خلال الفترة الرطبة من العصر الحجري، كانت الصحراء الكبرى مكسوة بالعشب وتصلح لأن يستوطنها البشر والحيوان مثل النعام والزرافات والفيلة والظباء، كما ساعدت وفرة المياه وبعض البحيرات الكبيرة هناك على تشجيع حياة الأسماك والتماسيح وفرس النهر، فساعدت هذه الظروف المواتية صيادي البراري وفيما بعد الرعاة على بناء المخيمات والمساكن في مختلف هضاب وأراضي الصحراء المرتفعة الخصبة. وبحلول عام 2500 قبل الميلاد، أصبحت الصحراء، بإستثناء نهر النيل، أرضا قاحلة فلم تعد تصلح أن يسكنها بني البشر، ولكن ذلك الماضي الخصب بقي من خلال الرسومات والنقوش التي تركها السكان مجسدة على الصخور عبر بقاع الصحراء، فعلى تلك الصخور أصبحت الرسومات الجميلة للأشكال البشرية تذكارا مرئيا لمعتقدات وممارسات سكان شمال أفريقيا الأقدمون خلال فترات تكيفهم مع بيئتهم المتغيرة واكتسابهم لأدوات وعادات جديدة على امتداد 30000 سنة خلت، فأكثر من نصف الفنون المنقوشة على الصخور الصحراوية توجد في منطقة طاسيلي ناجر (“سهل الوديان العديدة” بلغة الطوارق) جنوب شرق الجزائر. طاسيلي ناجّر أو تاسيلي نعاجر هي سلسلة جبلية تقع علي الحدود الجزائرية الليبية، وهي هضبة قاحلة حصوية ترتفع بأكثر من 1000م عن سطح البحر عرضها من 50 إلى 60 كم وطولها 800 كم مشكلتا مساحة تقدر ب 12000 كم مربع، أعلى قمة جبلية وهي “أدرار أفاو” ترتفع ب 2,158م على كل مساحتها ترتفع من على الرمال قمم صخرية متآكلة جدا وكأنها أطلال مدن قديمة مهجورة كل هذا بفعل قوة الرياح فقط، وتتكون كهوف طاسيلي من مجموعة من تشكيلات الصخور البركانية والرملية الغريبة الشكل والتي تشبه الخرائب والأطلال، والتي تعرف باسم “الغابات الحجرية”. كانت صحراء مقفرة منسية في جنوب شرق الجزائر لا تغري أحدا بزيارتها.. وفجأة تحولت إلى واحدة من أشد بقاع العالم غموضا.. وامتلأت بالعلماء والخبراء.. حتى السياح جاءوا من مختلف دول العالم لزيارتها.. فما الذي حدث لتجذب تلك الصحراء كل هذا الاهتمام؟.. في الواقع أن سبب يعود إلى الرحالة (بربنان) الذي اكتشف في عام 1938م، كهوفا اعتبرها علماء الآثار واحدة من أهم اكتشافات العصر.. بل إن البعض قد اعتبرها أهم من اكتشاف مقبرة (توت عنخ آمون) الشهيرة وإن لم تصاحبها الضجة الإعلامية الهائلة التي صاحبت اكتشاف المقبرة الفرعونية. فبينما كان الرحالة (بربنان) يجتاز الحدود الجزائرية الليبية في واحدة من رحلاته العديدة.. لفت انتباهه مجموعة كهوف تنتشر في مرتفعات يطلق عليها اسم (طاسيلي).. الأمر الذي أثار فضوله.. وجعله يقوم باستكشاف تلك الكهوف بلهفة وحماس شديدين وعثر في أحد تلك الكهوف على شيء فاق كل توقعاته.. شيء جعله يشهق من فرط الدهشة والانفعال - كما ذكر في حديثه عن تلك الكهوف - فقد وجد داخل كهوف طاسيلي نقوشا ورسوما عجيبة لمخلوقات بشرية تطير في السماء.. وترتدي أجهزة طيران.. ولسفن فضاء.. ورواد فضاء.. ورجال ونساء يرتدون ثيابا حديثة كالتي نرتديها في زماننا الحالي.. ورجالا يرتدون لباس الضفادع البشرية.. ورجالا آخرين يجرون نحو أجسام أسطوانية غامضة.. واستقطب هذا الاكتشاف اهتمام علماء الآثار كافة.. وجعلهم يتدافعون لزيارة الحدود الجزائرية الليبية لمعرفة المزيد عن تلك الرسوم والنقوش العجيبة.. وأهم تلك الزيارات كانت في عام 1956م.. عندما قام الرحالة (هنري لوت) برفقة مجموعة كبيرة من العلماء بزيارة لتلك الكهوف.. والتقطوا لها صورا فوتوغرافية عديدة.. وبعد البحث والدراسة.. واستخدام وسائل متطورة للغاية (كالتحليل الذري) لمعرفة عمر تلك النقوش.. جاءت النتيجة.. وكانت مذهلة بحق.. لقد قدر جميع الخبراء عمر تلك الرسوم والنقوش بأكثر من عشرين ألف سنة!!.. أي خيال محموم وقف منذ مائتي قرن كي يسكب على جدران تلك الكهوف أسراره الخارقة؟.. أي عبقرية في فجر التاريخ آثرت أن تترك الرمح كي ترسم رسوما تسبق عصرها بعشرين ألف سنة؟.. ولأي غرض؟. وصنعت تلك الرسوم ما يعرفه علماء الآثار باسم: لغز كهوف طاسيلي.. وظهرت عدة نظريات لتفسير الأمر.. فالبعض قال، إن هذه الكهوف تقع فوق القارة المفقودة (أتلانتس) وأن أحد سكان أتلانتس قد قام برسم كل تلك الرسوم العجيبة التي تمثل التقدم العلمي الذي وصلت إليه تلك القارة آنذاك.. ولكن ظهر من يعارض هذه النظرية بحجة أن أتلانتس إن كانت موجودة بالفعل.. فمن المفترض أن تقع في تلك الفجوة ما بين المملكة المغربية.. وقارة أمريكا الشمالية.. فظهرت نظرية أخرى تقول، إن مخلوقات من كوكب آخر قد زارت كوكبنا منذ قديم الزمان.. ورسمت تلك الرسوم لتكون دليلا على زيارتها للأرض.. أو أن الذي رسمها شخصا أو مجموعة أشخاص ينتمون لإحدى الحضارات الأرض البالغة القدم والتي كانت قد بلغت شأنا كبيرا من التقدم العلمي.. ولكنها اندثرت لسبب ما.. وجميع تلك النظريات غريبة وتقلب جميع المفاهيم المتعارف عليها.. حتى وإن تم إثبات صحة أحدها يوما من الأيام. يشكل الموقع أكبر متحف للرسوم الصخرية البدائية في كل الكرة الأرضية وقد تمّ إحصاء أكثر من 30,000 رسم تصف الطقوس الدينية والحياة اليومية للإنسان الذي عاش في هذه المناطق أثناء حقبة ما قبل التاريخ. مما ينبهنا ويجعلنا نتخيل كيف كانت هذه المناطق القاحلة العقيمة تعج بالخضرة والحياة.