب جبهة التحرير الوطني الذي يدرك إدراكا كاملا مغزى ومدلول استعادة الاستقلال الوطني من براثن الاستعمار الاستيطاني الذي أنكر على الشعب الجزائري جزائريته ولغته ودينه لعازم ومصمم على الوفاء بعهده كاملا غير منقوص للشهداء ولرسالة نوفمبر، وأن يواصل إلى جانب كل القوى الوطنية، بناء الدولة الديمقراطية وفق ثوابت التاريخ وقيم الشعب الجزائري وتطلعات المواطنين في السلم والحرية والعدالة. إن الشعب الجزائري الذي يحتفل اليوم بعيد الاستقلال في ظل أجواء من الاستقرار والأمن والمصالحة والتنمية الشاملة، لا يسعه في هذه الذكرى الغالية، إلا أن وقفة إجلال وترحم وخشوع على كل تلك القوافل من الشهداء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم من أجل أن يرفع الشباب الجزائري رأسه عاليا في كل المحافل، فخورا معتزا بجزائريته وبرايته الوطنية، وبذات الوقت لا ينسى تقديم التحية وواجب الإحترام والعرفان إلى البقية الباقية من الثوار المجاهدين من الذين ما نزال نستفيد من خبرتهم ونصائحهم وننهل من القيم والمثل التي كانت وراء إنتصار ثورة نوفمبر المظفرة.