تحذو الجزائر إرادة قوية للتحرر التدريجي من التبعية النفطية وضخ إيرادات معتبرة من حصيلة التنمية الاقتصادية لعدة قطاعات حيوية تملك فيها إمكانات مادية وبشرية كبيرة ومقومات واعدة لتنتج بكميات ضخمة، من أجل تلبية الطلب المحلي والتوجه نحو التصدير.لعل تحديد نسبة النمو بسقف 9 من المائة مع نهاية العام الجاري، يعد مؤشرا قويا يعكس الانفتاح الذي تعول الجزائر من خلاله استحداث الثروة وبناء قاعدة اقتصادية صلبة، بعد الانتهاء من طي ملف العقار الصناعي وتحفيزات قانون الاستثمار والنية القائمة والإجراءات المتخذة، كي تلعب البنوك دور المرافق للنمو والمؤسسة الإنتاجية. يبدو أن كل شيء جاهز بعد إطلاق برنامج النمو الاقتصادي، الذي يمتد في الفترة ما بين 2016 إلى غاية آفاق عام 2019، وما يصاحبها من إصلاحات اقتصادية محسوسة، عقب الاتفاق الأخير في لقاء ثلاثية، جوان الماضي، كي تسرع خطوات التحرر من التبعية النفطية ومواصلة جهود بناء اقتصاد منتج ومتنوع، في ظرف يتسم بالكثير من الصعوبة بعد الصدمة الخارجية لأسواق النفط. وكانت دعوة الحكومة المؤسسة الاقتصادية، عمومية كانت أو خاصة، للانخراط في معركة النمو وتجسيد برنامج النمو الاقتصادي علنية ومرفقة بتسهيلات ودعم مالي ومعنوي، لتعطي الضوء الأخضر كي يتقاسم الجميع مسؤولية الخروج بالاقتصاد الوطني إلى برّ الأمان وإعادة الاعتبار للصادرات الوطنية في الأسواق الخارجية وكبح الصادرات بشكل يقلص من نفقات العملة الصلبة، بعد أن تآكل احتياطي الصرف، بفعل تراجع أسعار برميل البترول. وتراهن الجزائر كثيرا على استحداث نسيج مؤسساتي كثيف لتنويع اقتصادها. علما أنها تمكنت، منذ عام 2002، من خلق ما لا يقل عن 24387 مؤسسة إنتاجية، وعدد معتبر منها تم استحداثه خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وينتظر الكثير من عملية إطلاق القرض السندي بتاريخ 17 أفريل الماضي، الذي من شأنه أن يوفر سيولة لتقوية وتعميق الاستثمارات من جهة، وتوسيع قدرات المؤسسات حتى يتسنى لها مواكبة المنافسة الشرسة. إلى جانب مصانع صنع وتركيب السيارات والسير نحو خلق شبكة مناولة تختص في توفير قطع الغيار، يحتل قطاع النسيج مكانة مهمة في برنامج التنمية الاقتصادية للحد من الاستيراد. ولعل مشاريع المركبات التي توشك على الانطلاق ودخول مرحلة الإنتاج، قريبا، تعكس مدى التقدم المحقق والذي يجب أن يبقى بمنحى تصاعدي، حتى تتجسد على أرض الواقع مركبات إنتاج ذات سمعة عالمية، حيث يمكنها الاستفادة من الخبرة الأوروبية، بحكم الموقع وقرب الجزائر من القارة الأوروبية. نذكر من بين هذه المشاريع الواعدة “تايال”، المجمع الجزائري بالشراكة مع تركيا، الذي تحتضنه ولاية غليزان ويضم ما لا يقل عن 8 مركبات، كل واحد يختص في مجال معين والمنتظر أن يسوق إنتاج المركب مع نهاية عام 2016 بعد طرح، كمرحلة أولية، 12 مليون قطعة سروال و14 مليون قميص إلى جانب 12 مليون قطعة من الألبسة القطنية. وتم تسطير برنامج ضخم للتصدير من أجل تسويق ما يناهز 60 إلى غاية 80 من المائة من إجمالي الإنتاج نحو الأسواق الأجنبية، في صدارتها الأسواق الإفريقية والعربية. وتمثل قطاعات إنتاج الإسمنت والحديد والصناعات الغذائية إحدى القطاعات التي حققت فيها الجزائر وتيرة نمو وتقدم من أجل التوجه نحو الاكتفاء الذاتي ومن ثم التصدير نحو الأسواق الخارجية. إذ في ظل تحدي بلوغ نسبة نمو تناهز 9 من المائة نهاية السنة، التحدي القائم يكمن في تكثيف النسيج المؤسساتي الذي يوجد اليوم في قلب المعركة التنموية.