نجاح الطبعة ال9 أكبر جائزة لصناعة الفن السابع والتقدير للإعلام في احتفالية مميزة تابعها الملايين من المشاهدين وحضور لشخصيات تركت بصماتها على الفن السابع، اختتمت الطبعة التاسعة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي بتتويج الفيلم المصري «نوارة» للمخرجة هالة خليل، بالجائزة الكبرى»الوهر الذهبي»، وعادت فيه جائزة أحسن إخراج للجزائري لطفي بوشوشي، عن عمله الروائي الطويل «البئر»، كما حاز الفيلم الجزائري القصير «في راسي دوار» على الجائزة الكبرى في المهرجان. «الشعب» عاشت الأجواء عن قرب وترصد أدق التفاصيل من عاصمة السينما العربية وهران. حفل الاختتام الذي جرت وقائعه على مستوى مسرح الهواء الطلق حسني شقرون، كان متميزا جدا وذلك بحضور كوكبة من ألمع الفنانين الذين شاركوا في مهرجان وهران لا سيما فاروق الفيشاوي إلى جانب أيمن زيدان بصفتهما ضيفا شرف هذه الطبعة. الكل أجمع على أن وهران ومهرجانها، صوت شامخ مرصّع بالحب والإنسانية والوطنية، بل أن أغلب المتتبعين اعتبروا المهرجان الدولي للفيلم العربي، المرآة التي عكست الحرية الإنسانية في مواجهة الفكر الرجعي المظلم المتسرب إلى العقول في محاولة استمالتها وتغيير وجهتها. كان المهرجان فرصة لتصحيح صورة العرب والمسلمين في الخارج، من خلال ملتقى «الآخر في السينما العربية»، وكان همهم الوحيد هو محالة الاقتراب من تجليات هذا «الآخر» في عدد من أفلامنا العربية قديما وحديثا وتقديمه بإيجابية اكبر تتجاوز الفروق الدينية والاجتماعية وتكرس للسلام والحوار بدل التطرف العنيف. إذا كانت محافظة المهرجان لم تذخر جهدا من أجل إنجاح المهرجان، وتركت بصمتها واضحة على جذران التاريخ، فإن سكان الباهية وهران، صنعوا المفاجأة بكرمهم وطيبتهم في بلوحته الرائعة والتي ستؤرخ لا محالة لما صنعه الفن وتوابعه في تقليص المسافات التي أحدثتها السياسة بين الشعوب العربية وإظهار الوجه الأصيل والمثقف لأبناء الوطن العربي. في هذا الإطار أكد إبراهيم صديقي مقيما التظاهرة التي انعشت يوميات الباهية ولطفت سهراتها: «زيادة على تنافس الأفلام القوي ومتابعات الصحفيين للحدث واستنفار الذاكرة من خلال الاحتفاء بمرور 50 عاماً على إنتاج فيلم «معركة الجزائر» الذي تناول وقائع من الثورة الجزائرية للاحتلال الفرنسي، ومرور 40 عاماً على إنتاج فيلم «عمر قتلاتو» للمخرج مرزاق علواش و50 عاماً على إنتاج فيلم «عودة الابن الضال» للمخرج المصري يوسف شاهين وبطولة العبقري سيدي علي كويرات و400 سنة على رحيل شكسبير الغني عن كل تعريف، حان وقت التتويج لأنه لا يمكن لأي كلمة أن تعلو فوق كلمة لجان التحكيم ولا صوت يعلو على صوت الصرامة والإنصاف كون الأفلام المعروضة صنعت الحدث بامتياز». المناسبة اغتنمتها لجنة تنظيم المهرجان لتكريم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، كعرفان له على تكريسه للحق في الثقافة مادة في دستور 2016. من جهتهم، اعترف رؤساء مختلف لجان التحكيم بان عمليات اختيار الأفلام المشاركة في حد ذاتها كانت صعبة للغاية بالنظر إلى المواضيع الهامة والحساسة التي تمت معالجتها . أما عن الأفلام المتوجة لا سيما الفيلم المصري الطويل «نوارة» الذي عملت مخرجته على تقديم رؤية جديدة تم من خلالها توظيف عناصر درامية جديدة بكل احترافية تم من خلالها إقناع لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج السوري الكبير محمد ملص ولجنته بفكرة النص أماطت فيها اللثام عن ثورة يناير المصرية دون إهمال الجانب العاطفي من خلال سرد قصة نوارة الفتاة الساذجة التي تجد نفسها ضحية قيم إنسانية و مبادئ نموذجية اختفت منذ زمن بعيد. برع مختلف الممثلين في تجسيد الأدوار المنوطة بهم الأمر الذي أثر كثيرا على لجنة التحكيم وحتى الجمهور الذي تابع وقائع الفيلم داخل قاعة العروض لا سيما الممثلة مينا شلبي التي تمكنت هي الأخرى من افتكاك جائزة أحسن دور نسائي بعد أن تم تتويجها مؤخرا كذلك بأحسن دور في مهرجان تطوان المغربي في المهرجان الدولي لسنيما البحر المتوسط. أما