خاضت الجزائر عقب استعادة السيادة الوطنية، معارك طويلة وشاقة لنيل الاستقلال الاقتصادي والتخلص من التبعية لجهة أجنبية معينة، مثلما حافظت على مواقفها الدبلوماسية الثابتة والمبدئية رغم تقلبات العلاقات الدولية وحجم الرهانات والتحديات. لا تخفى الحكومة الحالية، صعوبة الظرف الاقتصادي الراهن الناجم عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية منذ قرابة السنتين، وتؤكد في كل مناسبة نهاية عهد الاعتماد المطلق على أموال الخزينة العمومية من جهة وعلى البترول كمصدر رئيسي للدخل من جهة ثانية. ولكن، وعلى الرغم من الحقيقة المقلقة، “لازالت الجزائر متحكمة تماما في أمورها، وتملك السيادة الكاملة على قرارها الاقتصادي والسياسي”، والكلام هنا للوزير الأول عبد المالك سلال، والذي كرره في أكثر من خرجة ميدانية وإعلامية. وتكتسي استقلالية القرار الاقتصادي أهمية بالغة، بالنسبة لأي بلد خاصة لما يتعلق الأمر بوضع خطط النمو القائمة على تنويع مصادر الداخل وتقوية الإنتاج الداخلي، بعيدا عن إملاءات صندوق النقد الدولي الذي سبق وأن اكتوت الجزائر بشروطه القاسية منتصف التسعينات. أول الطريق نحو الاستقلال الاقتصادي للجزائر، كان تأميم المحروقات بقرار سيادي بداية التسعينات، حيث استخدمت عائدات الذهب الأسود والغاز في تمويل بناء المشاريع الهيكلية والصناعية الضخمة، قبل انكسار سيرورة النمو سنة 1986 بعدما وصل سعر البرميل الواحد إلى 11 دولار. في المرحلة الراهنة، وبعدما خسر سعر النفط أكثر من 50٪ من قيمته في ظرف منذ أواخر 2014، وتقلص احتياطي الصرف إلى حوالي 130 دولار، لازالت الجزائر متحكمة في ميزانيتها، ولم تلجأ بعد إلى الاستدانة الخارجية، غير أنها مطالبة بالتصرف في أسرع وقت ممكن وخاصة وأن التوقعات تفيد بسنة مالية أصعب العام المقبل. ومن العوامل الرئيسية التي أعادت للبلاد سيادتها الكاملة على القرار الاقتصادي، هي تسديدها المسبق لمديونيتها الخارجية مسبقا سنة 2007، وباشرت ورشات هيكلية كبرى منذ مطلع الألفية تمهيدا لتجسيد مشاريع إنتاجية في قطاع التصنيع. وإلى جانب ذلك، أجرت الحكومة إصلاحات عديدة، أنهت في المقام الأول التفرقة بين المؤسسة العمومية والخاصة، ووضعت “المؤسسة” كنواة للنمو والتطور، إلى جانب وضع الضوابط القانونية المسهلة للمستثمرين الوطنين عبر امتيازات ضريبية والزامات بإنجاز مشاريع صناعية لمستوردي السلع الواسعة الاستهلاك كالسيارات، الأدوية والمادة الاولية للحليب. وتواصل الحكومة سلسلة الإصلاحات، من خلال سن قانون جديد للاستثمار، يستهدف الاستثمار الأجنبي، وخاصة أن الشراكة الأجنبية من أساسيات النهضة التنموية، وكان وزير الصناعة والمناجم عبد السلام بوشوارب، قد صرح الشهر الماضي، “أن الجزائر ماضية في توجهاتها الاقتصادية الجديدة ولا تنتظر دروسا من أحد”، في إشارة إلى تقرير حديث لصندوق النقد الدولي اقترح عددا من التدابير للتعامل مع الأزمة المالية الحالية. ثبات في السياسة الخارجية على صعيد السياسة الخارجية، احتفظت الجزائر بمواقفها الدبلوماسية الثابتة منذ الاستقلال، حيث التزمت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادتها، وتغليب الحلول السياسة والسلمية للخروج من الأزمات. ورفضت الجزائر، في أحلك الظروف الأمنية على شريطها الحدود المساس أو الإنقاص من سيادة دول الجوار، والتزمت بالتنسيق التام والكلي معها في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، مثلما أشرفت على وساطات عديدة منذ مطلع الستنيات لحل الأزمات المتعاقبة في مالي. ولم تحد الدبلوماسية الجزائرية عن مبدئها الراسخ في دعم قضايا التحرر، واستمرت في مساندة القضايا الصحراوية العادلة وقبلها دول إفريقية وآسيوية، وهي مواقف لا تتعارض أبدا مع الشرعية الدولية. ورفضت الجزائر، الانحياز لجهة على حساب أخرى في جميع الأزمات التي عرفتها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، وتنادي بتغليب لغة العقل والحلول الدبلوماسية، وتحفظت على مستوى الجامعة العربية عن التصويت لصالح قرارات تضر بمصداقيتها وحيادها، ورغم الضغوط الأجنبية والدولية ظلت وفية لقناعاتها التي تنتهي إليها كل الأزمات.