عن الجانب الجزائري في فئة الأفلام الطويلة فقد تميزت بافتكاك المخرج لطفي بوشوشي لجائزة أحسن إخراج عن فيلم «البئر» الذي تعرض بالتصوير إلى مشاهد الحرمان والمعاناة المستمرة التي عاشها الجزائريون بسبب وحشية المستدمر الفرنسي الغاشم أثناء وخلال محاصرته لقرية صغيرة بالجنوب الجزائري مانعا عن أبنائها الماء والهواء. ورغم أن الكثير من النقاد والمتابعين رشحوا الفيلم لنيل جائزة الوهر الذهبي إلا أن المخرج لطفي بوشوشي بدا سعيدا جدا من خلال تتويج العمل بجائزة أحسن إخراج من خلال الرسالة التي قرأتها نيابة عنه بطلة الفيلم، مؤكدا أنه سعيد بتمثيله السنيما الجزائرية أحسن تمثيل في ظل المنافسة القوية . حاز الفيلم المصري «حار جاف صيفًا» للمخرج شريف البنداري، على جائزة «الوهر الذهبي» كأفضل فيلم روائي قصير تدور أحداثه حول شخصين غريبين عن بعضهما البعض يتقابلان بالصدفة وسط مدينة القاهرة حيث يذهب محمد فريد المصاب بمرض السرطان إلى طبيب ألماني من اجل العلاج ليلتقي بناهد السباعي يوم زفافها وتتسبب مقابلتهما في تغيير حياة كل منهما . بالعودة إلى الأفلام الطويلة التي نال فيها الفيلم العراقي «صمت الراعي» لمخرجه رعد المشتت جائزة تنويه لجنة التحكيم، يحاول المخرج أن يقدم حكايته عن مجتمع تختلط فيه التقاليد الريفية والمحظورات وكذا مختلف الممنوعات التي تتسيد الموقف في زمن الاستبداد لينسج عالمه المليء بالأحداث والصور والتأملات وحتى المفاجآت وذلك من خلال مغادرة الزهرة ابنة الثالثة عشر ربيعا منزل العائلة القروي من اجل جلب الماء من النهر المحاذي للقرية لكنها تختفي تاركة أفراد المجتمع الصغير الذي تنتمي إليه الحرية الكاملة في إطلاق العنان لمخيلاتهم. أما عن لجنة التحكيم الخاصة، فقد عادت إلى الفيلم المغربي «مسافة ميل بحذائي» الذي يتناول فيه المخرج سعيد خلاف دراما إنسانية بطلها طفل يعيش حياة التشرد ليواجه عنف الشارع، لكنه يصارع من أجل العيش بكرامة ونزاهة، خارج أوكار الجريمة والانحراف. السعيد خلاف قال أن فيلمه مستنبط من وقائع الانفجارات التي تعرضت لها مدينة الدار البيضاء التي كانت بمثابة الشرارة التي أوقدت نار الكتابة لديه، إلا أن المخرج سعيد خلاف يؤكد على أنه فضل التطرق إلى الموضوع دون إقحام الجانب الديني، حيث ركز على الجانب الإنساني والتربوي لإيماني بأن التربية والتعليم هما أكبر سلاح لتصدي أي تطرف أو استغلال. أما بالنسبة للفيلم الجزائري في فئة الأفلام الوثائقية «في راسي دوار» للمخرج حسان فرحاني الذي حاز على جائزة «الوهر الذهبي» فيتعرض إلى الحياة داخل مذابح الجزائر بعيدا عن أسرهم وعائلاتهم التي تقطن في سطيفووهران وغيرها من المناطق ليكتشف انه وراء القمصان الملطخة بالدماء هناك قلوب رجال تنزف ألما و تشكو قهرا و لكنها تنبض حبا كبيرا قد تكون مكسورة او مقهورة أو حتى مجروحة لكنها تظل خفيفة الدم في الفيلم نكتشف أن المعنيين بهذا الموضوع يتحدثون في كل الأمور و يخوضون كل المواضيع التي تستهويهم و التي لا يهمهم وحتى تلك التي لا يستطيعون تفسيرها ليغوصوا بين الحين و الأخر في صمت عميق مؤثر له دلالاته لا يتخلله إلا مقاطع موسيقية و ضجيج مختلف الآلات. للعلم فإن هذا الفيلم سبق له أن نال جائزة التانيت الذهبي في مهرجان قرطاج بتونس وجائزة مهرجان بواتييه بفرنسا كما شارك في العديد من المهرجانات العالمية. المهرجان الذي جاء في ظروف استثنائية يعيشها الاقتصاد الجزائري لم يستثن أحدا، حيث برمجة عرض 10 أفلام جزائرية قصيرة في إطار ركن «بانوراما الأفلام القصيرة» وذلك ضمن «التجارب الفتية التي تستحق التشجيع» وفق ما أبرزته محافظة المهرجان. السلطات الأمنية كانت في الموعد أيضا وكانت رهن إشارة إدارة المهرجان، بينما التأم الكل من إعلاميين وجمعويين ومواطنين ومسؤولين من أجل هدف واحد مقدس أعلى فوق كل الحسابات: إنجاح هذا الحدث والتسويق لوهران كوجهة سياحية وترفيهية عالمية تضرب لعشاقها موعدا آخر السنة المقبلة في الطبعة العاشرة لتبقى مثلما بدأت قطبا للفن السابع إلى أبعد الحدود.§